في خطوة استعمارية جديدة لجأت الحكومة البريطانية ومعها اللجنة البرلمانية في مجلس العموم البريطاني، المكلفة بمتابعة العرائض الشعبية، قامت كل منهما بشكل منفصل وبالتكامل فيما بينهما في التآمرعلى المطالبة الفلسطينية باعتذار بريطانيا عن وعد بلفور المشؤوم الصادر قبل 100 عام، حيث قامت الحكومة بتخفيض الفترات الزمنية المقرة لجمع التواقيع من ست أشهر إلى ثلاثة ونصف. مما دعا اللجنة البرلمانية لقطع المهلة الزمنية المقرة لجمع 100 ألف توقيع من البريطانيين بهدف إرغام الحكومة على ذلك، والتي المفترض تنتهي في أواسط أب/ أغسطس القادم، فخفضتها شهرين ونصف، وهو ما حال ويحول دون تمكن القائمون على الحملة من جمع التواقيع خلال العشرة أيام المتبقية. ويعني أيضا الحؤول دون مناقشة العريضة في البرلمان.
الأنكى والأخطر مما تقدم أو بالترابط معه، أن الحكومة البريطانية أعلنت أول أمس السبت في ردها الرسمي على طلب الاعتذار عن وعد الجريمة والعار: أنها "لا تعتزم الاعتذار عن الوثيقة التاريخية". وأضافت بغطرسة المستعمر الفض " نحن فخورون بدورنا في تأسيس دولة إسرائيل." وعمقت دفاعها عن وعد جريمة العصر بالقول "أن منح وطن قومي لليهود، هو فعل أخلاقي وصائب." وأشارت ضمنا إلى وجود روابط دينية وتاريخية (لليهود) مع فلسطين، أضف إلى الاضطهاد، الذي تعرض له اليهود في تلك الحقبة. ولم تشر من قريب أو بعيد لنكبة الشعب العربي الفلسطيني، ولا للويلات والمآسي، التي لحقت بالملايين من أبنائه حتى الآن وطيلة سبعين عاما خلت من النكبة الناجمة عن إقامة دولة إسرائيل الإستعمارية على أنقاض طرد وتشريد الشعب العربي الفلسطيني.
وقبل نقاش الرد الرسمي للحكومة البريطانية، وحتى لا يتهمنا البعض بالشعبوية، لاسيما وان هناك من يعتقد، ان مطالبة بريطانيا بالاعتذار عن جريمتها جزءا من الخطاب الشعبوي. وهذا لا يمت للحقيقة بصلة، وهو شكل سطحي وساذج في قبول الوعد والتساوق معه. على اعتبار أن إسرائيل حقيقة قائمة. نعم إسرائيل الإستعمارية أمست منذ سبعين عاما موجودة في الواقع. لكن هذا الوجود، وجود إستعماري، لا يوجد له أي مبرر ديني أو تاريخي، وبالتالي وجودها لا يرتكز بالمطلق لقواعد ومنظومة نشوء الشعوب والدول، وعليه فوجودها بقدر ما حل معضلة إستعمارية لنهب المنطقة وثرواتها، والحؤول دون نهضتها، بقدر ما جاء على أنقاض شعب قائم، كان ومازال يحلم بالحرية والاستقلال على ارض وطنه. إذا إسرائيل قامت إستنادا إلى وعد من لا يملك لمن لا يستحق الوعد. وتعزيزا لذلك، فإن الاضطهاد المتعدد الأوجه، الذي لحق باليهود، هو اضطهاد أوروبي، قامت به أنظمة الحكم الغربية الإستعمارية ضدهم، وتوجت بالمحرقة النازية، التي نفذها النظام الهتلري أثناء الحرب العالمية الثانية، ولا يوجد أي صلة بين إضطهاد اليهود والفلسطينيين العرب. بل العكس صحيح، إن اليهود الفلسطينيين وفي عموم الوطن العربي عاشوا بسلام وبالتساوي مع اقرانهم من أتباع الديانات الأخرى. والنتيجة قيام إسرائيل، هو فعل لا أخلاقي واستعماري بشع يندى له جبين البشرية كلها، وليس بريطانيا لوحدها
ما تقدم حمل في طياته ردا على ما جاء في الرد الرسمي للحكومة البريطانية، التي تؤكد إنحيازها للإستعمار الإسرائيلي. وبالتالي فخر بريطانيا بإقامة إسرائيل على أنقاض نكبة الشعب العربي الفلسطيني، هو عار عليها، وتأكيد للجريمة السابقة قبل قرن خلا من الزمن. فإقامة إسرائيل الإستعمارية وصمة عار على جبين بريطانيا وأوروبا وكل من أعترف بها. لإنها قامت وفقا لمخطط إستعماري أصل له مؤتمر كامبل نيبرمان 1905/1907، وإتفاقية سايكس بيكو 1916 البريطانية الفرنسية، التي قسمت الوطن العربي إلى دول عدة بدل السماح بنشوء الدولة العربية الواحدة.
وحتى عندما تعترف بريطانيا بالغبن، الذي لحق بالإقليات او الطوائف الأخرى الموجودة في فلسطين، فهي لم تشر بشكل صريح للشعب العربي الفلسطيني صاحب الأرض والوطن الفلسطيني دون منازع، حيث لا شريك له وطنه الأم فلسطين التاريخية من البحر إلى النهر. وحتى عندما تتحدث عن السلام الآن، فإنها تتحدث عن خيار ملتبس وضبابي، لا تشير فيه من قريب أو بعيد لحل الدولتين على حدود الرابع من حزيران عام 1967، ولا تتحدث عن حق العودة للاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم، التي طردوا منها في 1948 و1967.
عار بلفور سيطارد الحكومات البريطانية المتعاقبة إلى ان تعترف بذلك، وإن لم تعترف بذلك الآن، فإنها ستعترف لاحقا بجريمتها الوحشية بإصدارها الوعد المشؤوم،وعندئذ ستملي الضرورة عليها تعوض الفلسطينيين عن الجريمة البشعة، التي ارتكبتها بحقهم، وأول أشكال الاعتذار يتمثل بالاعتراف الواضح والصريح بدولة فلسطين على حدود الرابع من حزيران عام 1967، والتأكيد على حق العودة للاجئين والنازحين،وإعادة كل الأموال والمقتنيات التاريخية المالية والاقتصادية والأثرية، ومقاطعة إسرائيل حتى تعترف بالحقوق السياسية التاريخية للفلسطينيين في ارض وطنهم، وتعويضهم عما لحق بهم من مآسي ونكبات متعاقبة ... إلخ.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها