فلسطين والعرب والمسلمون والمسيحيون، هزموا أميركا وإسرائيل والصهيونية واليهود، تلك هي الحقيقة الصاعقة المجردة من التهويل والإدعاء، تلك هي الحصيلة التي تعكس الصراع بين الحق والباطل، بين من يملك وبين من يدعي التملك، بين الشعب وبين الاحتلال، بين الظالم والمظلوم، صحيح أنهم يملكون القوة والنفوذ والتفوق، ونحن نملك الحق والعدالة والإيمان بالانتصار في نهاية المطاف، هم يملكون أن يبطشوا، ونحن نملك الاستعداد للتضحية، هم يملكون شاكير البشعة وزيرة العدل، ونحن نملك الصبية الجميلة عهد التميمي، لديهم ليبرمان ولدى الفلسطينيين إبراهيم أبو ثريا، يملكون جيشاً مدججاً بالسلاح، بينما الشعب الفلسطيني ورثة السيد المسيح يملك الفتى فوزي الجنيدي المشبع بالثقة والأنفة والكرامة، نحن نملك أطفالاً بعمر الزهور وشيباً من المجربين ورجالاً من القادة ومن النساء البواسل والشباب المفعمين بالأمل والممسكين بالمستقبل.
هزائم متتالية لترامب وفريقه، ولنتنياهو ومستعمريه، وانتصارات تراكمية لفلسطين ومن معها من الأردنيين والمصريين واليمنيين وسائر العرب والمسلمين والمسيحيين، يوم 7/12/2017 لم يكن تصويتاً لدى مجلس الأمن، فتكلم مندوب 14 دولة مع فلسطين ودولة واحدة هي أميركا مع المستعمرة الإسرائيلية، وتكرار الإصرار والانحياز يوم 18/12/2017، صوتت 14 دولة مع فلسطين، ووحدها أميركا منفردة أحادية معزولة، ومن أقرب حلفائها وأصدقائها صوتوا مع فلسطين : فرنسا، وبريطانيا، وإيطاليا، والسويد، والملفت أن منهم من ساهم بصنع المشروع الاستعماري التوسعي الإسرائيلي، بريطانيا بقراراتها وتوظيف الانتداب لتغيير الوضع على الأرض الفلسطينية لمصلحة إقامة المستعمرة الإسرائيلية كما روديسيا وجنوب أفريقيا، وفرنسا ساهمت بأسلحتها، إضافة إلى ألمانيا بتمويلها وتقديم التعويضات المالية عن جرائم النازيين ضد اليهود، قبل أن تتباهى الولايات المتحدة بالكامل فتصبح هي الراعي والحامي للمشروع الاستعماري التوسعي الإسرائيلي برمته، عسكرياً وتكنولوجياً واستخبارياً واقتصادياً ومالياً، وتوفير المظلة للجرائم الإسرائيلية وحمايتها من المساءلة القانونية ومن العقوبات الضرورية وفق القوانين الدولية.
كرئيس لأميركا خرج عن اتزانه وتصرف كتاجر جشع طماع شايف حاله عبر ازدراء الأخرين وهدد من لم يصوت لأميركا سيفقد رضى أميركا وهباتها ومساعداتها، وهكذا كان صوته عبر سفيرته نيكي هيلي الأكثر فجاجة في التعبير عن سياسته وتطرفه في العداء للأخر، والأخر هو الفلسطيني والعربي والمسلم والمسيحي، فهو ضيق الأفق، وهي إنجيلية متعصبة تؤمن مثل نائب الرئيس بنس أن فلسطين أرض الميعاد، ولا صلة لها بشعبها المقيم فيها، والمتوارث لها منذ ألاف السنين، ومع ذلك، ورغم التهديدات الرئاسية الأميركية لبلدان العالم، فقد صوت 128 لصالح فلسطين ضد أميركا وتهديداتها، وتراجع عن التصويت الإيجابي فقط عشرة دول، فقد أعترف بفلسطين يوم 29/11/2012، عبر تصويت الجمعية العامة أنذاك 138، وتراجع العدد وصمد إلى 128، وأنزوى 10 دول خوفاً وهربوا عن حضور الجلسة ولم يصوتوا، لأن الذين رفضوا يوم 29/11/2012، كانوا 9 دول والذين كرروا الرفض مع أميركا تسع دول فقط يوم 22/12/2017، مرة أخرى.
الصمود في الموقف العربي والإسلامي والأفريقي والآسيوي وعدم الانحياز ودول جنوب أميركا اللاتينية شجاع وملموس رغم التهديدات الأميركية لممارسة العقوبات لدفعهم عن التصويت مع فلسطين، وجاء التحول الأوروبي في الموقف من التصويت التقليدي لصالح تل أبيب ودعمها إلى الانتقال نحو التصويت لصالح فلسطين، تحول جوهري نوعي عميق ملموس، يشكل رافعة قوية لها يجب الحفاظ عليه وتطويره؛ لأنه ثقل في الميزان سيرجح الانتصار الفلسطيني في نهاية المطاف حيث يقترب الموقف الأوروبي خطوة خطوة نحو فلسطين، ويبتعد خطوة خطوة عن المستعمرة الإسرائيلية، ولهذا فهو يحتاج لعوامل متشابكة من المصالح، وعمل الأحزاب، والبرلمانات، وإعلام مقروء نزيه يُجيد توصيل رسائل العار الإسرائيلية لسلوكها الفاشي ومحارقها اللاإنسانية ضد الفلسطينيين والعرب والمسلمين والمسيحيين.
دور الكنيسة وقادة الطوائف المسيحية لهم تأثير معنوي أخلاقي نبيل، يُعري التطرف والعنصرية الصهيونية الإسرائيلية اليهودية، وتقاطعاتها، مثلما دور الأزهر الشريف والمرجعيات الإسلامية السنية والشيعية والدرزية، وجميعها يجمعها الإيمان والأخوة والشراكة والعدالة الإنسانية لبني البشر ورفض الظلم، والترحيل القسري، والإغتصاب الهمجي الذي يتعرض له الشعب الفلسطيني بشكل منهجي منظم مدروس.
قرارات الشرعية الدولية : الأمم المتحدة، وجمعيتها العامة، ومجلس الأمن، واليونسكو، لم تحم فلسطين من الاستعمار الإسرائيلي، ولن تعيد للشعب الفلسطيني حقوقه، فالنضال الفلسطيني هو الأساس وهو الأهم، مهما كان ضعيفاً وفقيراً، فهو كرة الثلج الصغيرة المتدحرجة التي تكبر بالنضال والوحدة الوطنية، وبالبرنامج السياسي المشترك، وبالمؤسسة التمثيلية الموحدة : منظمة التحرير وأداتها على الأرض وفي الميدان سلطتها الوطنية، وعبر الأدوات الكفاحية المتفق عليها وفق البرنامج السياسي المشترك عليه والملتزم به، هو الأساس، وتجارب الشعوب التي هزمت مستعمريها ونالت استقلالها تؤكد ذلك، وتجربة الشعب الفلسطيني تدلل على ذلك، فلولا نضال اللاجئين خارج الوطن لما كانت منظمة التحرير وإنجازاتها والاعتراف بها وبشعبها وحقوقه، ولولا نضال الفلسطينيين داخل الوطن لما تعرى الاحتلال وتم هزيمته ثلاث مرات :
الأول في الانتفاضة عام 1987، التي أرغمت إسحق رابين على الاعتراف بالعناوين الثلاثة : بالشعب الفلسطيني، وبمنظمة التحرير، وبحقوق الشعب الفلسطيني، وكان حصيلة هذا الاعتراف الإسرائيلي الأميركي : 1- الانسحاب الإسرائيلي التدريجي المتعدد المراحل من المدن الفلسطينية من غزة وأريحا أولاً، 2- عودة الرئيس الراحل ياسر عرفات ومعه أكثر من 320 ألف فلسطيني طوال المرحلة الانتقالية من عام 94 حتى 1999، 3- ولادة السلطة الوطنية كمقدمة لقيام الدولة الفلسطينية المنشودة على أرض الوطن.
أما الهزيمة الثانية للاحتلال فكانت على أثر الانتفاضة الثانية عام 2000، التي أرغمت شارون على الرحيل عن قطاع غزة بعد فكفكة المستوطنات وإزالة قواعد جيش الاحتلال عام 2005.
والهزيمة الثالثة كانت لنتنياهو في شهر تموز 2017، حينما أرغم أهل القدس وتضامن فلسطينيي مناطق الاحتلال الأولى عام 1948، أبناء الجليل والمثلث والنقب ومدن الساحل المختلطة، وقياداتهم السياسية والبرلمانية، حينما أرغموا حكومة الاحتلال عن فكفكة البوابات الإلكترونية، وأزالت الكاميرات الذكية.
