هذا العنوان كان مدخلاً لفيديو قصير يظهر جرافات الاحتلال وهي تدمر المنازل في جباليا، كانت جرافات ضخمة وبشعة أكثر بشاعة من صرصار كافكا واصراراً أكثر من إصرار سيزيف على الهدم وتسوية جباليا بالأرض.
كان المنظر مرعباً وصادماً وعبثياً أيضاً إلى حد كبير، فإسرائيل بهذا العمل تقول للعالم كله أنها لم تكتف بالقصف والتهجير، بل هي تسعى إلى إزالة جباليا عن الوجود كلياً، تريد أن تمحو المدينة ومخيمها وكأنها لم تكن ذات يوم، تريد أن تحول كل جباليا بما فيها إلى مجرد خواطر وذكريات تموت بموت من سكنوها، تريد تغيير الخارطة حتى لا تظهر جباليا أو غيرها، تريد إسرائيل بذلك أن لا ترى الشعب الفلسطيني وأن لا تصنع معه علاقة مهما كانت، وأن لا تفاوضه ولا تتشارك معه ولا تساكنه، تدمير المدمر وتهديم المهدم وصياغة جغرافيا جديدة بهذا الإصرار وهذا التوحش وهذا العمى الكامل يستعيد عيد الأنوار اليهودي أو يستلهم منه، هكذا يريد الصهاينة في الحقيقة وليس اليهود، فاليهود يقولون علناً أن هؤلاء لا يمثلونهم ولا يجب أن يتحدثوا باسمهم، الصهاينة خلقوا دينًا جديدًا آخر يعتقدون فيه أنهم ينوبون عن الإله أو يساعدونه في تحقيق نبوءاته.
عيد الأنوار وهو عيد سياسي لا ديني، هو عيد يمثل انتصار اليهودي القديم على سلطة يونانية غربية ومحتلة وغاشمة أرادت أن تصادر حرية اليهود وتمنعهم من ممارسة شعائرهم وتجبرهم على الانصياع للثقافة اليونانية الوثنية، هذا الظلم الصريح دفع بعائلات يهودية متعددة يقودهم متتياهو وابنه يهودا إلى الثورة على ذلك، وهي ثورة استمرت ثلاث سنوات تقريباً انتهت بانتصار تلك العائلات على القوانين اليونانية، وبالتالي أعادت تلك العائلات إصلاح الهيكل وإيقاد القناديل فيه، وتقول الأسطورة أن الماء تحول إلى زيت لإشعال تلك القناديل أو أن الزيت القليل كان كافياً لإيقاد كل القناديل، وبذلك تم تدشين الهيكل من جديد، ولهذا فإن عيد الأنوار يسمى عيد التدشين، ليس فقط تدشين أو إعادة افتتاح وتأهيل المعبد وإنما افتتاح عهد جديد من الحرية والانعتاق من ظلم السلطة الحاكمة المحتلة.
إن أناساً يحتفلون بمثل هذا العيد يمثل هذه القيم لا يرون غضاضة بأن يدمروا مدينة أو قطاعاً و يحاصرونه مرات عدة ويقتلون أبناءه، بالرصاص والجوع والمرض والبرد والحصار.
إن أناساً يحتفلون بعيد الأنوار الذي يعلي من شأن الحرية والانعتاق والإيمان لا يجدون حرجاً أو عيباً في أن يسووا مدينة جباليا ومخيمها بالأرض في مسعى منهم للخلاص من الشعب الفلسطيني أو تجريده من رغبته في الحياة والحرية والانعتاق.
لا يمكن أن تكون هذه هي إرادة الله، فهو الرحيم، الذي يحب كل مخلوقاته بالتساوي، ويوزع رحمته عليهم دون النظر إلى ألوانهم أو لغاتهم أو أعراقهم. الله يعرفنا ويحبنا واحداً واحداً ولا يفرق بيننا سوى أعمالنا فقط.
إن تدمير جباليا بهذا الشكل المتوحش والانتقامي سيكون سبباً آخر للاشتباك القادم ليس إلا، إن هذا الفيديو الذي يبث تحت هذا العنوان "عيد أنوار سعيد من جباليا" يثير الشفقة حقاً، فهو لا يخيف بل يعمق الجرح ولا يردع بل يشجع على المواجهة، وإذا كان الصهاينة يعتقدون أنهم الأكثر فهماً لثقافة المنطقة وروحها- كما يدعون- فإن مثل هذه الصور المفزعة لن تسهم على الإطلاق في خلق بيئة واعدة.
بعد هذا الفيديو المفزع ربما أدركت أنا شخصياً المعنى الحقيقي للفروق بين الجماعات اليهودية، فاليهود الذين يعتقدون أن دينهم بما فيه من نبؤات إنما هي بتقدير وتدبير الرب لا بتدبيرهم ولا بمؤامراتهم، أما الصهاينة فقد استغلوا الدين اليهودي وربما المأساة اليهودية في الغرب الاستعماري أو تم استغلالها من قبل الغرب الاستعماري أيضاً ليجعلوا منه دين حروب ودماء وكراهية.
نسي هؤلاء أن استخدام الدين بهذه الطريقة سيحولهم إلى ألغام شديدة الانفجار يعود ضررها أولاً عليهم هم بالذات. الله يدبر الأمر ولا يمكن أن يسمح لمخلوق مهما كان أن يدبر الأمر بديلاً عنه أو منتحلاً اسمه أو صفته أو مشيئته. كل من تحدث باسم الرب زوراً وبهتاناً دفع ثمن ذلك إن آجلاً أو عاجلاً.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها