في جنون البحث الصهيوني عن أثر ما في عموم ارض فلسطين التاريخية وخاصة تحت او حول المسجد الاقصى في القدس العاصمة الأبدية للشعب الفلسطيني لإيهام الذات والعالم بوجود صلة ما بين اليهود واليهودية وفلسطين، تعهد رئيس الوزراء الاسرائيلي، نتنياهو بالمشاركة الشخصية في نقل الغبار من اسفل المسجد الاقصى خلال هذا الاسبوع. ودعا الاسرائيليين الى المشاركة بالحفر بالفؤوس والطواري لايجاد رابط ما بين اليهودية وفلسطين، وذلك ردا على قرار منظمة اليونيسكو الصادر في ال13 من إكتوبر الحالي، الذي نفى وجود اي صلة بين اليهود والمسجد الاقصى وحائط البراق.
هذا الهوس الاسرائيلي الاستعماري بالبحث عن مجرد أثر، أي أثر مهما كان صغيرا لتأكيد إدعائهم المفضوح والكاذب بوجود رابط بينهم وبين فلسطين العربية، وللخروج من المأزق التاريخي للرواية الصهيونية، التي بنوا عليها ركائز مشروعهم الكولونيالي الاجلائي والاحلالي. لا سيما وان كل إنتهاكاتهم الاجرامية، التي إستباحت ما فوق وتحت الارض الفلسطينية وحقوق ومصالح ابناء الشعب الفلسطيني اولا تتناقض مع حقائق التاريخ والحضارة والحقوق الوطنية الفلسطينية؛ وثانيا مع إتفاقيات جنيف الاربعة، وتحديدا الاتفاقية الاولى 1949، التي تمنع الدول الاستعمارية من تغيير معالم المدن او نقل السكان من مكان لمكان.
رغم ان زعيم الائتلاف اليميني المتطرف الحاكم في إسرائيل يعلم علم اليقين، ان علماء الاثار الاسرائيليون على مدار السبعين عاما الماضية من نكبة الشعب الفلسطيني وقيام الدولة الاسرائيلية الاستعمارية فشلوا فشلا ذريعا في إيجاد اي أثر. غير انه يُّصر إصرارا على تدمير المسجد الاقصى ومحيطه بحثا عن ألأثر الموهوم. خاصة وان المشروع الصهيوني دخل مرحلته الثانية بالسيطرة الكلية على فلسطين التاريخية مع ما يتطلبه ذلك من عملية ترانسفير للفلسطينيين، وتصفية كلية للتسوية السياسية وإغلاق الباب على حل الدولتين على حدود الرابع من حزيران عام 1967، لاسيما وان الحريديم وحاخامات الافتراء على الحقيقة والتاريخ، يعتبرون الضفة الفلسطينية بما فيها القدس، هي "موطىء" قدم اليهودية.
وبالعودة إلى الباحثين الاسرائيليين في ميدان الاثار لفضح الرواية الصهيونية، يمكن الاستشهاد بما دونه البرفيسور زئيف هرتسوغ، استاذ قسم الاثار وحضارة الشرق القديم في جامعة تل ابيب في تقريره المنشور في جريدة "هآرتس" نوفمبر 1999، وجاء فيه:"بعد سبعين عاما من الحفريات المكثفة في ارض فلسطين توصل علماء الآثار إلى نتيجة مخيفة، لم يكن هناك شيء على الاطلاق، حكايات الأباء مجرد أساطير، لم نهبط مصر، ولم نصعد من هناك، لم نحتل فلسطين، ولا ذكر لإمبراطورية داود وسليمان". وكان البرفيسور كيث ويتلام، استاذ العلوم في قسم الدراسات اللاهوتية بجامعة سترلنغ البريطانية، أكد بعد البحث المستفيض في المراجع التاريخية والدينية اللاهوتية، التي إرتبطت بفلسطين وتاريخها القديم، "ان هناك عمليات طمس متعمدة عن سابق تصميم وإصرار من قبل الحركة الصهيونية للعديد من الآثار والاكتشافات الأثرية في فلسطين، والعمل على تفسيرها بطريقة مغلوطة ومتناقضة مع دلالاتها التاريخية".وخلص الى الاتي في كتابه "تلفيق إسرائيل التوراتية طمس للتاريخ الفلسطيني" :" أن صورة ماضي إسرائيل، كما وردت في معظم فصول الكتاب العبري، ليست إلآ قصة خيالية، أي تلفيق للتاريخ". فضلا عما قاله عالم الآثارالبرفيسور فنكلشتاين بهذا الشأن "بأن المصدر التوراتي، الذي تّحكم بالبحث في جذور إسرائيل، لم يعد ذا قيمة، وتراجعت مكانته واهميته، لانه لم يعد (ولم يكن يوما) من المصادر الرئيسية المباشرة للبحث عن أية آثار." واضاف "بان اسفار التوراة (المزورة والمفبركة أصلا) التي دونت بعد وقت طويل من التطورات، التي تعالجها وتتلازم مع روايتها، تحمل طابعا لاهوتيا منحازا، لا يمت للحقائق التاريخية بصلة." ولا يريد المرء ان يذكر بما قاله البرفيسور شلومو ساند، عن إختراع الشعب اليهودي، ولا ما جاء في كتابات المؤرخ العراقي فاضل الربيعي ولا الدكتور كمال الصليبي ولا غيرهم من المهتمين بالاثار وتاريخ الارض الفلسطينية العربية، الذين نفوا بالوقائع وجود اي صلة لليهود بفلسطين العربية.
إذا على رئيس الوزراء الاسرائيلي، نتنياهو ان يكف عن إحتلاله وإرتكاب المزيد من جرائم الحرب، والعودة إلى جادة السلام وخيار حل الدولتين على حدود الرابع من حزيران عام 1967، والعمل على تأمين عودة اللاجئين الفلسطينيين لديارهم، التي طردوا منها عام النكبة 1948. لان هذا افضل خيار لبناء ركائز سلام مقبول، ويضمن التعايش بين جميع الشعوب والدول. أما ركوب الرأس الاستعماري فلن يأت بأي نتائج ايجابية، لإنك ودولتك المارقة إسرائيل ستكونوا الثمن البخس في المستقبل.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها