الطفل عبد الله عيسى من مخيّم حندرات قرب حلب لا يتجاوز عمره إثني عشر عاماً تعرَّض لأفظع مشهد إجرامي عندما قام أحد مقاتلي حركة نور الزنكي العاملة في إطار المعارضة السورية بجريمته. هذا المقاتل البطل الذي يقول بأنه يدافع عن حرية الشعب السوري استأسد على هذا الطفل الفلسطيني المصاب أصلاً بالتلاسيميا، والذي لم يبلغ سن البلوغ بعد، استأسدَ عليه متسلّحاً بسكينه الـمُعَد خصيصاً لذبح البشر وخاصة المسلمين، وحول القاتل كانت مجموعة من المسلّحين الذين تجمعوا يصرخون الله اكبر على مسامع الطفل، وهو الذي سيغادر الدنيا بعد لحظات إلى رب العالمين، وقد فُصِل رأسه عن جسده، وهو مضرَّج بدمه. غادر الطفل عبد الله عيسى إلى الرحمن الرحيم، إلى جنان الخلد، تاركاً قاتلَه شاربَ دماء الأبرياء يستبيح في هذه الدنيا كل المحرمات، غارقاً في برك دماء الأطفال والنساء والأبرياء.
أمَّا كلمات الله اكبر فهي التي ستشهد على جريمة العصر، وهي التي ستشهد على المجرمين والقتلَة يوم الحساب، وفي الدنيا يمدهم في طغيانهم يعمهون.
هؤلاء القتلَة يتحدون إرادة رب العالمين، فالله هو الذي يخلق ويميت، وهو الذي يقول: (ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق)، وهو القائل (ومن قتل نفساً بغير نفس فكأنما قتل الناس جميعاً).صدق الله العظيم.
هذا الحدث يثير العديد من التساؤلات بالغة الأهمية:
أولاً: لماذا يتم قطع رؤوس البشر ثم تُعطى الفرصة للمصورين أن يصوروا هذه الجريمة من بدايتها حتى نهايتها، ثم عرضها على مواقع التواصل الاجتماعي ليراها مئات الملايين؟ هل في هذا الأمر إنتصارٌ للإسلام والشريعة؟! هل تخدم مثل هذه الجرائم الدين الإسلامي؟ وأي منطق إسلامي أو غير إسلامي وعلى كل المذاهب، والشرائع يَقبل بذبح الأطفال وقطع رؤوسهم؟!
تصوّروا لو أنَّ أُمَّ هذا الطفل أو والده أو شقيقته شاهدت هذا الفليم المعروض على المواقع فماذا سيكون مصيرُها؟ خاصة وهي تسمع صراخ الله اكبر يخرج من حناجر أبطال الجريمة؟!
ثانياً: سؤال صريح وواضح: ما هو الفرق بين ما فعله المجرم الذي يصرخ الله اكبر بعد أن قتل وقطع الرأس، وبين ما فعله المستوطنون المجرمون الصهاينة بالفتى محمد حسين أبو خضير في القدس عندما حرقوه حتى الموت؟ الجريمة نفسها، والقاتل نفسه، والضحية نفسها إنه الطفل الفلسطيني! ولكن أيضاً من حقّنا أن نسأل وبألم وبجرأة: إذا كان الصهيوني يقتل أطفالنا ونساءنا لأنه كافر، وحاقد على البشرية، وعدوٌ للشعب الفلسطيني، فماذا نقول عن العربي الذي يقول الله اكبر ويقطع رأس الطفل الفلسطيني؟؟!!
ثالثاً: ماذا نقول للطفولة الفلسطينية المتعلّقة بالقدس وأقصاها بعد أن حلَّل البعض قطع رؤوسهم؟! فهل يقرِّبنا ذلك من تحرير فلسطين من الصهاينة؟! أم أننا أصبحنا ذاهبين إلى المجهول بعد أن تسيَّد على أروحنا وحياتنا قومٌ حكَّموا السكين في رقابنا وهم يرقصون طرباً.
رابعاً: من الواضح أنَّ من نفَّذوا جريمة القتل بالطفل عبدالله عيسى الفلسطيني ابن مخيم حندرات قد ضلوا الطريق، فبدلاً من أن ينتقلوا لقتال الصهاينة أعداء الله، وأعداء المسلمين على أرض فلسطين ليثأروا للطفل الشهيد محمد حسين ابو خضير، فضَّلوا أن يقتلوا طفلاً فلسطينياً لاجئاً، ويرفعوا رأس الطفل المقطوع كي يراه الصهاينة، وكي تدخلَ السعادةُ إلى قلوبهم.
نُذَكِّر من يقطعون الرؤوس، وينشرون الرعب في بلاد المسلمين والعرب، إن نتنياهو وحكومته الصهيونية النازية موجودون هناك على ارض فلسطين يُنكّلون بالشعب الفلسطيني، وبأهل القدس، وبالمصلين في الأقصى، والمسجد الإبراهيمي، فلماذا تنسون العدوَّ الأول للمسلمين وهم الصهاينة، وتبتعدون عن أرض فلسطين، وهي ساحة الجهاد الأول، وتذهبون لقطع رؤوس المسلمين؟ أليس هذا الأمر مستغرباً؟!
خامساً: نحن في فلسطين بريئون مما تصنعون، لأن وجهتنا فلسطين، لكننا نقول لكم إياكم وشعبنا الفلسطيني، دعونا وشأننا نقاتل على أرضنا من اجل عرضنا وأرضنا، ومصيرنا، نقول لكم أطفالنا يكبرون على الطريقة الفلسطينية، لا تقطعوا رؤوسهم، وتقتلوهم، لأنَّ المستقبل ينتظرهم، والأرض تفتح ذراعيها لاستقبالهم مقاتلين، وشهداء، وجرحى،وأسرى، لكن هناك على ارض فلسطين، والمشوار الفلسطيني طويل ونحن لها.
والد الشهيد عبدالله عيسى، وأمه، وأفراد أسرته، وعائلته وأبناء الوطن والشتات وخاصة الفلسطينيين في مخيمات سوريا، نُعزيكم بالمصاب الجلل، وشهيدكم اليوم هو شهيد الوطن، شهيد فلسطين كل فلسطين. نسأل الله سبحانه أن يتغمّده برحمته، وان يدخله فسيح جناته، وأن يُلهم أهله الصبر والسلوان. إن الله على كل شيء قدير.
أمين سر حركة "فتح" إقليم لبنان
الحاج رفعت شناعة
2016/7/21
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها