خلال سنة سقط في القدس المحتلة منطق القوة والغطرسة، منطق الاحتلال الإسرائيلي، وبالمقابل انتصر منطق الحق والواقع. في اقل من عام، وعند أبواب المسجد الأقصى واليوم عند باب كنيسة القيامة اضطر الاحتلال إلى التراجع، وان يرضخ منطق القوة الغاشمة أمام منطق الحق والعدل، والأهم هو أن إرادة الشعب الفلسطيني الموحدة والصلبة هي التي انتصرت.
بالطبع هذا الانتصار لا يعني أن ننام على حرير لمجرد إننا أجبرنا سلطة الاحتلال على التراجع، وان نقول: إن منطق الحق وحده يمكن هزم المخططات الإسرائيلية الصهيونية في القدس. ولكن ما أثبتته التجربة أن الإمساك بالحق ومنطق العدل والوحدة الوطنية حول الهدف هو القادر على هزيمة قرار ترامب وهزيمة الاحتلال في نهاية المطاف.
في كلا الحالتين، عندما استخدمت إسرائيل قوة الاحتلال لتفرض واقعاً عند مدخل المسجد الأقصى في تموز/ يوليو الماضي، واليوم من خلال الضرائب ضد كنائس القدس، في كلا الحالتين، حاولت فرض سيادته على القدس وفشلت. فالمعركة في القدس كانت وستبقى هي معركة حول السيادة. وفي كلا الحالتين خانت الغطرسة دولة الاحتلال، عندما حاولت فرض سيادتها عبر المس بأقدس مقدسات المسلمين والمسيحيين: الأقصى والقيامة.
على أية حال، فإسرائيل مصابة بالعمى، وهذا سر ضعفها، وربما سر هزيمتها وهزيمة احتلالها في النهاية، والسبب هو أن الرواية الصهيونية عمياء بالأساس فهي لا ترى بالتاريخ إلا التاريخ اليهودي، وتعتقد أن روايتها الدينية هي التاريخ كله، لذلك سقطت في الامتحان عندما اصطدمت بالواقع، وتصدى لها تاريخ وواقع الغير الذي أغمضت عينها عنه.
الوجود المسيحي في القدس، هو وجود ملموس في الواقع وفي التاريخ، بل أن جوهر الرواية المسيحية الدينية يجري جغرافيا في القدس، فأي مغفل يمكنه أن يغفل هذه الحقيقة، وهنا تأتي عبقرية عمر بن الخطاب عندما جاء فاتحاً للقدس أدرك حقيقة الواقع المسيحي في هذه المدينة وقرر عدم التصادم معها، وإنما الاعتراف بها، وبالتالي تعايشت الديانات المسيحية والإسلامية في القدس على امتداد قرون.
مع وجود إدارة أميركية تتبنى الرواية الصهيونية بحماس وربما بتهور، فهي بذلك تضاعف من العمى الإسرائيلي ومن الغطرسة الإسرائيلية، بالتالي إسرائيل ترتكب الخطأ الآخر أمام العالم، والسؤال هل ستستفيد إسرائيل من الدروس والعبر وتفتح عينيها على الواقع والحقيقية، أم ستبقى عمياء؟
على ما يبدو أن إسرائيل ستبقى في عماها، لأنها كذبت كذبة وصدقتها تماماً، وفي الواقع العملي عندما يواصل إنسان الكذب على نفسه من الصعب أن يستفيق ويراجع نفسه ويتصرف انه يعيش على كذبة، وان الواقع مختلف.
عندما نقول نحن الفلسطينيين أن عاصمتنا هي القدس الشرقية، مدينة مفتوحة أمام أصحاب الديانات السماوية الثلاث، إنما نؤكد قبولنا للآخر وبمنطق الوعي للتاريخ والواقع وبمنطق التعايش الإنساني. ولنذكر هنا انه وقبل ظهور الصهيونية كانت الأديان الثلاث موجودة تتعايش في القدس جنباً إلى جنب.. إذا من المسؤول عن تعقيد المشهد في القدس اليوم؟
ولعل الاستنتاج الأخير أن منطق الحق والعدل، سيبقى الأقوى من منطق القوة الغاشمة والاحتلال، لذلك فإن قرار الرئيس ترامب الذي أراد أن يرى القدس من خلال العين الصهيونية لن يمر مهما تكون القوة التي تقف خلفه.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها