تزداد الدبلوماسية الإسرائيلية في الفترة الاخيرة إنفتاحا وتغلغلا على القارة الأفريقية السوداء الغنية بمواردها ودولها وموقعها الإستراتيجي بين قارات العالم، وخصوصا للعالم العربي. ومنذ البداية تشكل أفريقيا لإسرائيل منطقة الوثوب على العالم العربي. وهذا الإهتمام ليس وليد اللحظة، بل يعود إلى ما قبل نشأة إسرائيل عام 1948، ويعود بجذوره لنشأة الحركة الصهيونية والبحث عن وطن بديل لليهود، وكان الحديث عن أوغندا، التي لم تلقَ القبول لأن الاساس هو التوجه نحو فلسطين.

ولذا منذ البداية كان إهتمام إسرائيل بأفريقيا مرتبط ببقائها وقوتها وإستمراراها في قلب العالم العربي جغرافيا. وبقيت القارة الأفريقية منذ القرن التاسع عشر بؤرة إهتمام وأولوية سياسية عليا لإسرائيل لتتحول من فكرة الوطن البديل إلى قارة العمق الإستراتيجي والحزام الأمني الذي من خلاله يمكن تطويق العالم العربي وكسر اي مقاطعة عربية، وهذا الإهتمام جاء في كتاب صهيون في أفريقيا والذي وجه فيه جوزيف تشمبرلين وزير المستعمرات البريطانية في القرن التاسع عشر إهتمام هيرتزل باهتمام حركته نحو شرق أفريقيا، ولقد مرت العلاقات الافريقية الإسرائيلية بمراحل متعددة صعودا وهبوطا وصولا لدرجة من الشراكة والتحالف الواسعة، فمن مرحلة التأسيس والتشكل والتي تمتد من 1948 إلى 1967، ومرحلة التراجع والتدهور وهي الفترة التي برز فيها دور حركة عدم الإنحياز وظهور قيادات أفريقية مثل نكروما ودو رمصر بقيادة الرئيس عبد الناصر، ثم مرحلة التدرج في العودة وتغطي المرحلة من 1982 إلى 1991، ثم مرحلة الابواب المفتوحة وتبلغ ذروتها مع 2002، وحاليا مرحلة الشراكة والتحالف ، والتي تبرز في العديد من الزيارات لإسرائيل، وزيارات نتنياهو لعدد من دول القارة الأفريقية ولقاء القمة المرتقب بين إسرائيل وقادة الدول الأفريقية.

ولقد زاد الإهتمام بالقارة الافريقية بعد مرحلة الاستقلال وتحرر الدول الافريقية من الإستعمار، ودخولها الأمم المتحدة كتلة تصويتية يحسب لها حساب، وقادرة على إنجاح او إفشال اي قرار في الأمم المتحدة، وهذا احد أهم محددات وأهداف السياسة الخارجية الاسرائيلية الحصول على التأييد السياسي لأفريقيا في الأمم المتحدة لإحباط أي جهد ديبلوماسي عربي وفلسطيني في الأمم المتحدة، ومحاولة فرض الرؤية الإسرائيلية للسلام على الدول العربية، الهدف هنا واضح إجهاض للشرعية الدولية بالنسبة للقضية الفلسطينية. ولا تتوقف اهمية أفريقيا في قوتها التصويتية في الأمم المتحدة، فالقارة تشكل سوقا إقتصادية واسعة امام المنتجات الإسرائيلية الإقتصادية والعسكرية، وتحاول إسرائيل أن تسوق نفسها في قلب القارة الافريقية مما يهيأ لها تشكيل تحالفا جديدا مع دول القارة وتفكيك اي تحالفات مع الدول العربية. وتدرك إسرائيل الأهمية الإستراتيجية للقارة مائيا وخصوصا بالنسبة لنهر النيل واهميته لمصر والسودان، وهذا ما يفسر لنا العلاقات الإسرائيلية مع أثيوبيا، ودعم دولة الجنوب في السودان لتشكل لها منطقة وثوب وتغلغل لقلب القارة الافريقية .وتدرك إسرائيل أهمية القارة في التحكم في الملاحة البحرية وخصوصا باب المندب وهذا ما يفسر لنا أيضا العلاقات مع أرتيريا، والتغلغل في الصومال. وهدف إسرائيل واضح بإضعاف التأييد ألأفريقي للقضايا العربية. وإلى جانب هذه الاهداف هناك الاهمية الاقتصادية والتجارية لافريقيا والتي كانت زراء إستعمار اوروبا للقارة.وتعتمد إسرائيل في علاقاتها مع الدول الأفريقية على حاجتها للتقدم التكنولوجي في مجال الزراعة، والتقدم الطبي، وتفوق إسرائيل عسكريا، وكلها مغريات قوية لدعم علاقتها بالدول الافريقية، وتقديم المساعدات العلمية والتدريسية، وكل هذا بهدف مزدوج الأهمية إحتواء الدول العربية وحرمان الدول العربية من الورقة الافريقية التي وظفتها في الخمسينيات والستينات من القرن الماضي.

ولا شك أن التحولات في موازين القوى الإقليمية والدولية، وتراجع القضية الفلسطينية وتراجع الدور العربي بعد ثورات التحول، وما تشهده الدول العربية من إنشغالات وإنقسامات وحروب داخلية، كل هذا منح إسرائيل الفرصة لتقديم نفسها للدول الأفريقية التي تحتاج المساعدات في المجالات التي تتفوق فيها إسرائيل.

هذه الإستراتيجية التي تنتهجها إسرائيل تحتاج إلى تحرك عربي وإسلامي ممنهج ومدروس من قبل الجامعة العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامي، وتحتاج تحركا ديبلوماسيا نشطا من قبل مصر بإعتبارها الدولة المحورية والمركزية في قلب القارة، وقد تكون ألأكثر تضررا، وهذا الذي نراه ألان في نشاط الدبلوماسية المصرية وفي الزيارات المكوكية التي يقوم بها الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي لدول القارة، وحضور القمم الافريقية تحت قبة منظمة الوحدة الافريقية. لا ينبغي على الدول العربية والتي تشكل مجمعة كبيرة منها منظمة الوحدة الافريقية كليبيا والسودان ودول المغرب العربي وموريتانيا والصومال وموريشيوس أن تترك القارة الافريقية ساحة مفتوحة للديبلوماسية ألإسرائيلية كما ظهر أخيرا في تأجيل القمة الافريقية الإسرائيلية.، فالقارة الافريقية بكل معايير القوة تشكل قارة عمق إستراتيجي وأمني وإقتصادي للدول العربية.