بعدما راهن خصوم أبو مازن على أنه بات يفقد الأوراق من بين يديه، عربياً ودولياً، ها هو يسجل اسمه في قائمة أول عشرة قادة في العالم يحظون بالترحيب في البيت الأبيض. وقبلها عقد الرجل المؤتمر السابع في رام الله، فجدد شرعيته فتحاوياً ومحلياً وعربياً، ومن خلال لقائين اثنين فقط استعاد الكيمياء بينه وبين الرئيس السيسي، وعزز علاقته المتينة مع الملكين الأردني والسعودي.

ولا يتفاجئ احد إذا عادت علاقته قريباً مع الإمارات العربية، حيث يستخدم أبو مازن سياسة التراكمات الناعمة في وجه خصومه حتى يغرقهم في الرمال المتحركة. فيتفاجئون بعد كل عاصفة أنه خرج منها وأنهم غرقوا فيها.

 حاولت إسرائيل منذ اليوم الأول إطلاق مصطلح (صوص الضعيف) على أبو مازن، ولكن شارون مات واولمرت دخل السجن وباراك اعتزل السياسة، وعمير بيرتس سقط، وتسيفي ليفني انهزمت، ونتنياهو يلهث للقاء أبو مازن دون أن يستطيع احد أن ينتصر عليه.

 وأنا اشهد أن خصومه استهانوا به كثيراً وتطاولوا عليه بأكثر مما يحتمل الإنسان، وحاولوا هز ثقته بنفسه، لكنهم في كل مرة وبعدما أنهكتهم الشتائم ضده، عادوا وقد حاصرهم برماله الناعمة ووضعوا الخناجر والسيوف جانباً وطلبوا الصلح معه.

 وذات يوم سألته كم يمكن أن يتحمل هذه الانتقادات القاسية والجارحة، فأجابني بكل هدوء (هكذا نحن في فتح نصبر وننتظر ليرى الشعب من يكون المنتصر ومن يخدم فلسطين وشعب فلسطين أكثر). وأضاف: قد شتم هؤلاء الجماعات عرفات. هم أنفسهم شتموا عرفات أكثر من ذلك، وألان هم نادمون على ذلك.

 وذات يوم نصحني بحضور قادة كبار (من يريد أن يسابق الزمن لخدمة فلسطين ويفكر بطريقة مختلفة من اجل قضيته وشعبه عليه أن يتحمل الظلم والتجريح والشتائم وخصوصا أنها تأتي من جماعات معروفة بحقدها على منظمة التحرير والقوميين، وهم لن يقدموا لفلسطين شيئا أبدا ومهمتهم الوحيدة هي الشتم والامتعاظ وإحباط الشعب).

 وفي الحقيقة لم يخف الوفد الفلسطيني قلقه من دعوة الرئيس ترامب للرئيس أبو مازن لزيارة البيت الأبيض، ولم يعد سرا أن مكتب نتنياهو فعل كل ما بيده من اجل إفشال هذا اللقاء ومنع أي تفاهم فلسطيني أمريكي. وقد حاول نتنياهو الانتقام من الأسرى من خلال الاشتراط بوقف مخصصاتهم كشرط لنجاح هذا اللقاء، ولكن الرئيس أبو مازن كان هادئاً وصامتاً كعادته.

 وبعد كل هذه الحفاوة في البيت الأبيض، اختلفت الانطباعات واجتمع أبو مازن مع الوفد المرافق وبدأ منذ ألان يضع خطة العمل للأيام والأشهر القادمة.

 وبعد لقاء ترامب، وبعد أن يعمل الجميع لانتصار الأسرى في معركة الكرامة، يتوقع المراقبون هنا أن يكون هناك انتعاش اقتصادي في الأرض المحتلة في الأشهر القادمة، وانفراج دبلوماسي .عالمي كبير، وانفتاح عربي اكبر على القضية الفلسطينية، وهستيريا أكثر عند خصوم الرئيس. لا سيما اذا ذهب بسرعة الى عقد المجلس الوطني كما هو مقرر.