فتح ميديا - لبنان

ضحايا نفوس تدحرجت على جنبات الأزقة... أمام العتبات. ضحايا نفوس لم تخرج الآهات من حناجرها.

بعد مضي 29 عاماً على ارتكاب هذه المجزرة كان لا بد من لقاء البعض، رغم قلتهم وعدم رغبة البعض في التحدث إلينا،  لعدم جدوى الكلام "كما قالوا لنا" ولعدم تجديد الجرح، حيث كان البعض يجهش بالبكاء.

سميحة عباس حجازي والمعروفة بأم علي حيث كانت لديها الجرأة لتروي لنا كيف قتل ابنها البالغ من العمر 11 سنة بطريقة وحشية وابنتها المتزوجة حديثاً وصهرها،فقالت لنا:

أنا لبنانية من الجنوب، تزوجت الفلسطيني حسن إدلبي الذي خطف على يد الكتائب اللبنانية خلال حصار مخيم تل الزعتر ولم يعثر عليه حتى الآن. انتقلت إلى شاتيلا وعشت سنوات في كنف الفلسطينيين الذين لم يتخلوا عني يوماً وما زالوا حتى اللحظة على عكس أهلي الذين تخلوا عني. وتضيف أم علي: مساء الخميس 16 أيلول 1982 أي يوم بدء المجزرة كنت أقيم في مبنى النمساوية في منطقة الحرش الملاصق لمخيم شاتيلا، طلبت من ابني علي أن يتوجه إلى منزل ابنتي زينب المتزوجة حديثاً "التي تسكن في الحي الغربي خلف المدينة الرياضية” أن تأتي وزوجها لتناول العشاء معي. وطال غياب علي، ومرت الساعات وبدأت الهواجس تنتابني وخاصة بعد سماعي صوت إطلاق نار كثيف مصدره المدينة الرياضية. لم أستطع الخروج من المنزل بعد انتشار شائعة بأن هناك مجزرة. في اليوم التالي دخل مسلحون منزلي وكانوا يضعون شارة الكتائب وطلبوا مني مغادرة المنطقة وبينما كنت أسير شاهدت الجثث هنا وهناك وقرب إحدى الجثث وجدت الكثير من الإبر مما يدل على أنهم كانوا يتعاطون المخدرات لأن من يقوم بارتكاب هذه المجازر إما  ان يكون حيواناً مفترساً أو فاقد الوعي. فوراً توجهت إلى منزل ابنتي وذهلت من هول المشهد، تقول أم علي "لا يفارق مخيلتي حتى اللحظة هذا المشهد، علي وزينب وصهري، ضربوا بالبلطات على رؤوسهم، دماغ ابني على الأرض". وجهشت أم علي بالبكاء وبدأت تهيل الشتائم لشارون وبوش.

ولم تقتصر مأساة أم علي على فقدان أولادها وصهرها، فقد كانت تعاني من مشاكل عدة، فهي منبوذة من أهلها لأنها تزوجت فلسطيني، كما كان عليها العمل لإعالة أسرتها، حتى أهلها لم يساعدوها آنذاك في لملمة جثث أولادها، فقامت بنفسها بلف الجثث بيديها العاريتين ودفنتهم في مقبرة المجزرة. وما زالت حتى اللحظة جدران منزلها في الحرش تحتضن صورة ابنتها في ثوب الزفاف وابنها علي.

يمامة عبد الله "أم أحمد سرور"

استشهد زوجها أبو أحمد وأولادها شادي 4 سنوات وشادية 9 اشهر وفريد 5 سنوات وإصابة سعاد في منزلهم في منطقة الحرش "مكان المجزرة"

بداية رفضت أم أحمد أن تقابلنا بعد أن علمت أننا جئنا لمقابلتها من أجل الحديث عن المجزرة، ولكنها ما لبثت أن وافقت على مقابلتنا، وقالت أم أحمد:

سمعنا طرقاً على الباب وطلب المسلحون من أبو أحمد فتح الباب بداية رفضنا أن نفتح لهم، ولكن ما لبث أبو أحمد أن فتح لهم الباب، فدخلت مجموعة كبيرة من المسلحين، وعرض أبو أحمد عليهم أن يأخذوا ما يملك من المال وأن يتركوه والأطفال وشأنهم فأخذ المسلحون مبلغ 28000 الف ليرة لبنانية وقاموا بإطلاق النار على أبو أحمد وشادي وشادية وفريد وقتلوا على الفور، واصبت انا وسعاد وبقيت سعاد على قيد الحياة تنزف لمدة 24 ساعة حتى تم انقاذها. وعلى الفور هربت مع بقية أولادي ماهر وإسماعيل ونهاد باتجاه مخيم شاتيلا وأبلغت السكان بحدوث المجزرة ولكن احداً لم يصدقني.

ام حسين برجي اسمها ميلانة الها وهي مسيحية متزوجة من لبناني تقيم في منطقة الحرش. عانت ما عانته يوم ارتكاب المجزرة كانت تبلغ من العمر آنذاك 43 سنة، الآن لها من العمر 71 سنة، بدأت ذاكرتها تخونها وكانت تكلمنا وتتوقف لتستجمع ما بقي في الذاكرة. فقدت في المجزرة شريك عمرها وولدين  وابن سلفها الذي ربته صغيراً واصيب لها ولد آخر.

حكايتها او ما علق في الذاكرة تقول ام حسين: يوم ارتكاب المجزرة سبقها اطلاق رصاص كثيف هربنا الى الملجأ انا وزوجي وبناتي واولادي وابن سلفي ولم نكن ندري ما يجري في الخارج. وفجأة وقف مسلحون على باب الملجأ وبدأوا ينادون علينا كل باسمه وكنت انا اول الخارجين مع زوجي واولادي، وطلبوا منا ان نشكل صفين، واحد للرجال وآخر للنساء والاطفال. وكان المسلحون من القوات اللبنانية والكتائب وجيش لحد وقلت لهم: اتيتم لتنقذونا من الاسرائيليين فأجابني احدهم: هيك وهيك يا اخوات.... من الكلام الوسخ. واجبته لماذا تفعلون بنا هكذا انا مسيحية واجاب المسلح: "هلق كلكلوا صرتوا مسيحية ولبنانية" واخذونا الى تلة خلف المدينة الرياضية وكان معي ابنتي احملها على يدي وهناك شاهدت "الإسرائيلية وناساً كثراً"  وتابعنا الى السفارة الكويتية وكان هناك شارون وحبيقة ووضعونا  في الشاحنة وأخذونا الى الاوزاعي وبقينا حتى الليل وفي الصباح تركونا فأخذت بناتي الى منطقة حي السلم وعدت للبيت في الحرش ابحث عن زوجي واولادي وذهبت الى الملجأ وهناك شاهدت أولادي وقد ضربوا بالبلطة وزوجي ممدد على الارض جثة هامدة ولم يكن هناك اي آثار للضرب او الرصاص مما يدل على ان المسلحين قتلوا أولادي قبله واصيب بسكتة قلبية من هول المشهد. اما ابنها الثالث فبقيت تبحث عنه ثلاثة ايام بين القتلى تبين فيما بعد انه اصيب في يده اليمنى وبطنه وخرجت امعاؤه وانقذه جمال المجذوب حيث كان يعالج في المستشفى.

عزاء ام حسين بزوجها واولادها انهم قتلوا مظلومين ولم يكونوا يقاتلون او يحملون السلاح وليس لهم اعداء. وتردد ام حسين دائماً: "الله يظلم الي ظلمهن ويبعتلوا ابن حرام يعمل فيه متل ما عملوا فينا، قتلوا حبيقة لأنه اراد ان يقول الحقيقة". ودائماً تدعو ام حسين بطول العمر لشارون كي يطيل الله له بالعذاب على ما ارتكب من جرائم.

ستبقى مجزرة صبرا وشاتيلا وصمة عار على جبين المجتمع الدولي وستبقى ارواح الضحايا تطارد مرتكبي هذه المجزرة حتى الاقتصاص منهم.

تحقيق/ حسن بكير