إما انه فهم قاصر لمعنى منظمة التحرير الفلسطينية، أو جهل مطبق بمعاني التحرير والوطنية الفلسطينية وإرادة الشعب.. لكن الاحتمال الثالث وهو الأصح أن العدائية المستحكمة في خلايا امرئ كداء السرطان هي سبب الظلام القائم في تفكيره ونشاطه الذهني، وسلوكه، ما يجعله غير قادر على رؤية الحقائق المادية فيستبدل هذا النقص الجوهري الأساسي اللازم كشرط للحصول على توازن معقول في النظرة إلى مقومات الحياة والوجود.

 خير مثال على ما ذكرنا هو د. محمود الزهار الأمير في جماعة الإخوان المسلمين – فرع فلسطين، والقيادي في الجناح المسلح للجماعة (حماس) فالرجل لا يرى فلسطين الأرض والجغرافية، ولا يرى شعبها وهويته الوطنية والإنسانية وتاريخه المتصل بالنواة الأولى لتاريخ امة الإنسان، لا يقدر الزهار على تلمس درب الحرية المرصوف بأسماء مئات آلاف الشهداء والجرحى والأسرى، ولا يقرأ أهدافه في التحرير والتحرر والاستقلال والعودة، أما ثقافة هذا الشعب فينكرها، لا يمكنه تقبل فكرة أن كل ما تقدم هو منظمة التحرير الفلسطينية، وان هذه المنظمة هي دولته المعنوية، إلى حين تجسيد دولته الحقيقية التي بلغت طوراً متقدماً في التشكل وفق معايير الدول في الفكر السياسي الحديث.

قزّم الزهار رؤيته للممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، ورسم أقتم صورة يمكن أن يقدمها فلسطيني لا يكف عن الادعاء إن حركته حماس التي ينتمي إليها وهو قائد فيها (حركة تحرر) فهو يعتبر نتائج عملية انتخابية جرت قبل 11 عاما، حولها ممثلو حماس إلى نقطة ارتكاز انقلابية، وانقسامية، ويتم تحويلها الآن إلى انفصالية، ويقول إن المجلس التشريعي هو الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني وهو بيت الفلسطينيين !!!

 إذا أردنا فهم مغزى تصريحات الزهار الآن، فعلينا قراءة أبعاد قرار حماس تشكيل لجنة لإدارة قطاع غزة، فالرجل يعي ويعرف ما يقول باسم حماس ويحدد توجهات مقاصدها، نحو الانفصال بقطاع غزة بعد عشر سنوات من انقلاب جماعته المسلحة، لإنشاء دويلة الجماعة التي سيعتبرها المحتلون الإسرائيليون دولة فلسطين المنشودة !! حيث فيها المؤسسة التمثيلية التشريعية كما يحلو للزهار الادعاء والانسجام التام مع الرواية الإسرائيلية، فيما الأداة التنفيذية هذه المرة ستكون تحت مسمى لجنة إدارة قطاع غزة بعد دفع حكومة هنية في غزة إلى الظل بالتزامن مع تشكيل حكومة الوفاق الوطني، لأن عملية ابتزاز السلطة الوطنية وتحميلها المسؤولية عن معاناة ملايين المواطنين في غزة سيبقى معمولا بها، أما الركن الثالث للسلطة أي القضاء، فإن محاكم التفتيش الحمساوية جاهزة، وكلنا نعلم إنها كانت السبب في تعطيل مسار الانتخابات البلدية السابقة حتى بعد انطلاقها.

 ما يطرحه الزهار ابعد بكثير من قضية التمثيل الشرعي والوحيد، فهو يرى جماعته بمقام الشعب الفلسطيني، ويرى الدولة في قطاع غزة الذي حولته حماس إلى سجن كبير وساعدها حصار دولة الاحتلال على التحكم بمداخله ومخارجه، ويحرق شجرة الخلود الفلسطينية، وكتاب مئات آلاف الشهداء والأسرى المقدسة أسماؤهم، ويستبدل سجل التاريخ الحضاري لملايين الفلسطينيين في الوطن ودول الجوار والمهجر بستين فزاعة ونيف من جماعته بدؤوا نوابا في التشريعي ثم انقلبوا ليصبحوا نوائب على هذا الشعب ومصالحه العليا.

ما يقوله الزهار استجابة سريعة لرغبات افيغدور ليبرمان بإسقاط الصفة التمثيلية عن الرئيس أبو مازن وقيادة الشعب الفلسطيني، وحركة التفافية سريعة لتنفيذ مخرجات المؤتمرات المشبوهة التي عقدت في عواصم دول إقليمية، وضربة من الخلف للذين اقروا اتفاق اللجنة التحضيرية لعقد دورة المجلس الوطني، وكأنه يقول (يا أيها الكافرون. ..لكم بيتكم ولي بيتِ) !!. . تذكروا دائما إن قيادة جماعة الأخوان تقرأ نصوص العقيدة مقلوبة، وتبثها معاكسة لمنطق الحياة وحقائق رسالة الدين.