لم يُفاجئنا شطب الخارجية الأميركية لفلسطين والسلطة الفلسطينية عن خرائطها في مواقعها الإلكترونية، فقد قُلنا منذ البداية ومنذ أن أصدر ترامب إعلانه باعتبار القدس العاصمة الأبدية "للشعب اليهودي"، قلنا في حينه إنّ هذا الإعلان هو استمرار لتنفيذ وعد بلفور، تنفيذ لمخطط إلغاء فلسطين والشعب الفلسطيني. هذا القرار عمليًّا يكشف ما كنّا نعلمه حول أهداف صفقة القرن ألا وهو تصفية القضية الفلسطينية، تصفية الوجود السياسي للشعب الفلسطيني وتصفية حقوقه الوطنية المشروعة، حق تقرير المصير، حق العودة، حق الاستقلال الوطني وإقامة الدولة المستقلة وعاصمتها القدس.
دعانا بعض الأشقاء والأصدقاء، أقصد دعوا القيادة الفلسطينية وطالبوها بالانتظار ورؤية نص صفقة القرن قبل أن ترفضوها، وعندما التأمت ورشة المنامة، التي أرادت تحويل مرجعيات عملية السلام من الأرض مقابل السلام إلى اقتصاد مقابل السلام، دعوا القيادة الفلسطينية للتجاوب وعدم مقاطعة الورشة. لقد آن الأوان لندرك، وأقصد عربيًّا، أن ندرك الخطورة الأوسع لصفقة القرن وهي ليس شطب فلسطين وإنّما شطب الأمة العربية عمليًّا.
اعتقد أصحاب بلفور والمشروع الصهيوني الاستعماري أنّهم نجحوا في نكبة فلسطين عام 1948 في الإجهاز على الشعب الفلسطيني وشطب فلسطين وشعبها، ولكن جاءت الثورة الفلسطينية التي أطلقتها "فتح" عام 1965 وتأسيس منظمة التحرير الفلسطينية في نفس الفترة لتشكل اختراقًا تاريخيًّا للمخطط وعادت فلسطين وشعبها للمعادلة السياسية وخارطة الشرق الأوسط. ونذكر وبعد اتفاق أوسلو وإقامة أول سلطة وطنية فلسطينية على الأرض الفلسطينية وتجسيد الوجود الفلسطيني على أرض فلسطين، قامت النواة الصلبة للمشروع الصهيوني باغتيال رابين وبعدها بدأت عمليا محاولات تصفية الوجود الفلسطيني المتجسد على الأرض والساعي لإقامة دولة فلسطينية مستقلة تضع حدا لتمدد وتوسع المشروع الصهيوني باتجاه العرب.
قرار الخارجية الأميركية يختصر الوقت، وقت المناورة عبر انتظار نص صفقة القرن والوصول إلى نتائج وأهدافه الصفقة قبل عرضها، باختصار وفّرت علينا هذه الحركة الغبية الاستعمارية، محاولة إقناع الأشقاء والأصدقاء بأنّ الصفقة هي تصفية نهائية للقضية الفلسطينية.
على أيّة حال كما قال بيان الرئاسة وبيان الخارجية فإنّ هذا القرار وهذه الخطوة الاستعمارية لن تغيّر من الحقيقة، حقيقة وجود فلسطين وشعبها، ليس الوجود المادي ليسوا كسكان وأقليات لها حقوق مدنية ودينية كما نص وعد بلفور بل وجود سياسي وجود لشعب له حقوق سياسية في وطنه التاريخ، وهي حقيقة أقوى بكثير من تغيير خرائط وشطب دول.