خاص مجلة "القدس" العدد 328 تموز 2016
ايام قليلة يرفع الستار عن القمة العربية ال37 العادية لرؤساء وملوك وأمراء وقادة الأمة العربية، والتي يسدل الستار عنها من جديد بعد 24 ساعة لا أقل ولا أكثر في العاصمة الموريتانية نواكشوط وهي التي تستضيف مثل هذا الحدث لأول مرة في تاريخها، بعد اعتذار المملكة المغربية عن استضافتها وتنازلها عن هذا الحق لجارتها المتاخمة، التي فوجئت بهذا الاعتذار والطلب لتسارع إلى ترتيب نفسها لاستقبال هذا الحدث وهي التي لاتمتلك البنى التحتية الملائمة لا من حيث الفنادق المناسبة ولا القاعات التي يمكن ان تستقبل هذا الحشد من القادة والزعماء المضطرين لحضور الجلسة الافتتاحية والختامية والمبيت في العاصمة المغربية .
ولهذا تعتبر القمة بحد ذاتها ذات دلالات بالغة، ولها الكثير من المعاني والمؤشرات، خصوصاً في ظل الظروف الخطيرة والمعقدة التي تغطي معظم الدول العربية وان كانت تختلف من واحدة لأخرى من حيث تفاصيلها، وتأتي على رأس هذه الدول بطبيعة الحال العراق وسوريا واليمن وليبيا فيما تأتي جمهورية مصر والسودان والخليج عموما في المستوى الثاني، كما ينتظر باقي الدول المستوى الثالث من الأحداث المرتقبة لتغيرات لا زالت طي الكتمان.
وهذا الامر لخصه وزير الخارجية المصري بأنه وضع خطير للغاية، وهو يهدد الأمن القومي العربي برمته، مما يستوجب إنتاج رؤيا عربية شاملة في السياسات المختلفة وتطويرها بدءاً من السياسة فالاقتصاد وصولا إلى الثقافة تؤدي لإطلاق سياسة جديدة تعيد إطلاق قدرات الأمة وشعوبها بكل مكوناتها واطيافها في ظل التطورات والتغييرات الكونية وعلى رأسها الطاقات الشبابية والعلمية، لتشارك بدورها في إعادة استنهاض الأمة العربية واستعادة دورها الريادي وموقعها بين الأمم في العالم.
ولعل عقد القمة العربية الحالية في نواكشوط بعد اعتذار المغرب الذي تملص من عقدها على أرضه على الرغم من دوره التراتبي في أمكنة عقد القمم العربية والتي يبدو ان هذا الاعتذار جاء على خلفية عدم رغبة المغرب على تحمل أوزار العام القادم الخطير في القيادة وتصدر المشهد العربي في هذا العام، وهو أمر يعني ايضاً الكثير خصوصاً مع توفر معلومات ومعطيات تحدث وكأن هذه القمة قد تكون الأخيرة بالشكل المتعارف عليه سواء العادي أو الاستثنائي، والفرصة الأخيرة التي يلتقي فيها الزعماء تحت قبة قمتهم، وفيها سيتم إعلان الوفاة سريرياً بالتالي لجامعتها بعد ان اصابها هي الاخرى مرض الشلل الكامل خصوصا في السنوات الخمس الاخيرة العاصفة والتي يحلو للبعض باطلاق عليها تسمية ((الربيع العربي)) الذي اثبت انه لا يمتّ بأي صلة لفصل الازهار والاخضرار ومعانيه بإعادة الحياة، بل على العكس كان ربيعاً مخادعاً أشبه بزلزال مدمر أصاب العالم العربي من مشرقه لمغربه، أدى إلى ضياع لكثير من الإمكانيات والمكانة والثروات، التي كان العالم حتى الأمس القريب يسعى لخطب ودها للحفاظ على حصتها.
تدمير العراق تدمير للبوابة الشرقية الحارسة والحامية
لقد أثبتت الاحدات المتوالية و المتتالية التي شهدها العراق وعلى مدى الـ 20 عاماً الماضية تنفيذ ما خططت له الدوائر الإمبريالية المتحالفة مع الصهيونية العالمية وبمساعدة عربية وللاسف عراقية الهوية والانتماء والتي تمحورت حول ضرورة تحطيم درع وسيف الأمة العربية وبوابته، الشرقية استناداً لقناعة لديهم بأن هذا الأمر سيسهل، بعد ذلك ولفتح الطريق أمام التغيير طبقا" لهذه المشيئة المؤامرة التي لن تخدم في النهاية سوى إسرائيل واحلامها .
وهذا الامر كشفه بشكل واضح وصريح وزير الخارجية الاميركي الأسبق هنري كيسنجر، المعروف بلقب ثعلب السياسة الأميركية الإستراتيجية، والمعروف ايضا" بصهيونيته المتعصبة والمؤيد بقوة لإسرائيل بشكل لا محدود . من خلال تحريضه لإسرائيل على قتل أكبر عدد ممكن من العرب عموما" والفلسطينيين خصوصا" وحثها على احتلال ما يمكنها من الأراضي العربية ، وهذه الدعوة جاءت عبر مقابلة صحفية مع مجلة ((ديلي سكيب)) تداولتها أكثر من وكالة أنباء عالمية دون ان تثير او تلفت نظر اي من السياسيين العرب والتي قال فيها:((باننا ابلغنا الجيش الأميركي وخططنا لاحتلال سبع دول في الشرق الأوسط، لأننا مضطرون لذلك نظراً لأهمية هذه الدول الاستراتيجية لنا اي للمصالح الأميركية، خصوصا" وأنها تحتوي على البترول عصب الاقتصاد العالمي وآلته الصناعية وأحد اهم أسباب استمراره وتطوره، بالإضافة إلى موارد إقتصادية أخرى.
وقد تابع الوزير الثعلب الصهيو-أميركي: ((بأنه لم يبق لنا الا خطوة واحدة ، وعندما تتحرك الصين وروسيا من غفوتيهما سيكون الانفجار الكبير والحرب الكبرى قد وقعت والتي لن يخرج منها منتصرا سوى قوة واحدة هي إسرائيل واميركا)) حسب ادعاءاته وتابع بأنه ((سيكون على إسرائيل القتال بكل ما أوتيت من قوة واستخدام كل ما تملك من ترسانة وأسلحة تزويدها بها الولايات المتحدة الأميركية بهدف قتل أكبر عدد ممكن من العرب وخصوصا الفلسطينيين واحتلال نصف الشرق الأوسط ومضيفاً ان طبول الحرب تدق الآن في الشرق الأوسط وبقوة ومن لايسمعها فهو بكل تأكيد أصم)).
وانطلاقاً من هذه الاستراتيجية الاميركية كانت رؤية كيسنجر هي السائدة وهي الخلفية والدافع الحقيقي وراء حصار العراق وإسقاط نظام الرئيس الراحل صدام حسين الذي تجرأ يوماً وأعرب عن استغرابه بترك القدس بين أيدي وبراثن الاحتلال الاسرائيلي وكيف لاتهتز النخوة العربية أمام مناظر قتل الفلسطينيين اطفالاً وشيوخاً ونساءً واعداً بالصلاة في المسجد الأقصى المحرر يوماً اى لو أدى ذلك إلى إشعال حرب كبرى، فإن القدس الشريف مسرى الرسول ومعراجه وأولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين يستحق كل تضحية ، وهو وعد أضحى مع وجود العراق قوياً ممكن الحدوث كحتمية تاريخية قابلة للتحقيق. فلهذا كان القرار الاميركي - الصهيوني بتدمير العراق وتحطيم قواه العسكرية وتدمير جيشه الذي كان من أوائل الجيوش العربية الذي يمتلك عقيدة قتالية عربية شاملة ترتكز على محاربة الكيان الإسرائيلي، وهذا القرار كان من أول ما ترجمه الحاكم الاميركي للعراق بعد الاحتلال الاميركي المتحالف مع 39 دولة شاركت في هذه الحرب وقبضت الثمن المناسب والذي كان للأسف من الجيب العربي لا الاميركي ولا الاسرائيلي .
وما حدث في العراق بعد ذلك ولايزال حتى اللحظة يسير طبقا" للمخطط الأميركي - الإسرائيلي تكملة لقاعدة ان كسر البوابة الشرقية وتحطيم درعها وسيفها يفتح الباب مشرعا" لنجاح هذا المخطط، والعراق اليوم الغارق بعمليات القتل والتدمير والصراع الطائفي والمذهبي سيؤدي بالنهاية إلى تقسيمه كحل أخير .
سوريا والحرب الكونية
يعتقد البعض أن ما يجري في سوريا حالياً يعود إلى العام 2011 وهو اعتقاد يبدو منطقياً ، إلا ان حقيقة الأمر تعود إلى العام 1973 والى ما بعد حرب تشرين المجيدة التي شارك فيها الجيش السوري وبالتعاون مع الجيش المصري ولعبت دوراً بارزاً في إنهاء اسطورة التفوق الإسرائيلي وفتحت الآفاق أمام انتصار المقاومة العربية. وهذه الحرب ما كان لتقبل سوريا بوقفها لولا الضغط الهائل الذي مارسه الرئيس المصري آنذاك أنور السادات الذي كشفت التطورات انه كان يسعى إلى عقد صلح مع إسرائيل وهذا ما أكده الوزير الاميركي إياه بقوله ان (لولا الأخ السادات لكانت إسرائيل مهزومة) وكلمة الأخ يطلقها بالعادة المنتسبون للماسونية العالمية .
لكن في العام 2011 تم كشف الوجه الحقيقي لما قال عنه كيسنجر بأن حرباً عالمية ثالثة باردة تجري على الأراضي السورية ، ستسخن بعد عدة شهور خلال مقابلته مع صحيفة نيو روكر الأميركية والتي جاء في خلاصتها، (بأن الوحيد لسوريا الآن هو احراقها من الداخل) بعد سقوط خيار ضربها بالأسلحة الذرية بسبب قربها من إسرائيل التي ستتضرر من مثل هكذا ضربة، او احتلالها بشكل مباشر الذي أصبح بدوره مستحيلا" ومن الصعب تطبيق المثال العراقي عليه .
وأضاف الوزير كيسنجر في نفس المقابلة ان ((أكثر ما يثير استفزازي كيف استطاع السوريون بناء هذه البنية التحتية العملاقة بالمقارنة مع مواردهم فالطبابة مجانية والتعليم كذلك، ومخزونهم من القمح يكفي لـ 5 سنوات وأكثر من ذلك بنية اقتصادية متينة لتصبح الدولة العربية الوحيدة التي لا يترتب عليها ديون ولا عجز في موازنتها العامة )) وقال ايضا" ان أكثر مايدهشني (تلاحم جيشهم، رغم أكثر من خمسة سنوات من الحرب الضارية، وما لدينا من معطيات عمن انشق او هرب منه لا يزيد عن 1500 جندي من أصل 500 الف مختتماً لا أعرف كيف لهذا الشعب ان يكون موحداً وهو المكون من 40 عرقاً وطائفة .
وعليه وبدون إطالة يتوضح حجم المؤامرة على سوريا، وهي باختصار هي الحرب الثالثة غير المعلنة بشكل واضح وصريح والتي ستخرج منها سوريا التاريخ والحاضر منتصرة رغم توقعات الوزير الثعلب وتخطيط دوائره الإمبريالية ولو استعانت بكل قوى الظلام والدموية والقتل والإرهاب وهذا ما ستثبته الايام القادمة.
اليمن السعيد... هل يعود كذلك
بعد سنوات من الحرب المدمرة في اليمن والتي انجرّت إليها دول الخليج العربي طوعاً أو كرهاً وعلى رأسها المملكة العربية السعودية والتي بدأت بانقلاب الحوثيين - صالح لم تنفع معها المبادرات الدولية العربية وخصوصاً الخليجية ولا جولات الحوار والمفاوضات والتي كان آخرها تلك التي انطلقت في الكويت وهي وصلت إلى مأزقها وانسداد افقها المبكر والتي عبرت عنه الحكومة الكويتية من خلال إمهال الاطراف اليمنية ما وصفته الفرصة الاخيرة للتوصل الى اتفاق والا ستعتذر بعدها عن استضافة المشاورات والحوارات وقد قال نائب وزير الخارجية الكويتي خالد الجار الله ان بلاده ستعتذر عن عدم مواصلة المشاورات التي ترعاها الأمم المتحدة اذا لم تتمكن الأطراف اليمنية في إيجاد حل لازمة بلادهم في الموعد المحدد للمشاورات ،وأضاف : نحن استضفنا بما فيه الكفاية ، وعلى الأشقاء ان يعذرونا اذا لم نكمل الإستضافة .
وهذه النتيجة تلخص كثيرا المأزق اليمني الحقيقي بعد انسداد آفاق الحلول أمام الأطراف اليمنية.
ليبيا والاحتلال الأوروبي المستتر
يوما" بعد يوم تتوضح الصورة الحقيقية اكثر فاكثر في ليبيا باعتبارها المسرح الحقيقي للتدخل الأوروبي المكمل للمشروع الأميركي - الإسرائيلي الذي يستهدف العالم العربي برمته، وهذا البلد الذي يتمتع بالموقع الجغرافي الذي يوصل ما بين قسمي البلدان العربية الأفريقية ووادي النيل والمغرب العربي الذي انطلقت منه أولى شرارات ((الربيع العربي)) ومن تونس بالذات، وليبيا اليوم وبعد إسقاط نظام الرئيس معمر القذافي الذي شكل في وقت من الأوقات ركنا" من الصعب السيطرة عليه نظراً لعدم توقع ردات فعله وهو الذي كان يحاول رسم ملامح نمط جديد في العلاقات الدولية وخصوصا ما بين العرب ومجالهم الحيوي بلدان القارة الإفريقية لا يمكن ان ترضي السياسات الأوروبية من جهة ، ولجعله عبئاً فيما بعد على القيادة المصرية التي استطاعت عبر جيشها استعادة بلادها من براثن ما كان يطلق عليه بالنظام الإسلامي الجديد والمعتدل المتوائم والمتناسق مع المخططات، الأميركية ومشاريعها عبر جماعة الاخوان المسلمين، وقد كان الجيش المصري الملاذ الأخير أمام الشعب المصري المقتنع بأن جيشه هو الضامن لاستقراره وسلمه الاهلي منذ بداية تاريخه الحديث .
وفي ليبيا يتواجد حالياً إعداد كبيرة من جنود القوات الخاصة والأجهزة الاستخباراتية لدول فرنسا وبريطانيا وإيطاليا والولايات المتحدة الأميركية وكل منها يحاول تنفيذ أجندته الخاصة مستنداً لمصالحه، بعيداً عن مصالح الشعب الليبي العربي الذي تطحنه هو الآخر معارك وحروب وعمليات كر وفر بين متصارعيه تحت اعين واشراف ومشاركة هذه الدول ومساعدتها.
وبالعودة للقمة العربية في موريتانيا والتي من المفترض ان تتصدى لهذه الملفات الساخنة والملتهبة الى جانب الملف الدائم على جدول اية قمة عربية المتعلق بالقضية الفلسطينية التي تعتبر بنداً دائماً على بنود اية قمة دون ان تحاول اي منها التقدم بحلول مقبولة تساعد الشعب الفلسطيني لحقوقه الوطنية الثابتة وعلى رأسها حقه في إزالة الاحتلال عن أرضه وقيام دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشريف وعودة اللاجئين إلى ديارهم التي هجروا منها نتيجة الإرهاب والقتل الإسرائيلي المستمر منذ العام 1948 حتى الآن. وإن كانت القمة ستناقش المبادرة الفرنسية والمبادرة المصرية الخاصة على اساس حل الدولتين وتهيئة الظروف المناسبة لعقد مؤتمر دولي في العاصمة الفرنسية باريس.
وهذا الامر يبدو انه كتحصيل حاصل خصوصاً وأن القمة الجديدة تعقد في رحاب دولة لن تستطيع تحمل أعباء الأزمات العربية خلال العام القادم وحتى القمة المقبلة نتيجة لافتقارها السياسي والمادي والمعنوي لا تمتلك فيها حتى تأمين مستلزمات إقامة ضيوف القمة، ولهذا يصبح وصف القمة بأنها قمة رفع العتب أو ينطبق عليها مثل الذي يرقص بالعتمة .
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها