في ذكرى استشهاد القائد العربي الفلسطيني الفذ هاني الحسن تفرض الكلمات نفسها عليّ فلا تخرج الا بارادته هو، ولا تظهر الا بتوقيعه، كما تشتاق لعناقه والنظر في مسارب أقواله وأفعاله وحاد نظراه، وفي وجهه الصبوح.
كان أبوطارق فكرا فذا وعقلية تحليلية مشوقة وقدرة لا تخطئها العين على إدخال الكوادر والأعضاء في حركة فتح وخارجها في مربعه ونطاق مفاهيمه وسياق دوائره، فكان من يستمع إليه يطير بالهواء وأحيانا ما يمشي على الماء.
اذ استطاع هاني الحسن الكاتب والمؤلف أن يؤلف 14 كتابا في مجالات السياسة والتنظيم والفكر عالجت (اتفاق أوسلو) الذي رفضه، والماء خلف السد والثورة، وعالجت (ينابيع) الفكرالسياسي والتنظيمي، وفكر (النديّة) مع الآخر، وآليات شحذ الارادات كما كان يردد في مثاله الشهير (الحية والعصفور)، ولم يكمل كتابين مهمين هما كتابه عن المفاوضات التي قادها مع فيليب حبيب للخروج بقوات الثورة من بيروت عام 1982، وكتاب آخر كان يجهز فيه تفصيلا لسيرته العطرة منذ حيفا المحمولة على البحر بلده (بلدنا) التي احتفظ منها بذكريات تعزّ على الوصف، وهو من أطلق عليها جملته الشهيرة (حيفا المحمولة على البحر).
هاني الحسن صاحب نظريات التفاؤل والاقدام، ورفض منطق ما كان يسميه (فكر النعي) أي السوداوية والسلبية ظل ملازما له حتى في مرضه متمسكا بالعطاء والاشراق فلم يتوقف للحظة عن القراءة والتفكر ما اشتهر به اتفقنا معه ام اختلفنا.
هاني الحسن كان كما ردد هو من (صناع النجم) قاصدا ياسر عرفات اذ كان يرى أن صناعة القائد والزعيم يسهم بها مجموعة من الأقمار التي تدرك أهمية أن تحيط بالنجم تدفعه للأمام وتصوبه وتنتقده داخليا وتنقل له الحقائق وترسم صورته المشرقة في إطار الشفافية والمحبة وخدمة القضية والجماهير.
لقد اشتهر هاني الحسن المنظّر الثوري والمفكر والسياسي والعقل المنفتح باقتباس العديد من الآيات القرآنية الكريمة في خطاباته متأملا بها بشكل جديد وراسما لها شكلا خاصا به في اطار الفهم والوعي والادراك المنفتح.انه القدرة المتواصلة على اجتراح الجديد فلم يكن ليكرر ذاته بشكل آلي بل كان يطعّم كل أفكاره بالجديد والمتطور لا سيما أن وقت قراءاته كان أحيانا يصل به الليل والنهار.
هاني الحسن حيث تحط المراكب مرتاحة على كتف الميناء، وتهدأ العواصف والأنواء أو تثور، وحيث يرتفع الحب إلى العنان برقة، وتنشده الوجوه ويفغر المفكرون أفواههم حينما يجلسون معه، ويحارون أحيانا بل قل كثيرا فلا يجدون منطقا للرد فيوافقونه بقناعة أو وجد.
هاني الحسن (العمل العسكري يزرع والعمل السياسي يحصد ومجنون من يزرع ولا يحصد) وهاني الحسن حيث (ستطفأ أضواء دول وتضاء أضواء دول) ما قاله قبيل الانهيار السوفيتي وهاني الحسن صاحب الألق الرافض للتسويات لأنه ابن حيفاه وحيفانا التي أودعها قلبه وضم عليها الضلوع لم يرغب أن تتسلل من صدره فتزوغ أو يزوغ هو.
هاني الحسن في علاقاته الدولية كان يفجر القنبلة السياسية اثر الأخرى من اعلانه أن الدولة الفلسطينية قادمة تكرارا في أشد لحظات المحنة، وفي تأكيده على تمازج العمل العسكري والسياسي سواء في ظل الاندفاع أو الاتكاء على ما غير البندقية، وهو ذاته من قال بأن للمحارب استراحة وللشعب أن يتأمل ويخلد قليلا للراحة ولكنه أبدا سيقفز الى مربع الفعل والكفاح والمقاومة، وفي كل تصريحاته أو آرائه هذه كان يتوافق مع توجهات الزعيم الخالد ياسر عرفات الذي كان يمهد الطريق أمامه بتناسق المفكر مع الزعيم.
هاني الحسن الفكر التنظيمي المرن والقيادة السلسة ذات الطابع الإنساني لم يتكلّف ولم يتشدد ولم ينهر أو يعنف أحدا، وانما لجأ في غالب حركته القيادية الى الأسلوب الإنساني والادارة/القيادة الانسانية التي تبغي تحقق الانجازات حيث ترك المساحات مفتوحة لمن يرغب العمل والفضاء كبير وغير ضيق لمن يبغي التقدم، فمنحه 3 عناصر مهمة هي: المحبة والثقة والعين الفاحصة المتابعة والمرشدة.
جل ما كان يطلبه أبوطارق هو تحقيق المنجزات لان هذه هي حركة فتح حركة الشعب الفلسطيني الذي ينظر للأفعال لا للأقوال استلهاما من رسولنا الكريم، وحيث الدعم منه متاح والأرض تنتظر أن ترى حقائق ناجزة لا قولا مجردا.
هاني الحسن كان يشرق كل يوم فيضيء بشمس معرفته غرفته بمادة جديدة أو فكرة جديدة أو سياق لما انقطع، وكان يحاور نفسه، ويطلب من زملائه وأعضاء الحركة أن يحاوروه، فلم يقتصد في القول وإنما كان يسهب في ظل قدرة عجيبة على الإصغاء ميّزت شخصه كما ميزت معظم قادة حركة فتح عموما، فلم يضع محرمات أو محددات أو كوابح للرأي والرأي الآخر طالما النتيجة اجماع على الالتزام، لكنه وان أنصت لك في مكتبه أو ندوته أو محرابه-بيته كان يرسم للحديث مسارا اجتهاديا مرتبطا بفكر حركة فتح الوطني والعملي والمعتمد على الانجازات والابداعات والانتصارات وهمة الشباب.
هاني الحسن الذي جاء من بيئة الحضارة العربية الاسلامية لطالما أكد أن شعبنا الفلسطيني بمسلميه مسيحييه شعب مؤمن لا يستطيع أي من ادعياء احتكار الإسلام أن ينصبوا أنفسهم معلمين له فالشعب هو المعلم والإيمان في قلبه لا ينقطع.
كان هاني الحسن فكرا متقدا وأبا حنونا وقائدا إنسانيا وصاحب مفاهيم ذات جذوة ربطت بين العمق الوطني والحضاري العربي الإسلامي في سياقة تعميق التجربة التنظيمية والسياسية والفكرية.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها