يلتقي الرئيس ابو مازن مع الرئيس ترامب يوم الأربعاء القادم الموافق ال20 من سبتمبر الحالي وقبل إلقاء الرئيس خطابه على منبر الأمم المتحدة. ويأتي اللقاء بناء على الرغبة الأميركية، التي لا تبتعد عن الرغبة الفلسطينية. لاسيما وان الرئيس عباس يحرص في دورات الأمم المتحدة على تكثيف لقاءاته مع قادة وزعماء العالم لوضعهم في صورة آخر تطورات جرائم الحرب الإسرائيلية، وأخطار سياسات التطهير العرقي الإسرائيلية على الشعب الفلسطيني وخيار حل الدولتين على حدود الرابع من حزيران 1967، ولمحاولة الوقوف على نبض ومواقف اولئك القادة تجاه عملية السلام ومستقبل الصراع في الشرق الأوسط عموما وعلى المسار الفلسطيني الإسرائيلي خصوصا.

لقاء الرئيسين الفلسطيني والأميركي أكثر من ضروري للشعب والقيادة الفلسطينية، لاسيما وان إدارة ترامب لم تطرح حتى الآن صيغة واضحة تجاه عملية السلام، وتراوح سياساتها في المنطقة الرمادية، إذا أحسن المرء التقدير، لإنها تمالىء إسرائيل بشكل سافر، وتلاحق التوجهات الفلسطينية في المنابر الأممية حين تبادر لطرح مشاريع قرارات تدين الإنتهاكات والجرائم الإسرائيلية، او تحاول ممارسة الضغوط المباشرة على القيادة الفلسطينية لمنعها من الدفاع عن الحقوق الوطنية المختلفة، او تهدد المنابر الأممية او حتى الأميركية  الداخلية او الأوروبية بعظائم الأمور في حال تبنت مواقف مؤيدة للقضية الوطنية الفلسطينية، او أدانت إسرائيل من قريب او بعيد. أضف إلى ان الرئيس ابو مازن يحتاج الإستماع إلى محددات الصفقة التاريخية، هذا إن تبلور شيء لدى ترامب وفريقه. خاصة وان كوشنر وفريقه قبل شهر تقريبا طلب مهلة لبلورة الرؤية الأميركية تجاه التسوية السياسية.

إذا اللقاء في كل الأحوال ضروري ومطلوب لكلا الرئيسين. ولكن الرئيس ترامب لم يحدد وقت اللقاء من فراغ، لا بل كان هادفا وقاصدا. لإنه يريد ان يؤثر في صياغة ورسائل خطاب الرئيس ابو مازن السياسية امام الجمعية العامة للأمم المتحدة. وحتى إذا لزم الأمر الضغط والتلويح بإجراءات غير حميدة، وذلك للهبوط بسقف الموقف الفلسطيني. ورغم ان الرئيس عباس يدرك جيد جدا مكانة ودور الولايات المتحدة في عملية السلام، ويعي طبيعة العلاقات الإستراتيجية الأميركية الإسرائيلية، ونفوذ اللوبي الصهيوني اليهودي في الإدارة الأميركية وصناعة القرار في واشنطن، ويعرف جيدا بحكمته حدود الممكن وغير الممكن، ويعرف متى يمد خيوطه، ومتى يقصرها، حتى يبقي دائرة الإتصال الكهربائية قائمة ومستمرة بين القيادتين. لكن في ضوء رؤيته للإخطار المحدقة بالسلام والمصالح الفلسطينية في آن، ومع أنه أعطى إدارة ترامب المساحة الزمنية الكافية لبلورة رؤيتها لمرتكزات الصفقة التاريخية لكنها ما زالت تتأرجح وتحرص على تفصيل رؤيتها بما يتوافق مع خيارات حكومة الإئتلاف اليمينية المتطرفة في تل ابيب،  لذا من الصعب على عباس ان يعيد صياغة جملة واحدة، أو إلغاء رسالة واحدة، لإن ما يتضمنه الخطاب لا يخرج عن التمسك بخيار السلام، والتأكيد على الثوابت الوطنية، وفضح وتعرية إسرائيل الإستعمارية وجرائمها الخطيرة، التي تمس بمستقبل السلم والأمن الإقليمي، ومطالبة العالم عموما وأميركا خصوصا بالضغط على إسرائيل لوقف إستيطانها الإستعماري، وتأكيده على رفض الحلول الإقليمية او المؤقتة ومطالبة العالم لرفع مكانة فلسطين في الأمم المتحدة لمكانة دولة كاملة العضوية والتلويح بإتخاذ قرارات تاريخية ضد دولة التطهير العرقي الإستعمارية منها سحب الإعتراف بإسرائيل، والإنضمام للمنظمات والمواثيق والمعاهدات الأممية كلها، وملاحقة إسرائيل في محكمة العدل الدولية ومحكمة الجنايات الدولية وبالطبع التأكيد على ضرورة طي صفحة الإنقلاب الأسود في قطاع غزة، وبلوغ بناء صرح الوحدة الوطنية مجددا. وبالتالي لا يوجد ما يتعارض مع مرتكزات ومرجعيات عملية السلام. لهذا تصبح المطالبة الأميركية بتخفيض سقف الخطاب نوعا من التواطؤ مع إسرائيل، وتدخلا في الشؤون الداخلية الفلسطينية. وكأن لسان حالها يقول للرئيس ابو مازن، فصل خطابك على مقاس إسرائيل والحل الإقليمي او الحل الإقتصادي او المؤقت ... إلخ. وهذا من سابع المستحيلات. ويخطىء ساكن البيت الأبيض كثيرا إن إعتقد انه يستطيع فرض رؤيته واجندته على الرئيس عباس.