"لن نقبل وصاية أحدٍ على قرارنا السياسي، نحن واحة لكن بسور وبوابة".
الموقف أعلاه جدَّد إعلانه وأشهره أمين سر اللجنة المركزية لحركة "فتح" جبريل الرجوب "أبو رامي"، كرسالةٍ حاسمةٍ في هذه اللحظات المصيرية بالذات لتصل إلى آذان كل مَن يُفكِّر أو يعمل على استغلال تناقضاتنا الداخلية ليتَّخذ لنفسه موقعًا أو موطئ قدم يُمكِّنه من الاستحكام بقرارنا الوطني المستقل، فهذا الحال انتهى إلى الأبد، ومَن تراه يعتقد بنفسه القدرة على تحقيق ذلك عليه إرجاع الزمن خمسين عامًا على الأقل ليتسنّى له ذلك، وهذا هو المستحيل بعينه.
لم تطرح قيادة منظمة التحرير الفلسطينية موقفًا إلّا وكان تجسيدًا لطموحات وأهداف وآمال الشعب الفلسطيني، وانعكاسًا طبيعيًّا لإرادة الفلسطينيين من دون استثناء، حتى الذين يتبنون مواقف مغايرة أو ربما لا تلتقي منشوراتهم السياسية وأدبياتهم التنظيمية مع البرنامج السياسي للمنظمة، وهذا ما نعتقد أنَّه سر العبقرية السياسية الناظمة لمنهج الرئيس محمود عبّاس السياسي، كما نظمَت من قبل سياسة الرئيس القائد الشهيد ياسر عرفات.
قد يكون الاقتناع المتأخّر لبعض الفصائل ومحاولاتها الالتحاق ولو بآخر عربة في قطار الواقعية السياسية السائر على عجلات الثوابت برهانًا على صواب منهج القيادة والبرنامج السياسي الناظم لتحركها، وقد يكون مثال "حماس" الأخير، إن صحّت رؤى التفاؤل السائدة، شاهدًا على ما نقول.
قيادة حركة التحرر الوطنية الفلسطينية يؤلمها ارتهان البعض (فرد أو جماعة، أو تيار في تنظيم أو فصيل) لاجندات خارجية، كما يشوّش على عملها هذا أو ذاك كالذي ارتضى لنفسه أن يكون بمثابة مستخدم لدى قوى إقليمية أو دولية، مستغلّاً نفوذه أو مكانته أو بعضا من سيرته المزيّفة التي سوقها للناس بالدعاية الممولة، لكن القيادة كانت تحسب لمستقبل (المغشوشين) وتعمل بما أوتيت من قوة لحمايتهم من عبث الذين لا همَّ لهم إلّا التكسُّب، وتوسيع دوائر نفوذهم ورفع أرصدة أموالهم، وتوثيق ارتباطاتهم بقوى خارجية يعرفون مُسبقًا أنَّها بحاجة لأمثالهم ممن لا يمتلكون ذرة كرامة أو شهامة مما يمتلكها أي وطني فلسطيني.
الوحدة الوطنية هي العقيدة السياسية للقيادة الوطنية الفلسطينية، وهي البنية التحتية القاعدة الأصلب والأمتن والأعرض التي لا بدَّ منها لرفع أركان القرار الوطني الفلسطيني المستقل، وبدونها لا يمكن نظم استراتيجية للصراع مع المشروع الاحتلالي الاستعماري الاستيطاني العنصري، وهي ليست ضرورة كما يحلو للبعض القول، ذلك أنَّ الضروري اليوم قد تنتفي الحاجة إليه غدًا وهذا لا ينطبق إطلاقًا على الوحدة الوطنية، التي تشبه في حاجتنا إليها كحاجة أي مخلوق للماء والهواء والغذاء لضمان حياته، وتشبه الفلسفة والعقيدة والأفكار والمبادئ والقيم والمعرفة والعِلم والحس الإنساني والانتماء لأي إنسان لضمان الارتباط الأزلي بالوطن، وللإبقاء على تواصل مع مجتمع إنساني يرى فيه ماضيه وحاضره ومستقبله ومصيره.
الوحدة الوطنية مفاتيحنا التي تمكِّننا من إبقاء واحتنا محصنة بأسوار النظام والقوانين والالتزام والانتماء أولاً وأخيرًا للوطن، كما تمكِّننا من احترام كل من يأتينا من أبوابها، داخلاً إليها بأمان، يلج إليها مظلَّلاً بتاج منظمة التحرير الفلسطينية الممثّل الشرعي والوحيد، وتاج رئاسة دولة فلسطين.
الوحدة الوطنية برنامج سياسي واحد، ورؤية نضالية موحدة، واتفاق على أساليب المقاومة والكفاح وأدواتها، وإبقاء قرار الحرب والسلم في مركز المصالح الوطنية العُليا، الوطنية تعني وحدة الإيمان بالمصير المشترك، وبنظام سياسي واحد، وسلطة واحدة وسيادة قانون أساسي واحد، ووحدة قيادة الأجهزة والمؤسسات الرسمية، تعني وحدانية تمثيل منظمة التحرير الفلسطينية للشعب الفلسطيني، ووحدة القضية والوطن والشعب والقيادة، ووحدة أرض دولة فلسطين المستقلة، ذات السيادة وعاصمتها القدس الشرقية، من آمن وعمل على ذلك فقد كسب الحرية والاستقلال والقدرة على القرار المستقل، ومن أنكر على نفسه الحرية والاستقلال واستمرأ السخرة في مكاتب الخدمات الأمنية الدولي فليس له في أن يحمل اسم فلسطين، وليس لمن يستخدمه ليلعب بدماء أبنائنا أيَّ حق في اللعب داخل واحتنا التي نناضل لإحيائها بسلام.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها