بعد أكثر من اثنتَي عشرة سنة في الحكم، يبدو بنيامين نتيناهو رغم كلِّ التظاهر، أكثر يأسًا، وأكثر قربًا من الانكشاف الفاضح وأكثر تورُّطًا فيما لا تحمد عقباه، سواء على مستوى استهانته بشعبه الإسرائيلي، وخداعة بالأكاذيب والادّعاءات، ومهارته في الإفلات من الشباك التي تُنصَب له عبر مزيد من التورُّط والعدوان والجنون.
ولم يعد يفصلنا عن الاختبار الأخير لنتينياهو سوى أقل من ثلاثة أسابيع، أي الانتخابات الإسرائيلية، وحتى إمكانية الهروب من السقوط، وهي إمكانية ضعيفة، لكنّها ستضعه على خط النهاية المأساوية .
السبب في هذا المشهد، أنّه ضرب رأسه في راس قضية كبيرة وعميقة ولا حلَّ لها إلَّا بما لا يقدر عليه هو وأمثاله وحلفاؤه، إنّها القضية الفلسطينية وشعبها الفلسطيني وعلى رأسه قيادته الشرعية التي تقف دائمًا على المسرح، وتتحمَّل الدور الذي لا يستطيع غيرها أن يقوموا به، لأنّهم غير مؤهّلين، ولأنَّهم قادمون من الشقوق، والفراغات التافهة وليس من نداءات القيامة الشاملة.
وعلى هذا نجد نتينياهو يتخبَّط كأنَّ به مسًّا من الجنون، يطالب حليفه المجنون الآخر دونالد ترمب بتقديم المزيد من الهدايا السامة، لكنّه يعرف أنَّ حليفة ترمب يذهب إلى الخطر أكثر، خدعته الحسابات الخاطئة، وخدعته صبيته الذين ملأ بهم البيت الأبيض من اليهود غير الأكفاء، والأفانجيلين، جماعات المسيحيانية اليهودية، فأينما أدار ترمب وجهة لا يجد سوى الفشل، ابتداء من قضية المناخ، والتجارة الدولية وحروبها، وإنذار الكساد الكبير، وعلامات الحرب الداخلية التي بثّها دون أن يدري، والأكاذيب التي وصلت إلى حدِّ الإيمان لدرجة أنّني اعتقد أنَّ الرجل يكذب دون أن يدري أنّه يكذب، ولذلك اعتقد أنّ حالته طارئة وتستحق اهتمام المختصين بالصحة العقلية.
وبينما يقترب دونالد ترمب من الولوج في عامه الرابع في البيت الأبيض، حيثُ انتخابات عام 2020، فإنَّ التقارير المتنوعة تشير أكثر وأكثر إلى أنّه يعاني، فقدان الثقة به، وتتّسع القدرة على إيذائه، بل إن الذين اصطدم معهم لا يوجد أحد منهم إلّا وله القدرة على إيذائه، وأنّ كل ما اعتقد أنّه سهل بسيط تبين انه صعب وشبه مستحيل، سكوت مساعديه عن أفعاله يضر به أكثر أي كأنهم يخدعونه بأبخس الأثمان، حتى نتنياهو استلم منه هدايا ضخمة دون أن يفع ثمنها، فقد الكثير من تأثيره في يهود أمريكا، وهذه الحقيقة هي حقيقة فاجعة بالنسبة لترمب، لأنّ وهمّه بان نتنياهو سيساعده حين يكون بحاجة إليه ثبت انه مرد وهم ليس إلّا.
أمام هذه المشاهد المكثّفة، وحدة وعمق وانتشار الصراع والتحدي في منطقتنا وفي العالم، فإنَّ قضيتنا تزداد رسوخًا بانها أحد أبرز مفاتيح الهدوء والاستقرار والسلام في هذه المنطقة التي هي قلب العالم، هي طريق تجارته القديم والجديد، وهي المصد الأول لطاقته التي يتحرَّك بها، هي أرض البشارات التاريخية، ونحمد الله أنّ وهبنا قيادة شرعية بمستوى الرؤية والفعل، وهي أدرى وأحرص على تجنيبنا خوض حروب الآخرين، أو الوقع في شراك الكلمات المتقاطعة، أو تصديق الأكاذيب "أجمل الشعر أكذبه".
قضيّتنا تجربة عميقة بحيث تجنّبنا التمزّق والرقص في رؤوس الآخرين، لدينا ما يكفي من الأولويات، ولدينا في تجربتنا الكثير من الإبداعات التي تؤكِّد لنا أنّ كلَّ مَن يوهم أنّه قاد على تجاوزنا، ليس سوى كاذب ومن عبدة الأوهام.