تأتي علينا ذكرى انطلاقة حركة "فتح" أنبل وأعظم ظاهرة وطنية عرفها التاريخ البشري المعاصر بين حركات التحرر الوطني في العالم؛ في ظِّل ظروف استثنائية وصعبة وخطيرة؛ ومتغيرات ومؤامرات محلية وإقليمية ودولية، وعلى الرغم من تلك المتغيرات والمؤامرات والفتن والدسائس والضغائن، وتغول الاحتلال، إلا أن المارد الفتحاوي الأسمر، بقي صامداً يخرج كطائر الفنيق من تحت الرماد أكثر قوة وصلابة؛ فكانت حركة "فتح" أول الرصاص وأول الحجارة هي السباقة لحمل البندقية والانطلاق لتحرير كل فلسطين التاريخية من البحر إلى النهر ولتحرير القدس الشريف من خلال الكفاح المسلح، ضد أعتى وأقوى احتلال صهيوني احلالي مُجرم فاشي في العالم، ومنذ ما يزيد على نصف قرن كانت انطلاقة الثورة الفلسطينية المعاصرة، في 1/1/1965م، أقسموا اليمين على تحرير فلسطين بالروح والدم وبالكفاح المسلح ضد الصهاينة المحتلين؛ فكان ثُلة من المؤمنين بالله الموحدين من أبناء فلسطين منهم أبو محمد العمري، وأبو يوسف - محمد يوسف النجار، وأبو جهاد وأبو إياد، وأبو الهول، والكمالين، من أشعل الشرارة للثورة من المؤسسين الأوائل رحمهم الله، وعلى رأس أولئك القادة الشهداء رحمهم الله- الشهيد القائد البطل أبو عمار شمس الشهداء رحمه الله؛ فأسسوا حركة "فتح" لتحرير أرض الرباط فلسطين أرض المحشر والمنشر، لتكون بذرتها الأولى للحركة نابعة من كتاب الله عز وجل القرآن الكريم، انطلاقاً من قوله عز وجل:(إذا جاء نصر الله والفتح)، واستبشاراً بقوله تعالى:( إنا فتحنا لك فتحاً مبينًا)، لتتحول، وتقلب الحروف الأولى من :"حركة التحرير الوطني الفلسطيني"، "حتوف"، ومعناها الموت، إلى "فتح"، وليختار الشهيد القائد المؤسس ياسر عرفات أبو عمار، واسمهُ الحقيق: "محمد عبد الرحمن عبد الرؤوف عرفات القدوة الحسيني" اسماً حركياً عرفه العالم كله وهو اسم حركي: "ياسر عرفات" فكان للاسم دلالة ورمزية دينية وهو تيمُننًا بآل ياسر من الصحابة الكبار الكرام الذين صمدوا في وجه العذاب من كفار قريش في بطحاء مكة، كانت فتح فكرة، أشعلت ثورة، والفكرة من الإنشاء لحركة "فتح" لتكون الإطار الأعم والأشمل الذي يعمل على التحرير من أجل استقطاب كافة أبناء الشعب الفلسطيني بغض النظر عن توجهاتهم المختلفة الفكرية والعقائدية، والتي خرجت بعد نكبة وتشريد الشعب الفلسطيني في أصقاع الأرض ليكونوا لاجئين ولهم كرت تموين يتكففون الناس لا مصير لهم، فجاءت فتح لتلملم الجراح وتقلب قضية الشعب الفلسطيني من قضية كرت تموين ولاجئين مشردين مستضعفين، إلى فدائيين مقاتلين مجاهدين أبطال، إن حركة "فتح" فلسطينية عربية إسلامية الوجه والعمق، وعالمية البعد، ونقية وصافية النبع، وقبلتها هو النضال والجهاد والمقاومة بكافة أشكالها من الكفاح المسلح إلى المقاومة الشعبية، لتحرير أرض المقدسات الإسلامية والمسحية؛ خاصة أن فلسطين أرض الرباط ومهبط الرسالات السماوية، كانت انطلاقة الحركة بمثابة الأيقونة ومفتاح الأمل لشعبنا الذي خرج بعد النكبة مشردًا مُشتتاً ولاجئًا في كل أصقاع الأرض؛ ووجد تنظيمات كثيرة أنذاك لكن كل تنظيم وحركة كانت لها أجندتها الخاصة؛ في ذلك الوقت وجدت حركة "فتح" أن الكفاح المسلم هو الطريق الأقرب لتحرير فلسطين لوجود الظروف مواتية لذلك، مع وجود الكثير من المؤيدين والمناصرين والداعمين للقضية الفلسطينية؛ إن فتح هي الإطار الأعم والأشمل الذي يعمل على استقطاب كافة أبناء الشعب الفلسطيني وكافة أحرار العالم، بغض النظر عن أفكارهم الأيديولوجية، ومعتقداتهم الفكرية، فلكل إنسان حرية أن يحتفظ بفكره لنفسه سواء كان مُسلماً سُنياً متدينًا، أو علماني أو يساري أو قومي الخ..، وله حرية الفكر والمعتقد؛ لكن البوصلة الحقيقية للحركة والهدف هو عقائدي إيماني قرأني يأتي من خلال تحرير أرض الرباط فلسطين والمسجد الأقصى المبارك قبلة المسلمين الأولى، والذي فيه المسرى والمعراج للنبي صلى الله عليه وسلم، ومنذ انطلاقتها نادت حركة "فتح" باستقلالية القرار الوطني الفلسطيني ليكون مستقلاً، وأن لا نكون تبعًا لأحد ولا لأجندات دول عربية أو غربية، بل أجندة الحركة كانت نقية وشعارها: ( لا للاحتواء أو التبعية لأحد)، ونعم للقرار الوطني الفلسطيني المستُقل النابع من الفكر الوطني؛ تأتي ذكرى انطلاقة الحركة اليوم في ظل استمرار النضال والكفاح الفلسطيني وارتقاء الشهداء للعلياء وأهات الجرحى وعذابات المعتقلين في سجون الاحتلال، جاءت الذكرى في ظل حصار يتعرض له الشعب الفلسطيني كله، والسلطة الوطنية، والرئيس أبو مازن خصوصًا، والذي تعرض لضغط كبير وبلطجة سياسية من الرئيس الأمريكي ترامب والذي رُدت له الصفعة وبصقه العصر، بعد قراره الأحمق الذي لا يساوي الحبر الذي كتبه به بأن القدس الشريف عاصمة أبدية لكيان الاحتلال الصهيوني الغاصب، مما أشعل ثورة غضب فلسطينية بقيادة حركة "فتح" والجماهير الفلسطينية، وتوجت تلك التحركات الرافضة للقرار شعبياً ورسمياً بالتوجه للأمم المتحدة ومن ثم الجمعية العامة التي صوتت بأغلبية ثُلثي الأعضاء فألغت وأبطلت قرار ترامب وعزلت أمريكا وعرت سياستها العنصرية المتناغمة مع الاحتلال، وبالمقابل بدأت تتعرض القيادة الفلسطينية لضغوط كبيرة إقليمية ودولية، ولكن الموقف الفلسطيني بقي موحداً بأن القدس الشريف خط أحمر وهي عاصمة أبدية لدولة فلسطين، وعادت القضية الفلسطينية للواجهة من جديد ولسلم أولويات العالم؛ ونجحت حركة "فتح" بقيادتها الحكيمة وبالحنكة السياسية، أن تعُري الإدارة الأمريكية وعزلها دولياً فهي لم تعد وسيطاً نزيهاً للسلام؛ تأتي ذكرى الانطلاقة في ظروف استثنائية وللأسف مع استمرار الانقسام الفلسطيني البغيض، واستمرار هبة وانتفاضة القدس المباركة؛ والتي تتراوح بين مد وجزر، وفي ظروف محلية وعربية وإقليمية ودولية صعبة ومعقدة للغاية وفي ظل متغيرات كثيرة، مع وجود حكومة يمين صهيونية متطرفة بزعامة نتنياهو الغارق بملفات الفساد والإفساد في الأرض؛ ومع وجود رئيس أمريكي صهيوني حاقد للولايات المتحدة الأمريكية ومعهُ إدارة متصهينة؛ وفي كل تلك المحن تولد المنح. فتهل علينا الذكرى ال53 وشعبنا الفلسطيني لا يزال يقاوم وصابر وصامد فوق أرضه يرفض مشاريع التصفية من ضم الضفة، وتقسيمها لكنتونات، ويرفض كيان يسمى دولة في غزة، ويرفض التوطين للاجئين ويطالب بحق العودة وبحقوقه كاملةً غير منقوصة؛ وبرغم الألم يزرع الأمل، وينتفض شعب فلسطين وحركة "فتح" في وجه الاحتلال الصهيوني المُجرم الغاشم.؛ وتنتفض القيادة بمقاومة المحتل وأعوانهُ في العالم دبلوماسياً وسياسياً وشعبياً ضد مشروع التهويد والاستيطان، ويهودية الدولة الخ... تأتي الانطلاقة للمارد الأسمر الفتحاوي في ظل استمرار ممارسات الاحتلال القمعية من خلال الإجراءات التعسفية، والقتل والاعتقال وهدم البيوت؛ واعتقال الأطفال وسحقهم وسحلهم، كما حدث مع الطفلة المناضلة المعتقلة في سجون الاحتلال البطلة الماجدة عهد التميمي، هي وأمها. إن حركة "فتح" خّطت مسيرتها النضالية والكفاحية الطويلة والتي سطرتها بسجل البطولة والشرف وارتوت الأرض بدماء ألاف الشهداء والجرحى والأسرى، والثكالى واليتامى، ورغم ذلك لا تزال فتح قيادة وقاعدة وكوادر وعناصر وشعب فلسطين شامخين منتفضين على المُحتل؛ على الرغم من كل ما أصابها من وهن، وتشنجات، وخلافات هنا وهناك؛ ولكنها صامدة صابرة بآلاف الشرفاء المخلصين الذين يعطون بلا أي مقابل من الأحرار المنتمين لها من الجنود والجنرالات والقادة