ثمة حاجة للانتظار بعض الوقت لنرى هوية وشكل ومضمون لبنان الذي يدخل بلا شك مرحلة جديدة في تاريخه، الحاجة للانتظار تعود إلى أن هذا البلد الصغير والجميل عاش عقودًا من الانقسام العميق، والفساد، وتآكل مؤسسات الدولة ووجود ميليشيات مسلحة خارج سلاح الدولة، ولكن الشعب الفلسطيني الذي يحب لبنان وشعبه، يرغب ويتمنى أن يراه موحدًا وحرًا ومستقلاً وسيد نفسه على أرضه، لأن استقرار لبنان وازدهاره هو مصلحة فلسطينية. والشعب الفلسطيني يقف على نفس المسافة من مكونات لبنان الطائفية والمذهبية، لكنه منحاز إلى الهوية الوطنية اللبنانية، باعتبارها هوية جامعة وهي ضمان الوحدة.

في فلسطين نتعاطف، نتضامن ونقف إلى جانب لبنان ونرفض التدخل في شؤونه الداخلية، ونرى أن اللاجئين الفلسطينيين هم ضيوف في لبنان، ونريد أن يكون دور المخيمات إيجابيًا، وأن تخضع للسيادة اللبنانية بشكل كامل، ولكن كما قال الرئيس جوزاف عون في خطاب القسم يجب أن يتم ذلك مع حفظ كرامة أبناء الشعب الفلسطيني، وتحسين ظروفهم المعيشية بما يشعرهم أنهم يحظون بمحبة واحترام أشقائهم اللبنانيين حتى تحين لحظة عودتهم إلى وطنهم، بمعنى أن اللاجئين الفلسطينيين في لبنان ليسوا بحاجة لوجود السلاح في مخيماتهم بما أن الدولة اللبنانية هي الوحيدة التي تحتكر السلاح.

لبنان الجديد الذي نتوقعه أن يكون عادلاً شفافًا يؤمن بالمساواة وحقوق الإنسان وحكم القانون، بعيدًا عن المحاصصة الطائفية، يعيش في حالة شراكة يشعر فيه الجميع بالمواطنة الحقيقية وينالوا نفس الفرص.

ما نعتقده في فلسطين أن لبنان سيكون أكثر عونًا للشعب الفلسطيني وقضيته المعادلة، وأن الشعب اللبناني سيجد الطرق لدعم فلسطين سياسيًا ودبلوماسيًا وقانونيًا.

من دون شك أن مهمة الرئيس اللبناني الجديد صعبة، وأنه بالفعل سيكون بحاجة إلى حكومة قوية إلى جانبه تشاركه القناعة بالبرنامج الذي طرحها في خطاب التنصيب، وهذا الأمر قد لا يحدث بالشكل المطلوب إلا بعد إجراء الانتخابات التشريعية القادمة. ولكن هناك ظرف دولي وإقليمي مواتٍ، خصوصًا بعد سقوط النظام السوري الذي كان متسلطًا على لبنان، ومع تراجع المشروع الإيراني، ووجود رغبة عربية لمساعدة لبنان.

التجارب السابقة علمتنا، أن الطبقة السياسية في لبنان قادرة على عبور المراحل الصعبة بمهارة نادرة، من هنا قد لا يكون التغيير في لبنان سريعًا. ومع ذلك فإن ما جرى يمكن اعتباره الخطوة الأولى في مسيرة الألف ميل، وهي خطوة تاريخية بكل المعايير.

لقد قامت القيادة الفلسطينية ومنذ وقت بعيد بمراجعة جديدة لتجربة الثورة الفلسطينية في لبنان، بما فيها من إيجابيات وسلبيات، وتم الاستنتاج أن تلك التجربة هي بنت مرحلتها التاريخية الصعبة، وأن فلسطين ستبقى دائمًا مع الشعب اللبناني والدولة اللبنانية المستقلة، والتي تمارس سيادتها على كل أراضيها. لقد تم فتح صفحة جديدة في العلاقات الفلسطينية اللبنانية أساسها أن كل اللبنانيين بلا استثناء هم أشقاء، لا نميز بينهم.

وكما يأمل اللبنانيون ويتوقعون بأن يروا لبنان مستقبلاً أفضل، يشارك  الفلسطينيون إخوتهم اللبنانيين الأمل والأمنيات نفسها. وأن لبنان المعافى المستقل فيه خير لفلسطين أيضًا، لبنان المؤمن بهويته الوطنية وروايته الوطنية الجامعة.