خاص مجلة القدس العدد 330 ايلول 2016
بقلم: احمد النداف
من الطبيعي ان تتناول الجمعية العامة للأمم المتحدة التي عقدت دورتها ال71 في العاصمة الأميركية نيويورك، الوضع الميداني في سوريا وتفاصيل الحرب الدائرة فيه بكل شراستها ومأساويتها، لما تحمله من مآس وفظائع ترتكب بحق الشعب السوري الذي يعاني من اكثر من خمس سنوات على التوالي من نتائج هذه الحرب المدمرة من تشريد وتهجير طاولت بذيولها معظم الدول القريبة والبعيدة وخصوصاً الأوروبية التي تأتي في المرتبة الثانية بعد جيران سوريا الجغرافية وعلى رأسها لبنان والأردن والعراق وكذلك تركيا باعتبار هذه الدول هي بلدان الطوق الأقرب.
ومن الطبيعي ان يكون هذا الوضع مادة دسمة ورئيسة التي تخللتعا معظم الكلمات التي ألقيت على لسان زعماء العالم، والتي انقسمت ما بين مؤيدة للنظام السوري وجيشه وحلفائه، وما بين معادية له ومفيدة لقوى المعارضة دون ان تفرق ما بين الإرهابية او المعتدلة . حتى تلك الدول التي لا تعتبر نفسها معنية بهذة القضية لا من قريب ولا بعيد بسبب بعدها الجغرافي اولا" وعدم تأثرها المباشر ثانيا إلا أنها اي هذه الدول تحدثت لتسجل موقفا سياسيا مؤيدا لحليفها او معارضا لخصمه.
لكن الجديد في هذه القمة انها جاءت عقب الاعلان عن اتفاق أميركي - روسي حول سوريا، الذي أثار بدوره ومنذ اللحظة الأولى لإعلان ولادته عاصفة من المواقف المتناقضة ما بين مؤيد ومعارض، وبالتالي أثارنوعا من التحفظ لدى هؤلاء ،وعند حلفاء الطرفين . فماذا كتب الاتفاق؟.
الاتفاق الروسي - الاميركي
وعلى الرغم من بقاء هذا الاتفاق الذي أبرم في التاسع من أيلول حتى اللحظة سريا" وغير معلن بسبب وكما يقال (لحاجة في نفس يعقوب) وهما طرفيه، إلا ان بعض وسائل الإعلام نشرت ما وصفته الناطقة بلسان وزارة الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا، بان ماقيل عن الاتفاق الاميركي - الروسي هو ورقة من اصل خمس اوراق وقعت في العاصمة السويسرية جنيف. دون ان تنفي ماجاء في الوسائل الإعلامية.
وأبرز ماجاء في هذا الاتفاق او الأوراق التي وصفتها الناطقة الروسية التي كانت الوحيدة التي تحدثت عنه بهذا الوضوح والدقة والتوصيف. بأن الولايات المتحدة الأميركية وروسيا الاتحادية تعتزمان القيام (بجهود مشتركة ) من اجل استقرار الوضع في سوريا، مع وجود بنود خاصة بمدينة حلب وجبهتها مع ريفها، والتي شهدت اولى ثمار هذا الاتفاق غير المكتملة ان لجهة التوافق على وقف اطلاق النار على مشارف وبمناسبة عيد الاضحى المبارك وهو اتفاق صمد في بعض المحاور واخترق في الكثير منها ولمرات عديدة، وهي حالة شجعت كثير من الاطراف للطلب على تطويره وتعميمه وتمديد فترته الزمنية على غرار ما طالب به المبعوث الشخصي للامين العام للامم المتحدة ستيفان دي ميستورا، الذي تشجع للطلب بقطف ثمرة ثانية من خلال السماح بادخال قوافل الاغاثة الانسانية التي لم يسمح لها بالوصول الى غايتها المنشودة وايصالها الى (المحاصرين) بعدما قصفت واحرقت مما زاد من حدة مأساوية الحرب السورية الدائرة، التي زاد من حدتها تبادل مختلف الاطراف التهم حول المسؤولية عن هذه الحادثة، دون ان يظهر او يكشف النقاب عن الفاعل الحقيقي، والتي يبدو انه لن يظهر لا الان ولا لاحقا، على الاقل خلال المرحلة المقبلة المنظورة خصوصا في ظل التفاهم الروسي - الاميركي، لتبقى هذه الحادثة من احد اسرار الحرب من دون غريم.
وكذلك لحظ الاتفاق التوافق على تحديد الاراضي التي تسيطر عليها داعش وجبهة النصرة، وتلك التي تسيطر عليها المعارضة المعتدلة، وهو امر اعتبر اولوية رئيسة في محاولة فصل قوات المعارضة المعتدلة عن سواها من الفصائل المقاتلة الارهابية، والتي كان من ثمارها ايضا البند الذي تم الاتفاق على اجرائه على الفور والمتعلق بسحب جميع الاطراف عن طريق الكاستيلو الاستراتيجي الذي يوصل مدينة حلب ويفصلها عن ريفها ومحيطها واعتبار هذه المنطقة اولى تجارب المناطق المنزوعة من السلاح والتي يمكن ان تتطور فيما بعد الى وضعها منطقة محرمة على طرفي الصراع والمنع من الاشتباك فيها مجددا مع تعهد المعارضة بوقف تسلل المسلحين الى باقي المناطق كما يحظر عليها اي المعارضة (احتلال) المناطق التي ينسحب او سيخليها النظام وقواته، مع احتفاظ الطرفين بحق نشر مراكز مراقبة تابعة له في هذه المنطقة. كما نص الاتفاق على عدم قيام الطيران السوري الحربي بنشاطات في المناطق التي توجه فيها الطائرات الروسية والأميركية ضربات لتنظيمي داعش وجبهة النصرة. وقد حملت احدى بنود الاتفاق شروط امكانية انسحاب احد الطرفين من هذا الاتفاق اذا اعتبر ان بنوده لم تنجز لسبب او لآخر، مع ملاحظة ان الطرف الروسي طالب ولاكثر من مرة وحتى على منبر الأمم المتحدة الطرف الآخر الموقع على الاتفاق بنشر بنوده وهو مارفضه الجانب الأميركي بحجة أن بقاءه سريا سيساعد على تطبيقه ويبدو أن هناك بندا يتعلق بعدم نشره إلا بموافقة الطرفين الموقعين عليه.