المجهولون فيها، ولكنهم يعملون ليل نهار لترتيب أوراق الحركة من جديد واستنهاضها مما أصابها من نتوء، لأن فتح إن كانت بخير ففلسطين بخير، فهي تدافع عن كرامة وشرف الأمة العربية والإسلامية وعن المسرى والأسرى، عن المسجد الأقصى المبارك قبلة المسلمين الأولى وتأتي الذكرى الثالثة والخمسون لتتوج في نجاح الدبلوماسية الفلسطينية في كسب المزيد من التضامن والتعاطف والاعتراف الدولي بدولة فلسطين المُحتلة، وبحق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره و إقامة دولته ذات المستقلة؛ ولذلك فإن الحركة اليوم عليها متطلبات كثيرة، فهي بحاجة ماسة لرسم إستراتيجية وطنية جامعة شاملة وخطط مستقبلية للفترة القادمة، ليكون عام 2018م، هو عام إنهاء الاحتلال وإنهاء الاحتلال، وإنهاء الانقسام البغيض، لآن فتح هي الحاضنة للجميع وهي الأم وفتح انطلقت من رحم المعاناة للشعب الفلسطيني، وهي البيت الأمن الحنون للكل الفلسطينيين وفتح تتسع للجميع ولا تقبل الانحراف أو الاملاءات من أحد عليها، ويشهد التاريخ المُعاصر أن كل المحُاولات لشق وحدة الحركة باءت بالفشل، وبقيت فتح وانكسر وخسر وخاب من حاول الانشقاق على فتح من قبل ومن بعد؛ لأن فتح كانت وستبقى شعلة وديمومة النضال والكفاح والجهاد والثورة الفلسطينية، وهي شعلة الكفاح الوطني الفلسطيني المسلح والشعبي، وقبلتها رضوان الله عز وجل وتحرير الأرض المقدسة المباركة فلسطين من بحرها لنهرها، وتحرير القدس الشريف؛ ولقد علمتنا فتح أن نُفكر بحجم وطننا فوجدت في صدر كل فتحاوي متسعًا لكل أبناء شعبنا، من نتفق أو نختلف معهم، وعلمتنا فتح أن حب الأوطان من الإيمان ليس ذلك حسب؛ بل حب الله ورسوله أيضاً، وحب الخير للبشرية جمعاء، وعلمتنا فتح أن الإيثار هو سمة الثوار والباحثين عن الحرية والاستقلال، وعلمتنا فتح أن لا نتقدم على أخ لنا سبقنا في النضال، وعلمتنا فتح أن دمنا الفلسطيني الأحمر خط الأحمر لا يسمح بسفكه ,ان الرصاص فقط موجه لصدر العدو المحتل، وعلمتنا فتح أن الفكرة الصحيحة السليمة لا تموت وهي أعظم وأجل من كل الشخوص، ولذلك ستبقى فتح الحارس والحامي الأمين للمشروع الوطني الفلسطيني؛ فطوبى لفتح وثوارها الأحرار، ولشهدائنا الأبرار وطوبي لأسرى الحرية في سجون الاحتلال المجرم، وطوبي للجرحى الأبطال، والصامدين فوق أرضهم، ومعاً وسوياً حتى القدس الشريف، وقيام دولتنا الفلسطينية المستقلة، يرونها بعيدة ونراها قريبة وإننا لمنتصرون، وسيرفع شبل من أشبالنا وزهرة من زهراتنا علم فلسطين فوق مآذن وكنائس القدس الشريف، وأننا نقول لنتنياهو وترامب ومن لف لفيفهُم: إن فلسطين والقدس الشريف تشرفنا نحن الشعب الفلسطيني من الله عز وجل بمسلميهِ ومسيحيه، بشرف الدفاع عن المقدسات الإسلامية والمسيحية، وحمايتها، وأن القرار بذلك كان ولا يزال وسيبقى لأنه قرار إلهي رباني من عند الله عز وجل لنا، وقد سطُر ذلك في القرآن الكريم الخالد إلى يوم الدين ووضع هذا الأمر في وسط كتاب الله الجزء الخامس عشر سورة الإسراء لتبين للعرب والمسلمين أن القدس الشريف بمتابه ومكانة القلب لكم فهي الروح فإن مات القلب والروح مات الجسد؛ وأننا سنبقى في فتح الأوفياء والأمناء في الدفاع عن فلسطين حتى التحرير وعن القدس الشريف أولى القبلتين وثاني المسجدين وثالث الحرمين مسرى النبي صل الله عليه وسلم، حتى يأتي عد الآخرة لنسوء وجوه اليهود المحتلين الغاصبين ومن عاونهم من المتصهينين أمثال ترامب وزمرتهُ، ولندخل المسجد الأقصى فاتحين كما دخلناه فاتحين أول مرة في عهد الخليفة عمر بن الخطاب وصلاح الدين الأيوبي رضي الله عنهما؛ عاشت الذكرى ودامت الثورة والفكرة وإنها لثورة حتى النصر حتى النصر حتى النصر بإذن الله.