تباعا تعالت أصوات التكذيب لتصريحات خالد مشعل بالأمس مرفوقة بالاتهامات البذيئة كالعادة لناقليها، كما هو الحال في التعامل مع الملفات التي تتعلق بالاسلامويين عامة، إذ تتقاطع القداسة الدينية مع الرأي السياسي والاول ثابت والثاني متغير، ولكن عند هؤلاء فالقداسة لا تتجزأ إذ تنتقل من المواقف الأيديولوجية ليتزمل بها الشخص مهما كان رأيه السياسي ومهما كانت فواحشه مادام من نفس الفصيل او المذهب.
كان خالد مشعل قد صرح لموقع هندي في قطر اسمه (دنا انديا DNAINDIA ) في لقاء له مع افتخار جيلاني في 26/7/2016 بما هو قديم جديد إذ أعلن أن المشكلة ليست بالاعتراف في (اسرائيل)، وانما الاعتراف بحقوقنا، واعلن الاستعداد في مرحلة ما للاعتراف بدولة (اسرائيل)، والقضية مرتبطة بموافقة الشعب ضمن استفتاء، كما أعلن امكانية التفاوض مع العدو، بينما الأهم فيما قاله هو موافقته "المتكررة" كما قرأنا بوضوح على دولة في حدود 1967 ما هو ليس بجديد بالنسبة لنا مطلقا، ولكن الأهمية تكمن في تاكيده عليها اليوم وضمن هذا الظرف السياسي الفلسطيني والاقليمي والعربي، وحديث الانتخابات والتغييرات والخلافة تدور رحاه .
من رآى جديدا في موقف مشعل فهو لم يقرأ موقف فصيل "حماس" الثابت والرسمي بذلك، إذ لحقت "حماس" متأخرة بركب المسيرة السلمية، كما لحقت متأخرة بركب الثورة والمقاومة، بحيث لا تجد اليوم خلافا سياسيا بين حركة فتح وحماس والفصائل الأخرى فيما بات يعرف بالثوابت الفلسطينية.
كانت عقبة "حماس" التي وضعتها من منطلق التميّز عن باقي الفصائل هي فقط أنها لا ولن تعترف ب(اسرائيل) مطلقا ( ) فيما سقطت محاولات التيار المتشدد فيها الادعاء أنها تمثل الاسلام حصرا أو تمثل المقاومة حصرا.
مع تأكيد مشعل كما هو تأكيد حركة فتح وكل الفصائل أن فلسطين كلها أرض اجدادنا وأرضنا -لذا يرفض الرئيس أبومازن بصلابة مفهوم الدولة اليهودية القومية- فإن نظرته وفهمه -وإن جاء في حماس متأخرا- لواقع القوى والمعسكرات والظروف فإنه يدلل على تغيير سياسي حقيقي ذو طابع عملي (براغماتي) وواقعي ضمن خط رئيس في قلب الفصيل الفلسطيني هذا.
أكد خالد مشعل في المقابلة فلسطينيته وثوريته بالإشارة لنضالات الخالد ياسر عرفات ومانديلا وإن أختلف معنا ، وأشار لحقنا الشرعي في المقاومة وأيضا أكد أن فصيله تنظيم معتدل مدينا الارهاب الذي اعتبره لا دين له، عدا عن إدانته (لكل فصائل الارهاب والتطرف بالعالم من أي ديانة كانوا) ما يحسب له إيجابا.
ميّز مشعل كما فعلت قبله حركة فتح والفصائل عامة وأحرار العالم بين المقاومة والإرهاب لأن (مقاومتنا ضد الاحتلال، فنحن لسنا ارهابيين أو قتلة، نحن ضحايا الاحتلال الاسرائيلي وإرهابه) (ونحن نقاتل من أجل حقوقنا وحريتنا وسنحصل عليها مهما طال الزمن)، ومضيفا أن ليست مقاومتنا كما يظن البعض ضد الديانة اليهودية أو الانسان اليهودي في الحرب الدينية التي يشعلها اليمين الصهيوني والحاخامات المتطرفين اليوم جنبا الى جنب مع المتشددين الاسلامويين حتى ضمن تعبئة حماس الداخلية، ولمن يظن تحليلنا ليس في مساره يعود مشعل ليؤكد نصا على ماذهبنا اليه بالقول بجلاء في ذات المقابلة (نحن لا نقاتل ضد أي عرق او ديانة...فنحن لا نقاوم الاحتلال لأنهم يهود أولأنهم مختلفين إثنيا)
يقرّ خالد مشعل كما فعل مرارا في أننا قد (وافقنا على المشروع العربي-الفلسطيني بالحل على أساس حدود عام 1967 والقدس الشرقية عاصمة لها، مع حق عودة الفلسطينيين الذين طردوا خلال سنوات من قبل الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة.) ولا بأس أن يعود للتاكيد في هذه المقابلة على ذلك إذ يوضح أن علاقة حماس مع تركيا لا تتأثر بعلاقة تركيا (باسرائيل)!
يمكننا أن نقرأ بوضوح عملانية وواقعية وتطور النظرة السياسية لحماس أو على الأقل تيار خالد مشعل كأي فصيل فلسطيني آخر، حيث يقول (إننا نواجه الفصل العنصري. لا أحد يستطيع أن يرغمنا لمعاملة "إسرائيل" كدولة صديقة أو كيان شرعي. كل هذا لا يعني أيضا أنه في لحظة معينة أو في لحظة مناسبة، لن نتفاوض مع العدو. ونظرا للظروف السياسية، ونحن على ثقة من تحقيق الهدف الوطني من خلال الوسائل السياسية)!
ما الجديد هنا كما أسلفنا؟ لا نرى جديدا بقدر ما هو تأكيد على مواقف سابقة يحاول الكثير من المطبلين والمزمرين الاسلامويين التعامي عليها والزعم بأن تحرير حيفا والقدس ودوام إطلاق الصواريخ سيظل هو شكل المعركة الى الأبد، وهاهو مشعل يقول بوضوح بالعربية وبالانجليزية: نعم للمفاوضات ونعم للحلول السياسية.
عود على بدء فالاعتراف ب(اسرائيل) في رأي مشعل يأتي في المقابلة واضحا جليا أيضا كالتالي حيث يقر بمبدأ الاعتراف، إذ لا غبار على المبدأ ولكنه يتعاطى مع مرحلية الاعتراف، أو الاعتراف بثمن لأنه، كما يرد على افتخار جيلاني في المقابلة (رفض حماس الاعتراف ب"اسرائيل" ليس حجر عثرة كما ذكرتم.) .
يضيف مشعل هنا أن (المشكلة ليست حول الاعتراف ب"اسرائيل". فلا توجد طرق مختصرة في الصراع.والسبب الرئيسي هو احتلال "إسرائيل" ورفضها الاعتراف بحقوق الشعب.) ولنتابع حتى آخر المشوار في اللقاء إذ بعد أن يشيد بمواقف حركة فتح والفصائل ويتغطى بهذه المواقف مع التمايز يوضح يقول: (عندما نتخلص من الاحتلال، سنحدد شكل علاقاتنا مع "إسرائيل". ) بمعنى آخر أن المبدأ مقبول، ولكنه يرتبط بثمن وظرف وآلية، ومن الأثمان المطلوبة اتفاق سلام واضح على حدود 1967 وحرية.
يضيف خالد مشعل (في عدة مناسبات، أعطيت تشبيه لشخص رهن الاحتجاز إذ كيف يمكن أن يقرر علاقاته؟ فقط الشعب الحر ودولة ذات سيادة يمكن أن تقرر شكل علاقاتها مع دولة أخرى. وسوف نضع أي اتفاق سلام وعلاقاتنا مع (إسرائيل) للاستفتاء. وحماس سوف تحترم قرار الأغلبية.)
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها