لا يوجد احد في الكون يقبل ويقر بقانون تبييض البؤر الاستعمارية، لأنه يتناقض مع القانون الدولي ومرجعيات عملية التسوية السياسية. وكونه يمثل الضربة القاضية لخيار حل الدولتين على حدود الرابع من حزيران عام 1967، باستثناء من صوَّت لصالحه من الائتلاف اليميني المتطرف الإسرائيلي والإدارة الأميركية الجديدة، التي رفضت إعلان موقف من القانون الجريمة. ولكن المتتبع لردود الفعل العالمية، لمس بشكل واضح ان العالم بقضه وقضيضه ضد القانون الاستعماري، لما يحمله من أخطار على السلام ومستقبل المنطقة برمتها وفي طليعتها دولة التطهير العرقي الإسرائيلية. وهو ما عبرت عنه وزارة الخارجية الألمانية ببيانها، الذي أكدت فيه، أنها "فقدت ثقتها بإسرائيل". وذات الشيء تضمنه تصريح موغريني، وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي، التي قالت: "ان هذا القانون يتجاوز حافة جديدة وخطيرة، كونه يسمح بمصادرة الأراضي الفلسطينية في أرض محتلة". وأضافت " إذا تم تطبيق القانون، فإنه سيرسخ بشكل أكبر واقع الدولة الواحدة، دون أن تمنح الحقوق المتساوية لكل المواطنين، وسيرسخ الإحتلال والصراع الأبدي."

وكان الرئيس الفرنسي اولاند أكد رفض القانون في المؤتمر الصحفي المشترك مع الرئيس عباس يوم الثلاثاء الماضي، وطالب إسرائيل بوقفه فورا، لأنه يقضي على خيار الدولتين. ورئيس وزراء بلجيكا أكد لنتنياهو أثناء لقائه في إسرائيل الثلاثاء على ذات الموقف، وبريطانيا (حليفة إسرائيل) أيضا اعلنت في بيان واضح عن رفضها للقانون. ودول اوروبا المختلفة الحليفة لإسرائيل تبنت موقفا متناقضا من القانون الإاستعماري الجديد. ولهذا أجلت المفوضية الأوروبية مؤتمرا كان يفترض ان يعقد بين أوروبا وإسرائيل في الثامن والعشرين من شباط/ فبراير الحالي. لإن العديد من الدول الأوروبية تحفظت على عقد المؤتمر، وهي: فرنسا، السويد، إيرلندا، فنلندا، كون المؤتمر لا يتم إلا بالتوافق الأوروبي الكامل. ويعتبر عدم تحديد موعداً جديداً لعقد المؤتمر تعويما للأمر بهدف الهروب من اللقاء بين دول الإتحاد وإسرائيل في اللحظة، التي تتغول في السياسات الاستعمارية في اراضي دولة فلسطين المحتلة عام 1967، ولتترك لنفسها (اوروبا) الوقت المناسب لتقرر فيه زمن انعقاده لاحقا في حال تراجعت حكومة نتنياهو عن قانون تبييض البؤر الاستعمارية وسرقة وأسرلة الأرض الفلسطينية العربية المحتلة عام 1967.

غير أنَّ تأجيل المؤتمر ليس الرد المناسب على جريمة الحرب الإسرائيلية الجديدة (القانون)، لإأن هذا الأمر مؤقت، وقابل للتعديل والتغيير في اي لحظة. وبالتالي ليكون الرد الأوروبي مناسبا ومنسجما مع موقفها الداعم لخيار حل الدولتين على حدود الرابع من حزيران عام 1967، فإن الدول الأوروبية مجتمعة ومنفردة عليها الإعتراف بالدولة الفلسطينية بشكل واضح وصريح. تأكيدا لخيارها. دون هذا الاعتراف ستبقى مواقف الدول الأوروبية غير ذات قيمة. ولا تعكس حقيقة تبنيها لخيار حل الدولتين. وعمليا مواصلة الإعلان عن حل الدولتين، ليس أكثر من ملهاة للقيادة والشعب الفلسطيني، وشكلاً من اشكال ذر الرماد في العيون.

لذا الحد الأدنى المطلوب الآن من دول الاتحاد الأوروبي، هو الاعتراف المباشر بالدولة الفلسطينية، لاسيما أن برلماناتها جميعها اعترفت بالدولة الفلسطينية بما في ذلك مجلس العموم البريطاني. إذاً لماذا التأجيل والمماطلة في هذا الأمر؟! وهل مازالت الإداراة الأميركية في زمن ترامب تقرر لدول الإتحاد سقف سياساتها، وهي القادمة لتحارب الاتحاد الأوروبي، وتعمل على تفكيكيه، والسعي لإفلاس دوله؟ آن الأوان لأوروبا كلها الاعتراف بالدولة الفلسطينية، لتنسجم مع سياساتها المعلنة، ولتكفّر عن اخطائها التاريخية، ولتصون السلام الإقليمي والعالمي، وتحول دون تغول العنصرية والفاشية الإسرائيلية.