بيان صادر عن حركة التحرير الوطني الفلسطيني"فتح" إقليم لبنان
ليلة السادس عشر من أيلول العام 1982 كانت المجزرة، وكانت الهمجية تتجسد بأبشع صورها وأشكالها بقرار إسرائيلي ومشاركة أعوانها من الأدوات الحاقدة، مجموعات مسلَّحة بالبنادق، والسيوف، والخناجر، والحبال، والسكاكين. مجموعات معبأةٌ بالكراهية وسفك الدماء، وتعذيب الأطفال والنساء والشيوخ ليلاً وهم في منازلهم. كانوا مطمئنين أنَّ هناك قوات أجنبية مكلفة بحماية أمنهم وإذا هم وجهاً لوجه مع المجرمين ومصاصي الدماء، مع الزناة الذين نالوا من الأعراض قبل قتل الضحايا من الفتيات والنساء، أشبعوا غرائزهم الوحشية، انتقلوا من بيت إلى بيت بحثاً عن الأحياء، وعندما انتهوا من تأدية رسالتهم الّتي تقطر دماً جاءت الجرافات من أجل إخفاء آثار الجرائم. وصباح الثامن عشر من أيلول كانت الجثث تملأ الساحة، وأحياناً بعضها فوق بعض، أطفال ونساء وشيوخ، لبنانيون وفلسطينيون لا فرق، وكانت فضيحة العصر، تقرع أبواب العالم كل العالم، تهزُّ الضّمائر، تستنطق مجلس الأمن، والدول الغربية، تستفزّ مشاعر العرب، والدول الإسلامية.
إنّ هذه الذكرى المؤلمة توقظ في وجداننا وضمائرنا الكثير من التساؤلات عن حدث اهتزّ له العالم إلاّ أولئك الجُناة، ما يزيدُ عن ثلاثة آلاف وخمسمائة شهيد لقوا مصرعهم على أيدي حفنة من القتلة لنشر الرّعب في نفوس أهلنا، وحملهم على المغادرة والتشتت في منطقة حزام البؤس، وكان الردّ سريعاً وموجعاً لمن خطط ونفّذ بأنْ كفكفَ الأهالي دموعهم، وانطلقوا يدفنون شهداءهم، ويزيلون الركام، ويشرعونَ بإعمار ما تهدّم، ليكملُوا مسيرتهم ويؤدّوا أماناتهم.
هل يريد العالم جريمة اكبر وضحايا أكثر كي يتأكد من طبيعة هذا الكيان العنصري وسلوكه الإجرامي؟ ألا تستحق هذه المجزرة وقفة ضمير وتأمّل لمحاسبة الكيان الإسرائيلي الخارج عن كافة القيم والقرارات الدولية.
إنَّ هذه الذكرى المفجعة تضعنا جميعاً أمام مسؤولياتنا الوطنية تجاه أهلنا أبناء صبرا وشاتيلا وأبناء تل الزعتر، وتجاه شهدائنا الأبرار من اللبنانيين والفلسطينيين، وأن نكون أوفياء لدمائهم الزكية وأرواحهم الطاهرة. ولا شك أنَّ قمة الوفاء تكون برص الصفوف وإنهاء الانقسام المدمِّر وإعلان الوحدة الوطنية والاتفاق على البرنامج السياسي الذي يلبي طموحات شعبا وتطلعاته في الداخل والشتات، انطلاقاً من إصرارنا على تنفيذ ما تم الاتفاق عليه في قطر والقاهرة، وهذه الأمنيات لا يمكن أن تتم إلاَّ من خلال التمسك بالمشروع الوطني الفلسطيني المسؤول عن المسيرة الكفاحية الوطنية للشعب الفلسطيني.
وفي هذه المناسبة نحيي أبناء شعبنا الذين لم تُضعفهم الأحداث المؤلمة، وهم الذين يؤمنون بأن مخيماتنا ستبقى قواعدَ انطلاقِ مسيرةِ العودة إلى ارض فلسطين التاريخية أرض الآباء والأجداد، أننا نهيب بأهلنا وشعبنا أن يتكاتفوا وأن يعملوا ليلاً ونهاراً من أجل الأمان والاستقرار وصناعة مجتمع يمتاز بالخلق السليم والثقافة الواسعة، والتعاون من أجل علاقات أخوية مع أهلنا اللبنانيين لتجسيد وحدة الموقف والمصير على طريق الحرية والنصر المؤزر.
في مثل هذا اليوم نتذكر صمود شعبنا اللبناني والفلسطيني في بيروت الصمود عند الاجتياح الإسرائيلي، حيث صمدت قيادة الشعبين وفي المقدمة الرمز ياسر عرفات، وعجز جيش الاحتلال عن دخول بيروت رغم عدوانه الذي استمر ثلاثة أشهر. لقد استجاب الشهيد ياسر عرفات لطلب القيادة اللبنانية بأن أوضاع بيروت لم تعد تحتمل المزيد من القصف والتدمير، وخرج ياسر عرفات ومعه قوات الثورة يحملون الأعلام الفلسطينية والبنادق رغم أنف الاحتلال. وكان أبو عمار مطمئناً إلى وجود القوات الدولية حول المخيمات لحمايتها، لكنها المؤامرة التي خططتْ لها إسرائيل وأعوانها والانتقام من أهل صبرا وشاتيلا، بعد أن عجزت قوات العدو عن دخول بيروت المحصَّنة والشامخة بقياداتها الوطنية.
المجد والخلود لشهدائنا الأبرار
التحية إلى رمز المقاومة والصمود الشهيد أبو عمار
التحية إلى الرئيس أبو مازن قائد المشروع الوطني
التحية إلى أسرانا الأبطال الصامدين في المخيمات
الشفاء للجرحى والمعوَّقين
وإنها لثورة حتى النصر
حركة التحرير الوطني الفلسطيني "فتح"
إقليم لبنان 18/9/2013
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها