بقلم: سميح شبيب

باتت المقاومة المدنية في فلسطين، الأسلوب الأفضل. إن لم نقل الوحيد، في مقاومة الاحتلال الإسرائيلي، بظواهره المختلفة، وأبرزها الاستيطان ومصادرة الأراضي وهدم المنازل، والممارسات العنصرية للمستوطنين في اقتلاع الاشجار، والعدوان المتواصل على المزارعين الفلسطينيين، وتواصل بناء جدار الفصل العنصري.

برزت أهمية المقاومة المدنية، بعد ممارسة المقاومة المسلحة، إبان الانتفاضة الثانية، وهي ممارسة اسهمت إسرائيل بجر الفلسطينيين إليها، وذلك بهدف وضع الفلسطينيين في مربع هي الأقوى فيه، ومن خلاله، تعمل على استغلال بعض الممارسات العسكرية الفلسطينية، وتصويرها على أنها شكل من أشكال "الارهاب"، علماً بأن المقاومة، بكافة أشكالها، هي أمر مشروع في حال احتلال أراضي الغير...

أسهمت ممارسات "حماس" العسكرية، باستهداف المدنيين والقتل دون تمييز، في مساعدة إسرائيل، فيما ذهبت إليه، في تصوير المقاومة المسلحة الفلسطينية، على أنها إرهاب وليست مقاومة.

بعد أن وضعت الانتفاضة الثانية أوزارها، وبعد معاناة الفلسطينيين من حالة حصار مرهق ومدمر لبنيانهم الاقتصادي-الاجتماعي، فكرت القوى السياسية والشعبية الفلسطينية، بوسائل أنجع، ترمي لتحقيق أهدافهم الوطنية في إجلاء الاحتلال الإسرائيلي عن أراضيهم، وتحقيق أهدافهم الوطنية في الاستقلال والحرية.

لاقت الدعوة للمقاومة المدنية، ترحيب الأوساط الشعبية الفلسطينية، وكذلك في الأوساط الإقليمية والدولية، وشاركت بها، قوى سياسية واجتماعيةإسرائيلية ودولية على حد سواء.

أثمرت المقاومة المدنية في فلسطين، في فضح البعد العدواني العنصري للجيش الإسرائيلي، والتعبير بشكل سليم وصادق، عن عزم الفلسطينيين في نيل حريتهم واستقلالهم. حققت المقاومة المدنية، أهدافاً وطنية شتى، منها فضح ممارسات الهدم ومصادرة الأراضي، وما يترتب على بناء جدار الفصل العنصري من هدم المجتمع الفلسطيني، اجتماعياً واقتصادياً على حد سواء...

تأسست لجان شعبية فلسطينية في القرى والبلدات الفلسطينية، ممن تضررت مصالحهم المباشرة، وأصبح العيش في قراهم وبلداتهم شبه محال، على ضوء ما يترتب على بناء جدار الفصل العنصري.

حققت المقاومة المدنية، الكثير من أهدافها، دون اللجوء للعنف أو استخدام السلاح كما وأبدعت تلك المقاومة، أساليب مستحدثة وجديدة، أغنت تلك المقاومة، بوسائل مبتكرة.

على الرغم من النجاحات المشهودة للمقاومة الشعبية في فلسطين، وعلى الرغم مما ابتكرته من وسائل ناجحة، لكنها لم ترق حتى الآن، إلى مستوى المقاومة الشعبية العامة في مقاومة الاحتلال، ذلك أنها اقتصرت على نقاط تماس محدودة، مثل بلعين ونعلين والنبي صالح والمصرة غرب رام الله، ولم تشمل نقاط التماس كافة، أو معظمها في الضفة الغربية. كان من الأجدى والأنفع أن تشمل المقاومة المدنية، أوسع قدر من النقاط، التي يتواجد بها تماس استيطاني، أو من جراء الجدار وما يترتب عليه... لم تشمل المقاومة المدنية، النقاط الرئيسة والمركزية في الضفة الغربية، بل بقيت محصورة في نقاط محدودة للغاية.

الملاحظة الثانية فيما يتعلق بالمقاومة المدنية، هو عدم المشاركة الفاعلة والنشطة لفصائل العمل الوطني الفلسطيني، وقادة الفصائل الفلسطينية، ومسؤولي السلطة الوطنية الفلسطينية، بل اقتصرت على قوى نمطية من السكان المحليين والمتضامنين الدوليين والإسرائيليين!!!

صحيح أن المقاومة المدنية حققت العديد من أهدافها، لكنها لم ترق إلى المستوى الوطني العام، وهذا ما يتطلب جهوداً جدية، تقوم بها القوى الفلسطينية كافة، لرسم ملامح إستراتيجية وطنية للمقاومة المدنية.