إذن النضال الفلسطيني هو الأساس وكرته الثلجية المتدحرجة عبر العمل الكفاحي التدريجي متعدد المراحل، الذي يحتاج حقاً لروافع عربية وإسلامية ومسيحية ودولية، ومن هنا قيمة ما جرى وما تم من تصويت وقرارات وإنحيازات تراكمية تدريجية لصالح فلسطين، التي لن تتحرر بالضربة القاضية الموجعة للمشروع الاستعماري التوسعي الإسرائيلي بل من خلال عمل نضالي تراكمي طويل الأمد كما فعلت الصهيونية، فهي لم تنجح في إقامة مشروعها ومستعمرتها الإسرائيلية دفعة واحدة، بل على مراحل معتمدة على عاملين هما :
أولاً : مبادراتها التنظيمية في عقد المؤتمر الصهيوني 1898، وقيام الوكالة اليهودية، والهجرة الأجنبية، وبناء الجامعة العبرية، وتشكيل التنظيمات المسلحة على الأرض.
وثانياً دعم المجتمع الدولي لها بدءاً من وعد بلفور 1917، وإجراءات الانتداب وتسهيل هجرة اليهود الأجانب إلى فلسطين خلال العشرينيات والثلاثينيات والأربعينيات، مروراً بقرار التقسيم 1947، واتفاقيات الهدنة مع لبنان وسوريا والأردن ومصر 1948 - 1949، إلى القرار 242 على أثر الاحتلال لكل خارطة فلسطين عام 1967، إلى معاهدتي السلام كامب ديفيد ووادي عربة، واتفاق أوسلو.
ولذلك يحتاج الشعب الفلسطيني مواصلة صموده على الأرض، واستمرار نضاله ضمن برنامج كفاحي مشترك تصوغه مختلف الفصائل والفعاليات، في إطار مؤسسات تمثيلية موحدة، بمشاركة الكل الفلسطيني على قاعدة التحالف الجبهوي العريض والوحدة الوطنية، فهي السلاح المجرب القادر على تحقيق الإنجازات وبغيرها لا يمكن لإمكانات الشعب الفلسطيني الضعيفة أمام تفوق العدو أن يحقق أهدافه في هزيمة الاحتلال الإسرائيلي، والتجارب القريبة الماثلة أمامنا وبين أيدينا دلائل حسية على ذلك، أخرها في الانتصار الذي تحقق في القدس في شهر تموز 2017، مقابل الفشل والتراجع والإخفاق هو عنوان كبير جسدته حركة "حماس" طوال فترة إدارتها المنفردة لقطاع غزة عشر سنوات، إضافة إلى تجربتي الفشل لثورة السكاكين التي بدأت منذ 3/10/2015، رغم تضحيات أبطالها ومنفذيها فقد فشلت لسبب جوهري يتمثل بكونها بطولات فردية بلا حاضنة جماهيرية، ارتقى خلالها أكثر من 250 شاباً وشابة من فلسطيني من مناطق 67 ومناطق 48 استشهدوا خلال الأشهر الماضية، ومع ذلك كان عنوانها الانكسار والخسارة لغياب الوحدة الوطنية كرافعة لها، وكذلك إضراب أسرى الحرية في سجون الاحتلال يوم 17/4/2017، واستمر لأربعين يوماً ولم يحقق أهدافه السياسية والوطنية ويعود ذلك أيضاً لغياب الوحدة الوطنية في إدارته وفي الاتفاق عليه ومعه.
ومن هنا أهمية العمل الفلسطيني ضمن الوحدة الوطنية ضد الاحتلال لجعله مكلفاً وغير أخلاقي ومنبوذ، مثلما يحتاج للروافع والدعم والتضامن اللبناني السوري الأردني المصري، كأطراف شقيقة محيطة لفلسطين أولاً، وثانياً باقي العرب وكل المسلمين والمسيحيين وقوى السلام والخير والعدل في العالم، وما قرارات الأمم المتحدة سوى التعبير عن ذلك الانحياز والتفهم لعدالة المطالب الفلسطينية وشرعيتها ونزع الشرعية عن المشروع الاستعماري التوسعي الإسرائيلي وتعريته مع داعميه.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها