في ظل جملة التغيرات الهائلة في وضع القوى المحلية، والإقليمية، والدولية الجارية في منطقة الشرق الأوسط، بات مشروعاً طرح التساؤل، حول إمكانية إعادة تشكيل القوى والدول في الشرق الأوسط الجديد دون حل للقضية الفلسطينية.

إن تقاطع وتصارع المصالح بين القوى الإقليمية الرئيسية إسرائيل/تركيا/إيران، والقوى الدولية من روسيا/أمريكا/الصين/أوروبا، يبدو للوهلة الأولى أن يكون التساؤل غريب أو محيراً، خصوصاً أن القضية الفلسطينية، مثلت القضية الرئيسية في الشرق الأوسط على مدى سبعة عقود خلت، لكن بروز ظاهرة التطرف والإرهاب الإسلامي خلال العقدين المنصرمين، قد جعلا من القضية الفلسطينية، قضية ثانوية، أو قضية داخلية للكيان الصهيوني، رغم الضجيج المفتعل، من قوى الإسلام السياسي، في سياق سياسة الاستخدام والتوظيف المزدوج لجماعة الإخوان المسلمين ومستنسخاتها في فلسطين، بغرض الصراع على الإمساك بالورقة الفلسطينية والتنازع على الشرعية الوطنية مع منظمة التحرير الفلسطينية، وإفشال مشروعها التفاوضي مع العدو الإسرائيلي، الذي لم يوفر جهداً هو الآخر في التناغم مع هذه الأهداف والغايات، وإيصال عملية السلام إلى طريق مسدود، إضافة إلى إفراغ كافة الاتفاقات الموقعة معه من مضمونها، من هنا تأتي مشروعية السؤال، عن إمكانية إعادة تشكيل (شرق أوسط جديد) دون حلٍ للقضية الفلسطينية ...!!!

لاشك أن وضع القضية الفلسطينية، بات أكثر تعقيداً من أي مرحلة مضت، رغم محاولات منظمة التحرير الفلسطينية الجادة في إحداث حالة من الاختراق على المستوى الداخلي أو الإقليمي أو الدولي، كي تبقي على الأمل بإمكانية الوصول إلى حل تفاوضي ينهي الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية، والعمل على إمكانية التوصل إلى حل نهائي يؤدي إلى قيام الدولة الفلسطينية على الأراضي المحتلة عام 1967م، ذلك من خلال التوجه إلى الأمم المتحدة والحصول على القرارات التي تؤكد على ذلك، وقد نجحت في استصدار قرار الجمعية العامة بالاعتراف بدولة فلسطين (دولة عضو مراقب) والذي أسس لقبول عضوية فلسطين في الكثير من المنظمات الدولية المتخصصة والتابعة للأمم المتحدة، وأخيراً قرار مجلس الأمن رقم 2334 في 16/12/2016م بإدانة الاستيطان واعتبار الأراضي الفلسطينية أراضي محتلة بما فيها القدس، وأنها ستكون المجال الجغرافي الذي ستقوم عليه الدولة الفلسطينية بجانب دولة إسرائيل، وتستمر سياسة منظمة التحرير الفلسطينية في التوجه إلى المجتمع الدولي والمواجهة الدبلوماسية والسياسية والقانونية مع دولة الاحتلال، والسعي لإحداث اختراقات في آلية عملية السلام تؤدي إلى عقد مؤتمر دولي يحدد هدف عملية السلام المنشود، ويضع جدول زمني ملزم لإسرائيل قبل الانطلاق في أي عملية تفاوضية لتنفيذ ما يجري الاتفاق عليه، لكن انشغال القوى الإقليمية والدولية بمواجهة (الإرهاب الإسلامي) ومنحه الأولوية على أي شيء آخر والسعي لإيجاد الحلول للأزمات المتفجرة في كل من سوريا والعراق واليمن وليبيا، ومواجهة التمدد والنفوذ الإيراني في المنطقة، يجعل مهمة منظمة التحرير أقرب إلى المستحيل، خصوصاً أن إسرائيل باتت اليوم لاعباً أساسياً في أزمات المنطقة المتفجرة، وتحالفاتها وصراعاتها، بشكل ظاهر أحياناً ومستتر في أحيان أخرى، فهي غير بعيدة عما يجري في سوريا والعراق، ومختلف النزاعات الداخلية التي تشهدها المنطقة، والضحية والقربان للعلاقات التطبيعية بين دول المنطقة والكيان الصهيوني دائماً تكون القضية الفلسطينية.

فهل تدرك قوى المعارضة الداخلية الفلسطينية خطورة الوضع الذي تمرّ به القضية الفلسطينية؟! وتكف عن مناكفاتها للشرعية الوطنية الممثلة في منظمة التحرير الفلسطينية، وتتقدم عبر بوابات الشرعية لإنهاء حالة الانقسام التي تمثل مدخلا لكافة القوى الإقليمية العابثة في الشأن الفلسطيني، كما الكيان الصهيوني، من أجل تفويت الفرصة عليه، وإعادة الاعتبار لمنظمة التحرير الفلسطينية كجبهة وطنية عريضة تجمع كل الطيف السياسي الفلسطيني وتبقى فلسطين وشعبها وقضيتها، قضية أساسية ورئيسية للمنطقة برمتها، ولا تتقدم عليها أية قضية كانت، وتحول دون تشكيل الشرق الأوسط الجديد دون حل عادل للقضية الفلسطينية يؤدي إلى ممارسة الشعب الفلسطيني لحقه في تقرير المصير والعودة وإقامة الدولة المستقلة وعاصمتها القدس، إن ممارسات المعارضة الفلسطينية والتي عبرت عن نفسها في سلسلة من المؤتمرات خارج إطار الشرعية الفلسطينية من عين السخنة إلى باريس ومن طهران إلى إسطنبول لا تبشر بخير، بل تتناغم مع أغراض القوى الإقليمية العابثة بالشأن الفلسطيني، أكثر مما تقدم حلولاً لمعالجة الشأن الفلسطيني وتفعيل قواه داخل إطار الشرعية الوطنية، ما يجعل من إمكانية إعادة تشكيل خريطة الشرق الأوسط الجديد بدون حل للقضية الفلسطينية، أمراً ممكن التحقيق، وهذا ما يصبو إليه الكيان الصهيوني.