القيادة الفلسطينية تاريخيا ومنذ انطلاقة الثورة الفلسطينية المعاصرة، وهي تحتضن حركات التحرر الوطني في العالم، وكان لكل التيارات القومية والدينية الايرانية مكانة لديها. احتضنتها في الساحات، التي تمركزت بها خاصة في الساحتين الاردنية واللبنانية. ودربت ودعمت تلك القوى دون تردد او حسابات ضيقة. وكان همها انتصار القوى القومية، وإخراج إيران من دائرة التعاون مع دولة الاحتلال والعدوان الاسرائيلية. لأن ذلك يشكل رافدا قويا للنضال الوطني والقومي العربي. لاسيما وان لإيران موقعا مهما في إقليم الشرق الاوسط الكبير. فضلا عن الوشائج التاريخية والحضارية، التي ربطت بين الشعوب الايرانية والشعوب العربية، وشكلت جميعا مع باقي الشعوب المنضوية تحت راية الاسلام، الحضارة العربية الاسلامية على مدار عقود طويلة.
وكان لتيار مجاهدي خلق بقيادة مسعود رجوي ثم خليفته في القيادة زوجته المناضلة مريم رجوي موقع مهم في التحالف الفلسطيني الايراني. ولم تنقطع اواصر العلاقات الكفاحية بين فصائل العمل الوطني ومنظمة مجاهدي خلق حتى بعد انتصار الثورة الايرانية. ولم تتدخل القيادة الفلسطينية في الشؤون الداخلية الايرانية، واحترمت الخلافات والتناقضات القائمة والموجودة في ساحتها. وتعاملت بروح المسؤولية العالية تجاه خارطة قواها السياسية .
رغم ان الجمهورية الاسلامية تعاملت بطريقة غير إيجابية مع شؤون الساحة الفلسطينية، وتدخلت في التناقضات الداخلية، ودعمت حركة حماس الانقلابية دون تردد وعلى الملأ. وهاجمت بشكل دوري القيادة الشرعية الفلسطينية، ووجهت لها التهم جزافا دون التدقيق، وحرضت عليها الشارع الايراني والفلسطيني والاسلامي عموما. ومع ذلك تعاملت القيادة الفلسطينية في الزمنين، زمن الرئيس الشهيد الرمز ياسر عرفات، وزمن الرئيس محمود عباس، خليفة ابو عمار، وقائد نضال الشعب الفلسطيني للتحرر، ورمز شرعيته بروح المسؤولية العالية. ولم تسقط القيادة الفلسطينية في متاهة الحسابات الصغيرة مع جمهورية الملالي. وعندما وجهت الدعوة للرئيس ابو مازن للمشاركة في قمة عدم الانحياز، التي عقدت عام 2012، ورغم اعتراض اميركا وغيرها من الدول لم يأبه الرئيس عباس بذلك، وذهب وشارك في القمة المذكورة. وحرصت على إبقاء العلاقة مع القيادة الايرانية، ولكن دون الانغماس في حساباتهم الصغيرة.
ولكن للاسف الشديد القيادة الايرانية الحالية لم تتعامل بروح المسؤولية، وارادت من الفلسطينيين ان يكونوا ورقة في يدها لتعزيز مكاسبها ومصالحها الفئوية واجنداتها القومية الصفوية على حساب مصالح الشعب الفلسطيني وشعوب الامة العربية. إلا أن القيادة الفلسطينية وعنوانها الابرز محمود عباس رفضت المنطق الايراني، وتعاملت بندية، ولم تساوم على القضايا الوطنية او القومية، ما اثار حفيظة تلك القيادة.
ولم يتوقف الامر عند حدود السياسات العامة الناظمة لقيادة خامنئي واقرانه من القيادات الايرانية الحاكمة في طهران، بل انها تعاملت بفوقية واستعلائية مع القيادة الفلسطينية، وهاجمت الرئيس ابو مازن لمجرد لقائه امس الاول مع المناضلة مريم رجوي، زعيمة مجاهدي خلق أثناء زيارته لفرنسا. وجاء الهجوم الوقح على لسان حسين شيخ الاسلام، مستشار وزير الخارجية الايراني، دون اي وازع سياسي او اخلاقي او قيمي. وكأن جمهوريته، التي عبثت بفلسطين وشعبها وبالعراق الشقيق عبر ادواتها وادوات اميركا، وتسعى للعبث باليمن الشقيق وتحتل الجزر الاماراتية العربية الثلاث: طنب الكبرى وطنب الصغرى وابو موسى، وتسعى للعبث والسيطرة على دول الخليج العربي ككل، وصية على السياسة الفلسطينية.
فقدت القيادة الايرانية عقلها، وجانبت الصواب بهجومها على رمز الوطنية الفلسطينية، لأن هجوم الشيخ على الرئيس كشف بؤس سياساتها الصفوية الفارسية، التي استعملت وتستعمل الدين لتأجيج الصراع الطائفي والمذهبي في اوساط الشعوب العربية. مع ان المرء، كان يتوخى من القيادة الايرانية التدقيق والتريث قبل ان تذهب لهكذا منزلق. والتعامل بروح المسؤولية، لو كانت فعلا تتعامل بندية مع القيادة الفلسطينية، ولو كانت فعلا معنية بتحرير فلسطين والقدس، لاختلف موقفها، وتعاملت بطريقة أكثر دبلوماسية وعقلانية تجاه الرئيس محمود عباس والقضية الفلسطينية. ولكن كل من تابع ويتابع علاقات جمهورية الملالي بإسرائيل واميركا، لادرك جيدا انها جزء لا يتجزء من مخطط الشرق الاوسط الكبير، الذي تعمل اميركا وإسرائيل على تجسيده على انقاض وحدة دول وشعوب الامة العربية.
مع ذلك الشعب الفلسطيني وقيادته الشرعية، لن يسقطوا في متاهة ومستنقع القيادات الصفوية. وستبقى حريصة على العلاقات الكفاحية الايجابية مع الشعوب والقيادات المناضلة الايرانية. دون ان تسمح للقيادة الحالية بالتطاول على رمز فلسطين وعنوانها الاول لا الان ولا في اي زمان.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها