خاص مجلة "القدس" العدد 328 تموز 2016

من المؤلم أننا أصبحنا ننتظر من هو المخيم الفلسطيني من مخيمات سوريا، الذي يتصدر الأخبار، أو يتبوأ المرتبة الأولى  في تصنيف الأوضاع الصعبة شهرياً أو أسبوعياً وربما يومياً، في معركة الحسم المسماة منذ خمس سنوات، ولا حسم .
فبينما كان مخيم درعا في بداية الأزمة السورية تحت النيران ونال ما نال من تدمير وقتل، اكتمل انفراط العقد الذي جرى على باقي المخيمات والذي طال مخيمات الرمل والسبينة والحسينية  وخان دنون حتى وصل اليرموك وخان الشيح  والعائدين وحندرات والنيرب، رغم نسبية أثر الأوضاع الميدانية والعسكرية، التي تركت تلك المخيمات وسكانها تحت تداعيات حربٍ لم ترحم، ولم تُــبقِ على قدسية القضية الفلسطينية، حيث تم كسر أيقونتها بإجراءاتٍ غير مُـعلنة، وتم تقديمها أضحية على مذبح حريةٍ زائفة لم يتقن أصحابها اللعبة، لأنهم راهنوا على مجريات الربيع العربي المزعوم في دول البدء الربيعي تونس ومصر، ولم يراهنوا على ما يجب المراهنة عليه كشعوب لديها إراداتٍ معينة وأهدافٍ محددة، كما قدمت القضية الفلسطينية أيضاً أضحية على مذبح قوانين طوارئ لم يتعامل مع حقيقة الإجماع الفلسطيني على الحياد، بل حاسب على التصرفات الفردية المتورطة، وتم تعميم التداعيات على الكل الفلسطيني، فكان نصيب هؤلاء الفلسطينيين أن دفعوا ثمن هذه الحرب، من تفاصيل حياتهم التي ربوها عبر عشرات السنوات منذ نكبة فلسطين.
ولربما كان نصيب اللاجئين الفلسطينيين في سوريا والمخيمات كبيراً مما حصل، نتيجة التداخل الاجتماعي والجغرافي لكل المدن والمحافظات السورية وحتى الاقتصادي، مما أدى إلى تعميم الاتهامات والعقوبات عليهم من طرفي الصراع.
وما تزال المرحلة تشتد على اللاجئين الفلسطينيين في سوريا، حسب رجحان موازين القوى هناك، فتارةً تميل إلى النظام السوري مع ارتفاع وتيرة الدعم الروسي له، وتارةً تميل إلى المعارضة بسبب التدخل الأمريكي وحلفاء الولايات المتحدة الامريكية ودائرة الدول الغربية والاوروبية ، وتبقى سوريا تترنح تحت ضغوطات المصالح الدولية والإقليمية، والتقسيمات القادمة وفق مجريات اتفاقات دولية جديدة، ترسم المنطقة على قياس الدول الاستعمارية الجديدة ومنها اسرائيل مركز دائرة عمل هذه الدول، ولعل الأكيد هو تأثر لا بل الاستحكام بالقضية الفلسطينية أكثر مما مضى  تحت براثن المخططات الجديدة، ووصولها إلى أصعب مراحلها بسبب غياب البعد العربي والاسلامي، وإعادة تشكيل موازين القوى العربية على خارطة الوطن العربي، لحماية العروش العربية المتبقية بعد الربيع العربي المأزوم ، تلك الموازين المتوافقة مع المخططات الدولية ، والتي تزيد من بذل الجهود الفلسطينية من أجل مطالبة الدول العربية الكبرى للوقوف بشكل حازم إلى جانب فلسطين وشعبها، خاصة في المراحل المصيرية الحالية وفي ظل تمادي الاحتلال الإسرائيلي على الفلسطينيين والمقدسات الفلسطينية، ومحاولة توجيه المسارات الفلسطينية  نحو تحويل الصراع عبر بوتقات دينية، تساهم في تهيئة  دعم وإعلان  وتثبيت يهودية الدولة الاسرائيلية.
وبالعودة إلى لاجئي فلسطين في سوريا فإن استهداف أمنهم المتواصل يضعف بقاءهم في مناطقهم، ويحولهم إلى نازحين داخل الاراضي السورية عدة مرات، بسبب الحرب الدائرة، ويمنع عودتهم إلى مخيماتهم التي تحتاج إلى الإعمار.
وإن تداعيات معركة حلب الأخيرة، قد نالت من اللاجئين الفلسطينيين القاطنين مخيم النيرب خاصة بعد قصف المعارضة للمطار العسكري الملاصق للمخيم، وحدوث انفجارات ضخمة في معامل الدفاع السوري هناك والتى تبعد بضعة كيلو مترات عن المخيم، وإطلاق نيران من قبل المعارضة المسلحة، قد أدى إلى وقوع ضحايا وجرحى من الفلسطينيين، حيث بلغ عدد الضحايا منذ بدء الأزمة السورية والحرب هناك أكثر من 140 فلسطينياً  من النيرب في مدينة حلب.
كذلك تعرض المخيم الثاني لحلب، ومحيطه وهو مخيم حندرات لقصف صاروخي وجوي شديدين أثناء اندلاع اشتباكات بين الجيش السوري والموالين له من لواء القدس من جهة والمعارضة المسلحة من جهة أخرى، علماً أنه بالإمكان تصنيف  المخيم أنه شبه مدمر بنسبة 85% منذ بدء الأحداث هناك وهو خال من السكان تماماً.
ومن جهة أخرى يتعرض مخيم اليرموك إلى اشتباكات بالأسلحة الثقيلة والمتوسطة بين المعارضة المسلحة والمجموعات الموالية للحكومة السورية ومنها الدفاع الوطني في التضامن، وتركزت الاشتباكات بدءاً من منطقة المحكمة الملاصقة  لشارع الثلاثين وساحة الريجة  بامتداد عرضي الطول إلى شارع نسرين التابع للنظام السوري في التضامن مرورا بمنطقة البلدية وشارع فلسطين.
ولقد سببت الاشتباكات المسلحة  بين داعش والنصرة في مخيم اليرموك، وفي الآونة الأخيرة، تراجعاً لعناصر جبهة النصرة وتخلخل البنية الداخلية لها، حيث تمخضت عن انشقاق جديد تحت اسم حركة أبناء اليرموك واعلانها عن انسحابها قريباً إلى المناطق التي تسيطر عليها داعش في المخيم، بالتنسيق مع الأخيرة، إثر اغتيال ناشط فلسطيني يعمل في مجال الإغاثة وكان هذا السبب المباشر للانشقاق، رغم أن إعلان حركة أبناء اليرموك المنشقة في بيانها قد أوضح أن سبب الانشقاق هو رفضها الاتفاق الذي يتم
التفاوض عليه  بين النظام السوري والنصرة الذي يتركهم إلى مصير مجهول حسب البيان، والذي يقضي بتسليم السلاح والتوجه إلى منطقة إدلب شمالاً، وكذلك اتهامها لجبهة النصرة بأنها ستجبر المدنيين في اليرموك على حمل السلاح تحت التهديد بالقتل، بالإضافة إلى أسباب أخرى ذكرها البيان.
إذن هي دوامةٌ تغرق فيها المخيمات، مما يزيد الوضع سوءاً بسبب الظروف الدولية غير المؤاتية، إلا لدفع الشعب الفلسطيني لمزيدٍ من التنازلات والانقسامات والخسارات المتراكمة، ومرحلة اللاحل.
إن إقحام المخيمات الفلسطينية ديمغرافياً وجغرافياً في الحالة الميدانية العسكرية السورية، يرسم المرحلة القادمة  في لوحة قاتمة الأفق ، كون الحرب الدائرة هناك، لا تبقي ولا تذر من الحجر والبشر، وبالتالي صعوبة إعادة بناء البنية التحتية للمخيمات الفلسطينية في المرحلة الحالية، كون أرض المعركة ملاصقة للمخيمات في بعض الحالات، ومتداخلة في كثير من الأحيان في بعض المخيمات أو محيطها مثل مخيم اليرموك ودرعا والسبينة والحسينية وحندرات والنيرب وخان الشيح، بسبب تواجد عناصر المعارضة المسلحة أو قوات الجيش السوري أو الجهات الموالية له، وقد بلغ عدد الضحايا الفلسطينيين في سوريا حسب إحصاءات غير رسمية ولغاية حزيران 2016، قرابة 3300 ضحية  ممن بقوا على الأراضي السورية، منهم قرابة 210 طفل قضوا في هذه الحرب.
لذلك كان لابد من صمود القيادة الفلسطينية أمام كل التحديات والعراقيل الموضوعة أمام إعلان وإقامة الدولة الفلسطينية، والتي هي الحل المناسب للقضية الفلسطينية العادلة في هذه المرحلة، والتي تنهي مأساة الشعب الفلسطيني واللاجئين منهم، وتنهي انتهاكات كرامتهم على الحدود العربية والدولية .