إنَّ عقدَ المؤتمرات بانتظام هي عملية ذات أبعاد تنظيمية، وفكرية، وسياسية، وتطويرية، وتنطلق من ‏قاعدتين ارتكازيتين هما تقييم التجربة السابقة ما بين المؤتمر والمؤتمر الجديد، ثُمَّ وضع الخطط والبرامج ‏المستقبلية على اختلافها التي تُعزِّز البنية التنظيمية، والرؤية السياسية والفكرية، وتضع أُسُس المعالجة لكافة ‏القضايا المعقّدة والمستعصية.‏

إنَّ الفترة الزمنية ما بين المؤتمر والذي يليه تختلف من تنظيم إلى آخر، وإن كانت الفترة بالنسبة لحركة "فتح" سنتين للمناطق والأقاليم، فهي بالنسبة للمؤتمر العام خمس سنوات.‏

إنَّ انعقاد المؤتمرات ليس عملية شكلية، أو عملية رفع عتب، وإنَّما هي عملية شاقة، وتحتاج إلى جهود ‏مكثَّفة ومدروسة، وتحضيرات مسبقة، وموثَّقة، وتقوم بذلك مجموعة من اللّجان ذات الخبرة، والتي تبحث ‏أولاً وقبل كل شيء عن مستقبل التنظيم أو الإطار الحركي، أو الحزبي بشكل عام. ومستقبل الشعب ‏وتطلُّعاته الوطنية، يتوقَّف على مدى وعي وجدية هذه القيادات الطليعية، وسِعة أُفقها، وإخلاصها ‏لمبادئها، وتفانيها في سبيل شعبها وقضاياه العادلة. هذه القيادات ربطت مصيرها بمصير حركتها الرائدة، ‏والتي تحمل الأهداف والمبادئ والقِيَم النضالية التي التزم بها الرعيل الأول.‏

إنَّ نجاح أي تنظيم في عمله، وفي تحقيق أهدافه الوطنية والثورية، والاجتماعية يتوقَّف على الثقة المتبادلة ‏بين الجماهير صاحبة المصلحة الحقيقية، والطليعة الثورية القادرة على تجسيد طموحات، وآمال، ‏وتطلُّعات هذه الجماهير.‏

إنَّ هذا الأمر يتطلَّب اختيار قيادة جديدة مؤهَّلة لتحمُّل المسؤولية، وتسهر على مصالح وراحة وتقدُّم ‏مجتمعها، ومستعدة أن تضحي بسعادتها وراحتها وممتلكاتها من أجل الآخرين، أي قيادة ليست متسلِّقة، ‏ولا وصولية، ولا تسعى إلى بناء التكتلات، والمحاور، وتنمية الخلافات، والصراعات، والحساسيات. فهذه ‏العقلية الانتهازية التي تعبث بمقدرات الحركة، ولا يعنيها إلاَّ المكاسب الشخصية، والطموحات الخاصة، ‏والمكاسب المادية، لا تستطيع كسب ثقة الجماهير، فالشعب شديد الحساسية، ونظرته ثاقبة، ويميِّز ‏جيداً، ويعرف أين يضع ثقته.‏

انطلاقاً ممَّا سبق ذكره فإنَّ هذا الاستحقاق التنظيمي بالغ الأهمية، ويجب على القيادة أن ترعاه باهتمام، ‏وأن يكون النظام الداخلي، والأصول التنظيمية، واللوائح الداخلية، والآداب الحركية هي المعيار والمقياس ‏في الحكم على القضايا، حتى نصل إلى الأهداف السامية. وهذا يقودنا للتأكيد على مجموعة قضايا ‏جوهرية من صلب الواقع، وهي مؤثرة في نجاح أو فشل المؤتمرات.‏

