في مسألة معقّدة ومصيرية كمسألة إنهاء الانقسام وتحقيق المصالحة، لا تكفي الرغبات، ولا حتى النوايا الحسنة. صحيح أنَّ كل ذلك مهم، إنجاز اتفاق يعالج كلَّ القضايا العالقة هو أمر مهم جداً أيضاً، إلّا أنَّ الأهم هو كيف سنتصرف في اليوم التالي للاتفاق؟
الحسم في ذلك، وبين ما كنا عليه وما يجب أن نكون لينتهي الانقسام فعلاً، هو منهج العمل، والرؤية الجامعة التي يستند لها هذا المنهج، والتي يجب أن تكون واضحةً للجميع ومتَّفقًا عليها. والرؤية الجامعة، هي الوطنية الفلسطينية، الانتماء للهوية الوطنية والالتزام بها وحمايتها. أن نلتزم بالمشروع الوطني الذي من المفترض أن يقودنا إلى نيل حقوقنا الوطنية المشروعة، التي باتت معروفة ومتفق عليها، لأنَّه إذا لم يحصل ذلك، فمن المؤكد أنَّنا سنعود عاجلاً أم آجلاً للانقسام.
وما نحتاج إليه، في إطار ذلك، خطة عمل تتضمّن العناوين كافّةً، وتتصدى لكلِّ القضايا والمشاكل التي راكمها الانقسام، وحتى تلك التي سبقته وأدّت إلى حدوثه. هذه الخطة لن يكتب لها النجاح إلّا إذا كانت مدعومة إقليمياً، ومدعومة دولياً من الدول التي تؤمن أنَّ خطوة إنهاء الانقسام ستقود المنطقة في نهاية المطاف إلى الأمن والسلام والاستقرار، وستفتح الباب أمام الحل الإقليمي، الذي يجري الحديث بشأنه، وأن يقود هذا الحل إلى وضع دولة فلسطين المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية من جديد على خارطة الشرق الاوسط، فأيُّ حل إقليمي بدون فلسطين لن يكتب له نجاح ولن يصمد لفترة طويلة.
والخطة بالضرورة أن نبدأ بصيغة برنامج سياسي واضح الأهداف متَّفق عليه، خصوصاً أنَّ مواقف الفرقاء أصبحت متقاربة جداً، بعد إصدار "حماس" وثيقتها الجديدة التي تعتبر الدولة الفلسطينية المستقلة على حدود الرابع من حزيران/ يونيو عام 1967 هدفا لها. البرنامج يجب أن يتبنّى المشروع الوطني الذي صاغته وصاغت أهدافه منظمة التحرير الفلسطينية عبر عقود من النضال والتضحيات الجسام، الذي أدركت "حماس" أنه المشروع الواقعي والممكن في هذه المرحلة.
لم يعد مقبولاً بعد طي صفحة الانقسام، أن نهدر طاقتنا وجهدنا ووقتنا وتضحياتنا في مشاريع وبرامج وأجندات خارجية. لقد أثبتت كلُّ التجارب القديمة منها والجديدة، قبل نكبة عام 1948 وبعدها وحتى الآن، أن رهن قرارنا الوطني المستقل، والانخراط بأجندات الغير، لم ولن يقدِّم الشعب الفلسطيني خطوة نحو تحقيق أهدافه، بل على عكس ذلك، لم تقدنا في الماضي والحاضر إلّا إلى الانقسام على الذات وتدمير أنفسنا بأنفسنا، وهذا بحد ذاته هدف إسرائيلي أساسي.
في قطاع غزة، وبعد كل ما مرَّ به من حصار وحروب وانقسام، لو تسنّى لنا أن نقلب أي حجر هناك، سنجد تحته عشرات المشاكل المستعصية، وفي الضفة أمل وحلم الدولة الفلسطينية يتحطّم بفعل استمرار الاحتلال الإسرائيلي وسياسة التهويد والاستيطان، فلا مجال لوقت أن نضيعه إطلاقًا.
إنَّ فصل الحقيقة في مسالة إنهاء الانقسام، هو أن نكون فلسطينيين أولاً، وأن تكون فلسطين أولاً، وأن ننتمي للهوية الوطنية والمشروع الوطني فهذا هو المدخل الحقيقي والجدي للوحدة.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها