ساعات ويتحدد الرئيس الأمريكي الجديد في البيت الأبيض، والخيار بات محصوراً بين السيدة هيلاري كلينتون التي قد تصبح أول إمرأة تحكم أمريكا، وهي ذات خبرة سياسية وقانونية من خلال تجربتها العملية، أو السيد ترامب رجل الأعمال والعقارات، والذي يتسم بالجهل بشئون السياسة، وبالتهور في معاداة الخصوم.
لقد مثل الرئيس أوباما حقبة من السياسة الأمريكية الباهتة، في عدم حسمه في كثير من القضايا، والتراخي في مواجهة القوى الدولية المنافسة، خصوصاً مع كل من روسيا والصين، وأخيراً وليس آخراً مع إيران وتمددها في المنطقة العربية، كما مع الكيان الصهيوني وغطرسة اليمين الصهيوني الذي تحدى أوباما في عقر أمريكا حين رتب زيارة لرئيس وزراء الكيان الصهيوني نتنياهو للتحدث أمام الكونغرس، لتحريضه ضد الإتفاق النووي الإيراني، كما أن تعاطي الإدارة الأمريكية مع كثير من الأزمات الدولية قد إتسم بالتردد والضعف أحياناً في عهد الرئيس أوباما، لدرجة يصف البعض بأن عهده كان أضعف عهد لرئيس يمر على الولايات المتحدة، فعلى مستوى الصراع العربي الإسرائيلي والقضية الفلسطينية، رغم وعوده الجميلة في بداية عهده بفرض حل الدولتين ووقف الإستيطان، إلا أنه لم يستطع أن يفعل شيئاً، متذرعاً بالتطرف الإسرائيلي من جهة، والإنشغال في قضايا الربيع العربي (الحريق العربي) من ليبيا إلى العراق إلى سوريا إلى اليمن من جهة أخرى.
غداً يحسم الناخب الأمريكي من سيكون رئيسه، ومن يكون ساكن البيت الأبيض لمدة أربع سنوات، وإن قيل أن ((الفجل خَيّ اللفت)) إلا أن تأثير ذلك لن يقتصر على المواطن الأمريكي، والسياسة الأمريكية الداخلية، وإنما يمتد تأثيره ليطال السياسة الخارجية وبقية الدول، خصوصاً في منطقتنا العربية، سواء نجح ترامب أم هيلاري، فإن عودة السياسة الأمريكية إلى سابق عهدها كقوة دولية وحيدة متنفذة في الشرق الأوسط وفي العالم قد ولى إلى غير رجعة، أمام الوجود الروسي المباشر في سوريا والمنطقة، والعلاقات المتجددة والمتطورة له إقتصادياً وعسكرياً مع دول المنطقة من الكيان الصهيوني إلى تركيا إلى إيران إلى دول الخليج العربي، والصين هي الأخرى باتت منافس قوي للولايات المتحدة ليس إقتصادياً فقط وإنما سياسياً أيضاً في منطقة الشرق الأوسط والعديد من مناطق العالم في آسيا وإفريقيا، وباتت أوروبا أكثر تأثراً من أي وقت مضى إقتصادياً وأمنياً بسبب تراجع مكانة الولايات المتحدة وتردد سياساتها في مكافحة الإرهاب، وإطفاء بؤر الحريق العربي، وإطالة أمد الصراع الفلسطيني الإسرائيلي دون حل ناجز، في وقت كان من الممكن للسياسة الأمريكية أن تتلافى مثل هذا التردد وما نتج عنه من فراغ إستراتيجي، والذي شجع على إنتشار عدم الإستقرار وتفجر بؤر صراع متعددة يتطاير شررها ليصل إلى أوروبا وغيرها من مناطق العالم، وإن الخيارات الخاطئة للولايات المتحدة في مواجهة الإرهاب الإسلامي، بالإعتماد على قوى ((الإسلام السياسي)) وإضعاف النظم العربية التقليدية التي كانت على مدى عقود حليفة مخلصة للولايات المتحدة، قد أثبت الواقع فشل هذه السياسات الأمريكية بل زاد الطين بلة، ووضع أمريكا موضع المتهم الأول في إحداث هذا الحريق الذي بات يلتهم المنطقة ويهدد أمنها وإستقرارها وأمن وإستقرار العالم. 
فأيٍ كان الرئيس، السيدة هيلاري أم السيد ترامب، لن يستطيع إستعادة الهيبة والمكانة المفقودة والمتراجعة للولايات المتحدة شرق أوسطياً وعالمياً، وما سيترتب على ذلك من إستمرار لهذه الأزمات السياسية والإقتصادية والعسكرية التي تعصف بالمنطقة، لأن ما ستتمخض عنه الإنتخابات الأمريكية، غداً لن ينتج عنه رئيس عظيم قادر على فرض الحلول والسياسات القادرة على العودة بأمريكا وهيبتها ونفوذها إلى سابق عهدها، وبالتالي لابد للولايات المتحدة من إنتهاج سياسة الشراكة الدولية مع القوى الأخرى، والتفهم الأكثر وعياً لمصالح الشعوب بالمنطقة، حتى يعود التوازن والإستقرار إليها وللعلاقات الدولية، ويجري إطفاء الحرائق المشتعلة، والتوقف عن نشر سياسة الحريق التي لا تؤدي بالربح لأي طرف من أطرافه، بل هي الخسارة الكلية للجميع.