في إطار تواتر التطورات والأحداث في الساحة الفلسطينية وحولها وبالتشبيك معها، ومع مواصلة الانتفاضة الشعبية المتلازم مع النضال السياسي والدبلوماسي والاستعداد لعقد دورة المجلس المركزي، طرح أحد الأصدقاء من قيادات العمل الوطني عدد من الأسئلة لخشيته من التداعيات على مستقبل ومصير شعبنا، منها: أولاً ماذا يعني الحديث عن تغير المسار السياسي، وليس إلغاء العملية السياسية؛ ثانياً من هو الضامن والقادر من القوى الدولية على وقف الاستيطان والعدوان الإسرائيلي؛ ثالثاً ترنح المصالحة والشكوك العالية في نجاحها ووصولها لما يطمح الشعب. ووفق ما ذكر الصديق، فإن الأسئلة تعكس نبض الشارع.

مما لا شك فيه، أن الأسئلة مهمة وتحتاج إلى استشراف أو قراءتها بعقل منفتح بعيداً عن الإسقاطات الرغبوية لهذا المواطن أو ذاك التجمع. حول السؤال الأول، واضح وعميق الدلالة من حيث التأكيد على أن العملية السياسية السلمية كحاضنة لعملية السلام باقية، لم تدر القيادة الفلسطينية الظهر لها. وهو ما أكده الرئيس أبو مازن في كلمته في مؤتمر منظمة التعاون الإسلامي في ال13 من كانون أول الحالي. ولكن مسار العملية السياسية لم يعد هو ذاته. فالرعاية الأميركية لم تعد قائمة، بعد أن تخلت إدارة ترامب نفسها عن دورها بعد اعتراف الرئيس الأميركي ب"القدس" عاصمة لإسرائيل. وهو ما يعني أن رعاية عملية السلام باتت مفتوحة أمام الأمم المتحدة، منبر الشرعية الدولية، وهذا الأمر يحتاج إلى جهود سياسية ودبلوماسية فلسطينية وعربية مع الدول الإسلامية والصديقة عالميا لتسخين وتفعيل وتهيئة الشرط العالمي للرعاية، ليكون مؤهلاً لحمل القضية ووضعها على سكة التسوية السياسية وضمان استقلال دولة فلسطين المحتلة وعاصمتها القدس الشرقية على حدود الرابع من حزيران عام 1967.

أما من هو الطرف الدولي القادر والضامن لإلزام إسرائيل بوقف استعمارها الاستيطاني، وانسحابها من أراضي دولة فلسطين المحتلة؟ هو الأمم المتحدة المتسلحة بثقل الأقطاب الدولية وتصويت العالم لصالح القرارات الأممية المستندة إلى الفصل السابع في مجلس الأمن الدولي، أو من قبل الجمعية العامة للأمم المتحدة بدعوتها لدورة طارئة تحت القرار 377، وبحيث يتضمن مشروع أي قرار الصبغة الإلزامية لتنفيذ أية قرارات لاحقة. وليس كما حصل في القرار السابق، الذي صوتت عليه الجمعية العامة يوم 21 ديسمبر الحالي في رفض القرار الأميركي وتبعاته، وعدم قبول أية تغييرات على وفي مدينة القدس. حيث جاء نص القرار خالياً من الدسم، رغم أهميته. ولكن في العمل السياسي تأخذ القيادة موازين القوى، ورغبات بعض الأطراف، التي لا تريد الدخول في معركة كسر عظم مع الولايات المتحدة، ولكنها في ذات الوقت، تقف إلى جانب الحقوق الوطنية الفلسطينية وخيار حل الدولتين على حدود الرابع من حزيران عام 1967. إلا أن الأمر سيكون بالضرورة مختلفاً عند سن قرار يتعلق بفرض التسوية السياسية وفق المواثيق والأعراف ومرجعيات عملية السلام، لأنه عندئذ إما أن يكون القرار الدولي ملزماً لإسرائيل الاستعمارية أو لا داعي لإضافة رقم جديد يركن على الرف الأممي. وتستطيع الأقطاب الدولية المعنية الداعمة لعملية السلام مع دول العالم الأخرى فرض عقوبات سياسية ودبلوماسية واقتصادية على دولة إسرائيل الاستعمارية لإخضاعها للإرادة الدولية والتوقف كليا عن البناء في أراضي دولة فلسطين المحتلة 1967، والانسحاب رغماً عنها منها، والسماح باستقلال الدولة الموعودة وشعبها بالحرية والأمل، وضمان حق العودة للاجئين على أساس القرار الدولي 194.

أما السؤال الثالث وباختصار شديد، لا يجوز للمتضررين من المصالحة والوحدة الوطنية أن يفرضوا أجندتهم على خيار الشعب والقيادة، وبالتالي تستدعي الضرورة القفز عن المهاترات المقصودة، والهادفة لصب الزيت على خيار الانقلاب والانقسام، وتعميق حالة الإحباط والتشاؤم في أوساط الشعب، وفي الوقت نفسه، فضح وتعرية المعطلين وعوامل الكبح لتقدم المصالحة بلغة علمية ومسؤولة وبالوقائع، حتى لا تعطى فرصة للقوى العبثية، وإشراك الشعب في تحمل مسؤولياته لبناء صرح المصالحة الوطنية، واتخاذ إجراءات تحفيزية من قبل صانع القرار لصالح المحافظات الجنوبية على أكثر من مستوى وصعيد لتعميق روح الأمل في بلوغ هدف الشعب بطي صفحة الانقلاب الأسود من السجل الوطني. ولعل توجه الأخ عزام الأحمد للقاهرة يعكس هذا التوجه في أوساط القيادة الشرعية، لأنها صاحبة المصلحة الأساسية في تحقيق الوحدة الوطنية.