أولاً:  على الأطر والأعضاء أن ينشغلوا في عقد جلسات تنظيمية واضحة لإجراء تقييم موضوعي ‏لنشاطاتهم خلال السنتين السابقتين، وأن يتَّفقوا على رفع مذكرات، واقتراحات بعد النقاش لمعالجة ‏الثغرات السابقة، ووضع برامج، ولوائح، ودراسات لتطوير وإنضاج العمل مستقبلاً، وطرح هذه القضايا ‏بأن يكون الجهدُ جماعياً، ومتكاملاً، وناضجاً. وهذا الجهد يكون برنامجاً معتمداً من المؤتمر ليسير الجميع ‏على هديه.‏

ثانياً: إنَّ الصيغة المثلى لتطوير العمل وتحقيق الأهداف هي أن يواصل الإطار نفسه الذي عمل موحَّداً ‏خلال سنتين في عقد جلسات تقييمية تنظيمية واضحة، والخروج بنتائج. لا أن ينقسم الإطار إلى قسمين ‏أو ثلاثة، وتكون هناك اجتماعات غير معلنة، وبالخفاء، للتوصُّل إلى اتفاقات جزئية، أي التحوُّل إلى ‏تكتلات، وكل تكتل ينشط على طريقته ليستقطب أنصاراً من أعضاء التنظيم ليصوِّتوا له حتى يضمن ‏النجاح. وهنا تنشط الفئوية، والجهوية، والعشائرية، على حساب القِيَم التنظيمية، وهذا ما يؤسِّس ‏لصراعات جديدة لا تخدم التنظيم، وإنَّما تخدم أشخاصاً معينين .‎

ثالثاً: من حق أي عضو في التنظيم أن يرشِّح نفسه لعضوية اللجنة القيادية إذا كان عضواً في المؤتمر، ‏تنطبق عليه المعايير المحددة. لكنَّ هذا الأمر برأيي ليس عشوائياً، ولا ارتجالياً، وإنَّما يتطلَّب أن يكون ‏المرشَّح:‎

أ‌-     ناجحاً في عمله، وملتزماً بالإطار الحركي، وبالبرنامج السياسي، دارساً للنظام الداخلي، ومثقَّفاً.‎

ب‌-   أن يكون حسن السِّمعة والسلوك، مقبولاً جماهيرياً لأن عمله مرتبط بالجماهير. وأن يكون قادراً ‏على تحمُّل المسؤولية.‎

ج-    أن يكون مستعداً للتضحية بالراحة، والوقت، والمال من أجل الآخرين حتى يكون قادراً على ‏الاستقطاب.‏

وهذه أساسيات يجب أن تتوافر في الكادر الذي نريد ترشيحه ونجاحه في عمله.‎

رابعاً: إنَّ مسؤول الإطار سواء على صعيد منطقة أو إقليم واجبه الحركي أن يوحِّد ولا يفرِّق، وأن لا يمِّيز ‏بين هذا وذاك من الكوادر، لكن من حقه، ومن موقع المسؤولية الذي هو فيه، التدخل ليوجِّه النصيحة ‏والإرشاد وأن يقنع الأعضاء باتخاذ خيارات وقرارات تتناسب مع قدراته، ومع شخصيته.. الخ، وإذا كان ‏هناك مرشحون كُثُر بإمكانه التدخل ليطلب من الواحد التنازل لآخر إذا كان يمثله، ويثق به، ويتَّفق مع ‏رأيه.‎

خامساً: لكن الذي لا يجوز إطلاقاً أن يقوم مسؤول الإطار ولمصالح خاصة، بالاتفاق مع مجموعة من ‏الأسماء ضد مجموعة أُخرى، وإسقاطها لأنها تصبُّ في إطار تحالفات مع فريق آخر. فالمؤتمرات ليست ‏معارك شخصية لتكريس فريق واستبعاد آخر، وإنَّما هي تَسابق من أجل خدمة الحركة، وتصليب عودها، ‏وتعزيز العلاقات الداخلية، ومساعدة الإطار للانطلاق بشكل أقوى من السابق، وليس إدخال الإطار في ‏صراعات وخلافات تزرع عدم الثقة بين الكوادر، فالهدف من المؤتمر هو تنقية الإطار من كل الشوائب، ‏ومعالجته من كل الأمراض التنظيمية لجعله معافى من كل مخلّفات جهل الحقائق، وحالات الاحتقان. ‏حتى نكون أقدر على مواجهة التحديات الخارجية والداخلية بعيداً عن الضغائن.‎

سادساً: إنَّ قائد الإطار، والإطار القائد الذي قاد الإطار خلال سنتين أو أكثر مطلوب منه حماية ‏التنظيم أولاً، وليس حماية مصالحه أو حساباته الشخصية. ومطلوب منه أن يمنع أي تدخُّل من خارج ‏الإطار في إطاره، لأنَّه هو المسؤول عن بيته وعن أسرته، وهو الذي يعالج مشاكلها بنفسه لأنَّه أخبر بها، ‏ولا يجوز أن يسمح لأحد بالتدخل في بيته وأسرته، ليعلِّمه كيف يدير أموره، لأنه إذا سمح للآخرين ‏بالتدخُّل، فبعد المؤتمر لن يستطيع إدارة الإطار مهما كان صاحب تاريخ نضالي، وعندما يصبح أعضاء ‏الإطار الجديد المنتخب هم سفراء لمن أتى بهم على مسمع ومرأى منه شخصياً، فلن يستطيع القيادة إلاَّ ‏بعد استرضاء الآخرين، وعندها تبدأ المعاناة، وتبدأ الصراعات الداخلية، ويصبح هو كالزوج المخدوع.‏

إنَّ مهمَّة صاحب الإطار في مرحلة انعقاد المؤتمر هي أن يكون قائداً يحترم نفسه، ويحترم إطاره، وأن يقوم ‏بدور التوجيه والإرشاد، وتطبيق النظام، وحماية الإطار بعيداً عن الهزَّات والصراعات، وأن يُسلِّم الأمانة ‏على أكمل وجه.‏

إنَّ قيمة أي مؤتمر هي بمضمونه، أي بالمداخلات التي تُقدَّم من قِبَل الأعضاء، وبالمذكّرات الجماعية أو ‏الفردية، والاقتراحات والتوصيات لأنَّها هي التي تدل على مدى الوعي، والجدية، والاستعداد لاستكمال ‏مسيرة العمل النضالي.‏

وهناك فرق كبير بين مجموعة من الكادر همّها تطوير وحماية الحركة، ومجموعة أخرى مشغولة بتجميع ‏الأصوات لأن همَّها الفوز بنجاحها، لا الفوز بنجاح الحركة التي هي أكبر من الأعضاء.‏

على أعضاء الحركة الأوفياء لدماء الشهداء أن لا يبحثوا عن التكتّلات، لأنّ التكتّلات صراعات، وأن لا ‏يبحثوا عن الشِّلل، لأن الشِّلل هي الانحدار إلى الانهيار والشَّلل.‏

فلتكن مؤتمراتنا في لبنان محطّةً تنظيميةً لتصليب حركة "فتح"، والحرص على بناء تنظيم طليعيٍّ متماسك ‏يكون من صناعة الأطر التنظيمية التي قادت المرحلة السابقة، ويجب أن تقود المرحلة القادمة، وعندما ‏يكون التنظيم صلباً ومتماسكاً تكون "فتح" بخير. وعندما يكون التنظيم مهزوزاً، وليس صاحب قرار ولا ‏رؤية سليمة تكون حركة "فتح" في خطر. فهل يستطيع تنظيمنا في لبنان ونحن على أبواب المؤتمرات أن ‏ينجح في حماية مستقبله، وأن يصون نفسه من سهام الاختراقات؟؟!!‏

بقلم: الحاج رفعت شناعة

عضو المجلس الثوري لحركة "فتح"  2017/10/11