منذ استباح الاحتلال الإسرائيلي أرض فلسطين وفرض سيطرته عليها بجبروت السلاح، أدرك أن الشعب الفلسطيني عاشق للحياة والبناء، وأن قوته تكمن في صموده وتمسكه بوطنه، خاصة عبر أجياله القادمة. فكان استهداف الطفولة الفلسطينية جزءًا أساسيًا من استراتيجيات الاحتلال، ليس فقط للقضاء على الحاضر، بل لطمس المستقبل وإعادة تشكيل المشهد الديمغرافي في الأرض المحتلة.

لقد اختار الاحتلال الأطفال والنساء أهدافًا رئيسية لجرائمه، وذلك لأنه يعلم أن الطفل الفلسطيني ليس مجرد فرد أو رقم، بل رمزًا للوطن واستمرارية للحياة.

عمليات القتل والتشريد المتعمدة، التي تلاحقت عبر العقود، لم تكن إلا محاولة لدفع الفلسطيني إلى مغادرة أرضه خوفًا على أطفاله وأسرته. ومع ذلك، فإن الفلسطيني أثبت تمسكه بجذوره، وصمد في وجه هذه السياسات الوحشية، رغم الثمن الباهظ الذي يدفعه يوميًا من أرواح أبنائه ودمائهم.

يعرف الاحتلال جيدًا أن الطفل الفلسطيني هو الحاضر والمستقبل، وهو التجسيد الحي للوطن. لذلك، تتواصل الجرائم الممنهجة ضد الطفولة الفلسطينية بلا هوادة.

أرقام القتل والتهجير تروي فصولاً مأساوية من حياة الفلسطينيين؛ ففي عام واحد فقط، قتلت إسرائيل ما يقارب 20 ألف طفل بطرق وحشية، وحوّلت أكثر من 25 ألف طفل إلى أيتام عبر استهداف آباءهم وأمهاتهم. لم تكتفِ بذلك، بل حرمت أكثر من 640 ألف طفل من حقهم في التعليم، وسلبت أحلامهم وأبسط حقوقهم الأساسية.

في قطاع غزة والضفة الغربية والقدس، يعيش أكثر من مليوني طفل تحت وطأة الحصار والانتهاكات المتواصلة التي يتعرض لها الطفل في فلسطين من قتل واعتقال وتعذيب وحرمان من أبسط الحقوق الأساسية التي كفلها القانون الدولي.

غطرسة الاحتلال جعلت الطفولة الفلسطينية أسيرة الخوف والجوع والحرمان، في ظل صمت عالمي مطبق لم نجد لها تفسيرًا سوى العجز أو التواطؤ.

جرائم الإبادة الجماعية وجرائم الحرب التي يرتكبها الاحتلال ضد الفلسطينيين، تخالف كل الأعراف والمواثيق الدولية التي وُضعت بعد الحرب العالمية الثانية لضمان حماية المدنيين. ومع ذلك، يواصل العالم تجاهل هذه الانتهاكات الصارخة.

الاحتلال يدرك جيدًا أنه باستهداف الأطفال، يضرب أعمق جذور المجتمع الفلسطيني، ويهدد استمرار وجوده. لكن ما يجهله الاحتلال، أن الطفل الفلسطيني الذي قتله بآلته العسكرية سيظل حيًا في وجدان الوطن. فكل طفل يرتقي شهيدًا يُولد من جديد في ذاكرة الأجيال القادمة، حافزًا على المقاومة بكافة أشكالها ومواصلة الكفاح من أجل الحرية.

أطفال فلسطين ليسوا أرقامًا في قوائم القتل والاعتداءات، بل هم قصص حياة لا تنطفئ، ووعود للمستقبل لا تُمحى. مهما فعل الاحتلال، سيظل الطفل الفلسطيني شاهدًا على جرائمه، ورمزًا للأمل والتجدد، لأن وطنًا يحتضن أطفاله، لا يموت أبدًا.