منذ بداية الأزمة السورية كان الفلسطيني هو الأول على قائمة المتهمين بإشعال فتيل الفتنة، فقط كون المخيمات قريبة من مكان بداية الاضطرابات أو الحراك الشعبي أو الثورة السورية، ثم تطورت الأحداث إلى أن تم إقحام مخيمات اللاجئين الفلسطينيين بشكل كامل؛ وكان أولها مخيم درعا جنوب سوريا؛ حيث كانت الشرارة الأولى في محافظة درعا، فنال المخيم نصيبه كونه لم يتخل عن إنسانيته في تلك اللحظة في إسعاف الجرحى من المنتفضين والذين استجاروا بهم؛ ولم يكن القصد المشاركة في مجريات الأحداث التي أدت إلى تدمير الحياة في سوريا، ثم مخيم الرمل في اللاذقية، ثم اليرموك وباقي المخيمات؛ وهكذا انفرط عقد الأمان بالنسبة للفلسطينيين الذين كانوا كالطفل المدلل في أحضان الدولة السورية، وتنوع شكل الإقحام لهم سواء بتصريحات سياسية من الطرفين المتحاربين أوعن طريق استدراج عدد من المتهورين في صفوف المشتبكين في القضية السورية المستجدة على درب الربيع العربي المزعوم مثل انجرار فئة مع حركة حماس، التي شكلت أجنحة عسكرية لها في قتال الجيش السوري النظامي إلى جانب مسلحي المعارضة بإمرة خالد مشعل رئيس المكتب السياسي للحركة وفئة تموضعت إلى جانب الحكومة ضمن صفوف القيادة العامة لتحرير فلسطين الجبهة الشعبية بإمرة أحمد جبريل أو عن طريق وضع المخيمات تحت النيران فوقع تحت القصف والاشتباكات بين طرفي الصراع، رغم الإجماع الفلسطيني على عدم التدخل بما يجري في الساحة السورية كونهم ضيوفاً حتى العودة إلى فلسطين.
ومرت عجلة الحرب دون توقف على أجساد الفلسطينيين في سوريا ونالت منهم ؛ فكانت الحصيلة حسب مراكز ومؤسسات مهتمة قرابة 3483 ضحية من بينهم أكثر230 طفلاً؛ وقرابة 1187 مفقوداً ومعتقلاً.
أما الآن وبعد ستة سنوات من الأزمة السورية وتشرد الملايين من الشعب السوري، وكذلك عشرات الآلاف من الفلسطينيين، وتدمير مساحات واسعة؛ وهذا ليس بغريب على طبيعة الحروب، نرى بنظرة أقرب للوضع في اليرموك أن الفلسطيني سيبقى دافعاً لثمن باهظٍ حتى آخر نفس لمسلحي المعارضة؛ كيف؟
لقد أجرت الحكومة السورية وفصائل المعارضة وهيئة تحرير الشام التي كانت منضوية تحت أمرة جبهة النصرة؛ الاتفاق الذي عرف باسم الزبداني مضايا/ كفريا الفوعة، والذي أبرم بناءً على إخلاء بلدتي الفوعة وكفريا شمال سوريا وهما المواليتين للحكومة السورية، مقابل إخلاء بلدتي الزبداني ومضايا التابعتين لريف دمشق في منطقة القلمون السوري من مسلحي المعارضة والسكان.
وإثر اتفاق المدن الأربع هذا ، بدأت قوى المعارضة المسلحة في المنطقة المجاورة لمخيم اليرموك  في يلدا جنوب المخيم بإغلاق الطريق المؤدية إلى مخيم اليرموك، وهو شريان الحياة الوحيد الذي بقي بعد الحصار المطبق على المخيم من خلال إغلاق المعبر الشمالي لليرموك والذي كان يصل إلى قلب العاصمة السورية؛ حيث عطل الإجراء الأخير حركة أهالي المخيم التي كانت نشطة بغية تأمين حاجياتهم اليومية من بلدة يلدا، وكذلك زيارة عائلاتهم وأقربائهم الفارين من المخيم ،حيث تم حجز قرابة 4000 فلسطيني في المخيم منهم 1000 في المنطقة التي تسيطر عليها هيئة تحرير الشام دون دواء أو غذاء ،حيث ساهمت عناصر داعش بذلك من خلال منع الاهالي العائدين من منطقة يلدا من إدخال الطعام والمستلزمات الخاصة بهم تحت حجة أنهم يمولون عناصر هيئة تحرير الشام المتموضعة شمال غرب المخيم في منطقة الريجة؛ وقد عطلت كل تلك الإغلاقات المسعورة، المسيرة التعليمية لأطفال المخيم والذي بلغ عددهم قرابة 1000 طالب ، وهي الطريقة الأخيرة التي لجأ إليها أهالي الطلاب وهي تسجيلهم في المدارس البديلة لمدارس الأونروا لإنقاذ العملية التعليمية لهم ولكي يحافظوا على أبنائهم وحمايتهم من همجية المناهج التعليمية الداعشية العجيبة والتي فرضت عليهم لمدة سنة قبل هذا التاريخ، والتي افتقدت للواقعية والمنطقية وللمفاهيم الاسلامية الحقيقية؛ ولم تكن مسيرة هؤلاء الطلاب قبل الإغلاق آمنة بل كانوا يقطعون نقاط اشتباكات ساخنة بين التنظيم الداعشي ومسلحي المعارضة المسيطرة على يلدا، فكانوا ينتقلون دوماً من تحت الدلف إلى تحت المزراب؛ وكانت حجة الإغلاق لطريق يلدا المخيم من قبل فصائل المعارضة السورية التي تنفذ اتفاق هدنة مع الجيش السوري النظامي، هي منع الأهالي من تسجيل أسمائهم في قوائم المغادرين للمخيم إلى إدلب شمال سوريا، لدى مسلحي تحرير الشام ذوي الأصول الجبهوية النصروية حسب اتفاق المدن الاربع الموقع بين الحكومة السورية والمعارضة السورية الآنف الذكر.
كما قام مسلحو داعش بالتزامن مع إجراءات المعارضة في يلدا بإغلاق حاجز القدم في المنطقة الجنوبية الشرقية للمخيم ، واستكمل هذا الإجراء بإحكام سيطرتهم على المناطق المجاورة لحي التضامن الواقع تحت سيطرة الحكومة السورية، وبالتحديد في شارع فلسطين الملاصق للتضامن، وتعرض الأهالي هناك إلى ضغوطات ومطاردات من أجل مغادرة بيوتهم تحت تهديد حرق المنازل، بحجة تحويلها إلى منطقة عسكرية داعشية، وبدت تلك الخطوات من أجل إحكام السيطرة وإغلاق كل المنافذ إلى خارج المخيم خاصة بعد حادثة تفجير النفق المؤدي إلى المنطقة المجاورة في الشمال الغربي واغتيال زعيم جماعة الكراعين المؤيد لداعش، حيث خشيت الأخيرة أيضاً من اختراقات إضافية تفقدها السيطرة على مناطق في مخيم اليرموك وتعزيز جبهتها بعد تسليم مناطق هيئة تحرير الشام إلى النظام والفصائل الفلسطينية الموالية منها للحكومة السورية والجيش السوري، بعد خروجهم وعائلاتهم إلى منطقة إدلب حسب الاتفاق المبرم.
إن جميع الاجراءات المتبعة من قبل الأطراف المعارضة العسكرية جنوبا وشرقا وغرباً أدت حالياً إلى تفاقم معاناة اللاجئين في مخيم اليرموك من خلال ازدياد أسعار المواد الغذائية والدوائية داخل المخيم وحتى في منطقة يلدا المجاورة، كما حصل في تهيئة الظروف الابتدائية لمجاعة اليرموك سابقاً، بالإضافة إلى تلك الاجراءات شمالاً من قبل عناصر القيادة العامة المؤيدة للحكومة السورية، منذ بداية أزمة المخيم .
ورغم إدخال بعض المعونات الغذائية إلى مناطق هيئة تحرير الشام ضمن الاتفاق المبرم للانسحاب إلا أن باقي أهالي المخيم يبقون تحت سيطرة تنظيم الدولة الداعشية دون تأمين احتياجاتهم في أقل تقديرلأوضاعهم، وعدم تحريك الوضع نحو الحل من قبل الطرفين، حتى أن قضية المخيمات ومعاناتها في سوريا يتم تجاهلها في وسائل الإعلام والفضائيات ولا تبقى سوى مهمة خاصة لبعض مواقع التواصل الجتماعي والاعلامي؛ وبينما يتراجع الضغط عن بعض المخيمات مثل خان الشيح وعودة تدفق المساعدات وتراجع القصف والاشتباكات هناك وكذلك مخيمات الحسينية والسبينة من خلال محاولات إعادة الاهالي لأماكن سكناهم، فإن الوضع يشتد في أماكن أخرى مثل اليرموك كما أسلفنا، ومخيم خان دنون من خلال التشديد الأمني على الأهالي هناك من قبل عناصر مسلحة مؤيدة للحكومة السورية، ومخيم درعا الذي يتعرض لقصف من قبل الجيش السوري النظامي، طال المنازل والبنية التحتية فيه بسبب تواجد مسلحي المعارضة هناك؛ حتى مخيم الحسينية الذي سمح لسكانه بالعودة، تعرضوا للضغوطات والتشديدات الأمنية المفروضة من قبل عناصر الأمن من ضرب سياج معدني حول المخيم وحجز اشتراطي للهوية الشخصية لأقارب القاطنين هناك حتى إنهاء زياراتهم في المخيم، وقطع الطريق بحجة ضبط الوضع الأمني وعدم رجوعه للوراء، منعاً لدخول عناصر للمعارضة إلى المخيم مما أدى إلى مغادرة بعض العائلات للمخيم لعدم قدرتهم تحمل تلك الإجراءات.
لقد وصل اللاجئون الفلسطينيون في سوريا حد معاناة لا نهاية له، ولا جديد يحمي وجودهم أو يؤمن احتياجاتهم الانسانية، خاصة في ظل التصعيد الدولي العسكري ضد سوريا حيث أصبحت سوريا ملعباً لدول المجتمع الدولي والإقليمي، ويتجه الوضع إلى تشريع سيناريوهات تلك الدول، وتفرضها قوة الفعل العسكري لها من أجل ترسيخ سايكس بيكو جديد بحلة جديدة وأدوات مختلفة، ويبقى الفلسطينيون يدفعون فاتورة الدم لجميع العابرين والمفاوضين والمشتبكين والعابثين في تفاصيل القضية الفلسطينية، ونقول لأولئك المستفيدين من ثمن الفاتورة أن القيادة الفلسطينية وشعبها لن تثنيها قوتكم تلك عن مواصلة نضالهم وعلى طريقتهم الخاصة نحو تحقيق إعلان الدولة الفلسطينية المستقلة، والتي ستحتضن أولئك اللاجئين كمواطنين حقيقيين يمارسون حياتهم بكرامة وبفاعلية .