ونظرا إلى عدم التوافق على نشر بنود الاتفاق ادى في نهاية المطاف الى كثير من الاسئلة التي ابقت هذا الاتفاق فى دائرة التكهنات والتوقعات خصوصا وانه تضمن الكثير من التفاصيل، التي عادة يسكنها شيطان متأهب لافشال اي اتفاق او تفاهم، وهذه الملاحظة كانت السبب الرئيسي في اثارة تساؤلات لدى طرف يعتبر نفسه الاقوى مع حلفائه على الارض وهو الطرف الايراني الذي يعتبر نفسه ايضا شريكا للطرف الروسي الى جانب قوى واحزاب عربية لبنانية وعراقية مدعومة منه بشكل اساسي، الى جانب النظام السوري وجيشه الذي لم يعرف ما اذا كان علم بتفاصيل الاتفاق ام لا. خصوصا وان الايرانيين يعتبرون حتى الوجود والمشاركة الروسية ليست الا من باب الداعم لهذا المحور حتى في ظل ثبوت وجود قوات فعلية على الارض وتشارك بفعالية.
وهذا الامر توضح من خلال ما أعلنه المستشار العسكري للمرشد علي الخامنئي، الجنرال يحيى رحيم صفوي الذي قال فيه: (ان هناك اتفاقا روسيا اميركيا) يجري بشأن سوريا تحت الطاولة يتجاهل المصالح الإيرانية.
وأبدى المستشار خشية بلاده ان يخدع الاميركان الحلفاء الروس في هذا الاتفاق بما يحقق المصالح الاميركية ومحذرا في الوقت نفسه القيادة السياسية من ان يكونوا يقظين لكي لاتحصل ايران على حصة اقل من هذا الاتفاق الذي يجري بين موسكو وواشنطن كما قال، كما دعا قيادة بلاده الى عدم الركون الى الثقة التي لا معنى لها في عالم السياسة.
وهذه التصريحات لتي أطلقها المستشار الإيراني تزامنت مع بروز جدل سياسي داخلي إيراني حول ماهية، التحالف الإيراني - الروسي والذي ذهب فيه البعض إلى التخوف بأن الروس يعملون على أضعاف دور بلادهم في سوريا ويخشون من محاولاتهم في تحقيق مكاسب لروسيا التي تمسك بكل أوراق اللعبة هناك على حساب الخسائر الايرانية البشرية والمادية التي تتكبدها في سوريا مع حلفائها وحدهم.
خلاصة القول وبعض النظر عن ماقيل ويقال حول الاتفاق الاميركي - الروسي الذي وقعه كل من الوزير الروسي سيرغي لافروف والأميركي جون كيري، فإنه يبدو ان هذا الاتفاق لن يتعدى كونه محطة جديدة لقاء الطرفين اللدودين خصوصا وان هذا الاتفاق التفاهم سقط حتى الآن في الامتحان عبر ثلاثة عناوين رئيسة وهامة أولها عدم الاتفاق حتى اللحظة على تصنيف المعارضة المعتدلة وتفريقها عن المعارضة المسلحة الارهابية كداعش والنصرة، وثانيهما عدم تجرؤ كلا الطرفين عن كشف الجهة التي اقدمت على قصف وعن عمد قافلة المساعدات الانسانية واحراقها قبل وصولها الى وجهتها التي طالب فيها المبعوث الدولي دي ميستورا، بل على العكس ذهب كلا الطرفين الى تبادل الاتهامات وتوجيهها الى الطرف الحليف للاخر، ففي الوقت الذي اتهم فيه الطرف الاميركي قوات النظام بأنها الفاعلة، أصرت في الوقت نفسه القيادة الروسية على ان المعارضة دون تحديد هي من قامت بهذه العملية الخطيرة، وثالث هذه النقاط التي أسقطت الاتفاق في الامتحان ومنحته صفرا مكعبا هو قيام الطائرات الأميركية الحربية وفي ظل هذا الاتفاق بقصف مواقع تابعة للجيش السوري النظامي واوقعت فيه خسائر جسيمة في العديد والمعدات، وجل ما أقدمت عليه الإدارة الأميركية هو تعهدها باجراء تحقيق يبدو انه سينتظر طويلا للاعتراف وتحمل مسوؤليته ولا حتى الاعتذار حدوث خطأ قاتل مع العلم بأن طرفي الاتفاق روسيا وأميركا لديهما من الأجهزة والمعدات المتطورة والمتقدمة ليس لكشف الجهة التي تعمدت القصف في حالتي قافلة الغذاء والمساعدات الدولية لوحدها بل أيضا التنبه للضربات (الخاطئة) حتى قبل وقوعها ولفت نظر الطرف الاخر وليس تحذيره بل ايضا القدرة على أفعالها، خصوصا وان تقنيات المراقبة والرصد والمتابعة التي يملكها الطرفان تساعدهما على تلافي امكانيات الخطأ وتمييزها ان كانت مقصودة او غير مقصودة.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها