للجبهة الديمقراطية معضلةٌ تكاد تصبح مرضًا عضالاً، ونخشى ألّا يصيب الرفاق في هذه الجبهة علاجًا ناجعًا، فحينها لات ساعة مندم!!
معضلة الجبهة تتجلّى اليوم في افتتانها بالبيان الإعلامي ذي الصياغات الإنشائية، المتعالية على الواقع بترهات الأستذَة (!!) والذي تتوهَّم أنَّها بمثله تُشكِّل حضورها النضالي في ساحة العمل الوطني الفلسطيني!!
وافتتان الجبهة الديمقراطية ببيانها الإعلامي، السلعوي، على نحو ما يبيع من مواقف لخصوم الشرعية الوطنية الفلسطينية، لشراء رضاهم الأمني، خاصّةً في قطاع غزّة المطعون بسلطة القمع الحمساوية، هذا الافتتان هو ليس هذا المأخوذ بأساليبه اللغوية فحسب، وإنَّما هو الافتتان الذي يحثُّ الخطى لغايات محض حزبية، نحو توسيع خصومته مع الشرعية، وهو يصف قيادتها بالرسمية (!!) ولعلَّ الأسوأ في هذا الإطار أنَّ بيان الجبهة الديمقراطية الذي يصدر عن إعلامها المركزي، لم يعد يرى في الساحة الفلسطينية، ولعلَّه لا يريد أن يرى بقصدية غاياته الحزبية ذاتها، سوى ما تتَّخذه الشرعية، في أُطُرها القيادية، من قرارات ومواقف، ليطعن بمصداقيتها، ويُشكِّك بجديتها!! وهذا ما يفرض السؤال المنطقي والواقعي: ترى لصالح مَن هذا الطعن، وهذا التشكيك بقرارات الشرعية الصادرة عن أُطُرها القيادية، والتي للجبهة ممثِّل لها في هذه الأطر؟! علمًا أنَّ هذه القرارات خاصة الأخيرة المتعلّقة بوقف العمل بالاتفاقيات الموقَّعة مع الجانب الإسرائيلي، هي قرارات الموقف الوطني الذي اتُّخِذَ في إطاره الشرعي، والتي باتت توضع في برامج عمل مكثّفة، بهدف تجسيدها واقعًا مقاومًا للاحتلال يحقِّق أهدافها العادلة والمشروعة، وبمعنى آخر هي ليست قرارات الخطوة الواحدة المطلقة، بل هي قرارات الخطوة خطوة، العملية، وغير الشعبوية، وليست خطوات بيانات المزايدات الثورجية، هي قرارات العمل الوطني الذي يبدو أنَّ الجبهة الديمقراطية لا تريد أن تتحمَّل مسؤولياته، وهي تُصدر بيانات التشكيك والطعن التي تصوغها بلغة الأستذَة الإنشائية، والتي تتوهَّم أنّها اللغة التي تحقِّق لها ما تريد من حضور تعبوي في الساحة الوطنية!! كم ساهمت هذه اللغة بتكريس واقع الانقلاب الحمساوي، حين لم تضع النقاط على حروفها بشأن هذا الانقلاب، الذي خلَّف وما زال يخلِّف الانقسام البغيض، والواقع العنيف والمتهالك في قطاع غزة المطعون بالحصار الإسرائيلي وسلطة "حماس" معًا!!
لم يرَ هذا البيان يومًا أنَّ هذا الانقلاب، هو انقلاب لا على الشرعية فحسب، وإنَّما انقلاب على القِيَم الوطنية وأخلاقياتها، وانقلاب على المشروع الوطني التحرري لصالح مشروع الجماعة الإخونجية الذي لا علاقة له بفلسطين لا من قريب ولا من بعيد!! ومرة أخرى وأخيرة يبدو واضحًا حقًّا أنَّ معضلة "الديمقراطية" اليوم هي معضلة هذا الافتتان بالبيان الإعلامي والذي نرجو ألّا يصل بالرفاق في الجبهة إلى مرحلة الهيام التي لا تقود في المحصلة لغير الضياع وهذا على أقل تقدير.