عشية الذكرى ال44 لرحيل القائد محمد محمود الأسود/ جيفارا غزة، عضو المكتب السياسي للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين الموافق ال9/3/1973، رحل يوم الإثنين اول امس شهيدان من رفاقه، أحدهما من ذات المخيم (الشاطىء)، الذي عاش وترعرع به الأسود، وكان على تماس مع تجربته قبل إستشهاده، وهو القائد الجبهاوي أحمد طالب، الذي وافاه الأجل في غزة منطقة التوام. والقائد المثقف باسل محمود الأعرج، الذي إستشهد وهو يقاتل القوات الإسرائيلية، التي جاءت لتعتقله من البيت، الذي كان يقيم فيه بمدينة البيرة/ مخيم قدورة. وكأن الصدفة الضرورة شاءت إحياء ذكرى جيفارا غزة بما يليق بها، التي جسدها الشهيد باسل ابن الولجة بدفاعه البطولي عن رؤيته الفكرية السياسية، ورفضه الإستسلام لمشيئة الجلاد والقاتل الإسرائيلي.
المناضل المثقف باسل آمن منذ بداية مشواره الكفاحي بمقاومة المحتل الإسرائيلي بكل الوسائل وأشكال النضال. فاولا عمق تجربته الوطنية بالتسلح بالعلم والمعرفة، فلم يكتف بالحصول على درجة جامعية في علم الصيدلة، انما صقل ذلك العلم بالإبحار في التاريخ الوطني، وتاريخ الصراع مع المشروع الكولونيالي الصهيوني؛ ثانيا عكس ذلك في إنتاج برنامج ثقافي سياسي، أطلق عليه "باص 47"؛ ثالثا إشتقاق اشكال متميزة من المقاومة. كما يقول معايشوه وأصدقائه، عندما إصطدم في إحدى المرات بحاجز إسرائيلي امام مستعمرة "معاليه أدوميم"، قام وعلى بعد مسافة قريبة وأقام حاجزا أعاق من خلاله حركة مرور المستعمرين الصهاينة. كنوع من المقاومة لمنطق وخيار دولة التطهير العرقي الإسرائيلية؛ رابعا كان باسل يقاوم عبر خياره الوحدوي. وحرص على التصالح مع رؤيته ومع اقرانه من فصائل العمل الوطني. أضف إلى انه كان يعتقد، ان سلطات الإحتلال الإسرائيلية لن تتركه يواصل مشوار الحياة، لإنه نموذجاً مختلفاً، لذا كتب وصيته، وقال، "إن كنت تقرأ هذا (الوصية) فهذا يعني أني قد مت، وقد صعدت الروح إلى خالقها، وأدعو الله ان الآقيه بقلب سليم مقبل غير مدبر بإخلاص بلا ذرة رياء."
تجربة شهيد الوطن، تجربة غنية مع انه إستشهد عن عمر 31 عاما. لكن سباحته في بحر المعرفة عمق مكانته ودوره الريادي بين رفاقه ومعارفه من ابناء شعبه ومجايليه. لا بل من كل الأجيال، لاسيما وانه كان يعتبر نفسه جسرا للتواصل بين الأجيال المختلفة، كما يقول عمه ابو محمد الثمانيني. ولخص تجربته بمقولة هامة، وذات دلالة سياسية ومعرفية، عندما كتب يقول "ثقافة المقاومة لا تموت." وهو هنا شاء التأكيد على انه طالما هناك إحتلال إسرائيلي جاثم على الأرض الفلسطينية العربية، لا يمكن للمقاومة ان تهدأ او تموت. وسيبقى الشعب وقواه الحية من مختلف المشارب والإتجاهات تشتق اشكال واساليب مقاومتها. لإن الإحتلال مطلق إحتلال إستعماري لا يخرج من طوع ذاته، بل تحت ضغط وفعل المقاومة بكل مسمياتها وصنوفها، وهنا تتضاعف اهمية المقولة في مواجهة إسرائيل المارقة والخارجة على القانون، لإنها تعمل على تصفية القضية الفلسطينية، وتبديد الهوية الوطنية.
كان الشهيد باسل إنسانا متواضعا محبا للناس، ونصيرا للفقراء والمسحوقين، حتى انه كان، وهو يعمل صيدليا لا يحصل على كامل راتبه الشهري، لإنه كان يساعد الفقراء والمحتاجين عبر منحهم الأدوية باسعار مخفضة جدا او مجانا وفق تقديره للشخص، الذي يمر بالصيدلية لشراء الدواء. مما إضطره ذلك لاحقا لترك عمله، والعودة لتجربة الثقافة والمعرفة ودراسة التاريخ ومقارعة المحتل الإسرائيلي بإدواته النضالية. ونتيجة لذلك طورد الشهيد باسل من قبل قوات واجهزة الأمن الإسرائيلية إلى ان إكتشفوا مكان إقامته، وداهموه، لكنه لم يسلم ولم يرفع الراية امام القتلة الإسرائيليين، وقاوم حتى إستشهد، وإلتقى مع الخالق مقبلاٍ غير مدبر، بطلا شجاعا وفيا لمبادئه وقناعاته الوطنية. رحم الله الشهيد البطل باسل ورفاقه أحمد طالب وقبلهما الشهيد القائد جيفارا غزة وكل شهداء الشعب والوطن والقضية. وستبقى وحدوية الشهداء الثلاثة، وحرصهم على عدم الخلط بين الكل الوطني وفي مقدمتهم القيادة الشرعية وبين دولة العدوان والإحتلال الإسرائيلي وحلفائهم من كل المسميات. ورفضهم رفضا قاطعا لمنطق المتصيدين في الماء العكر. وستبقى راية ثقافة المقاومة عالية دوما حتى يتم كنس الإحتلال مرة وإلى الأبد من فلسطين.