التفجيرات الارهابية في فرنسا يوم الجمعة الفائت، لا يمكن النظر لها باستخفاف، وكأنها ردود فعل من الجماعات التكفيرية على الموقف الفرنسي المؤيد للتسوية السياسية في سوريا، أو لأنها ضد "داعش"، فالتحالف الدولي، الذي تقوده اميركا، يتشكل من عشرات الدول، تشارك به فرنسا، لكنها ليست هي التي تقوده. ومشاركتها غير عضوية بالمعنى الدقيق للكلمة، رغم انها قصفت أمس الأول قيادة "داعش" في الرقة. اضف إلى انها داعمة للمعارضة السورية منذ بداية الأزمة. وبالتالي لها موقف سلبي ومتناقض مع نظام بشار الأسد. ونادت القيادة الفرنسية أكثر من مرة برحيل الأسد الابن.

إذا لماذا فرنسا؟ وما هو الرسائل، التي اراد تحقيقها من يقف خلف العمليات؟ ولماذا لم تستهدف بريطانيا او اميركا او تركيا او إيران؟ وكيف تم تأمين الأسلحة والمتفجرات للجماعات الارهابية؟ وهل "داعش" قوية لهذا الحد؟ وكيف تم تحديد الاهداف؟ وهل "داعش" تعمل بمعزل عن قوى دولية؟ وما علاقة تلك القوى بالتفجيرات الارهابية؟

الكثير من المراقبين السطحيين أو الذين يقرأون التطورات بشكل ميكانيكي، ينظروا للأحداث بشكل تعسفي ومنفصلة بعضها عن بعض، ويأخذون المعطيات المنشورة على محمل الجد دون التدقيق في خلفياتها او ربطها بسياقاتها المنطقية وبسياسات الدول ذات الصلة في السياسة الدولية أو الاقليمية. اضف لوجود المؤسسات البحثية والاعلامية، التي تعمل لصالح الجهات الأمنية، التي تبث بشكل منهجي معطيات مشوهة وغير دقيقة عن ظاهرة الجماعات التكفيرية، بهدف الترويج لها، وتعميم استنتاجات خاطئة ومتناقضة عنها، وعن قوتها وغاياتها.

إذا "داعش" ليس أكثر من أداة بيد اجهزة الأمن، التي بثت الروح فيها، لتصنع منها "خرافة" و"بعبعا" دينيا وطائفيا باسم الاسلام السني، لتحقيق الأغراض المطلوبة منها. ومن يعتقد، ان "داعش" يمتلك قدرا كبيرا من القوة، يكون مخطئا وله غايات وحسابات خاصة. كما الذين بعثوا الروح فيها.

ودون الاستفاضة في معالجة كيفية النظر لـ "داعش" واخواته، وبالعودة لجادة الأجوبة، فإن القراءة المسؤولة، البعيدة عن الاسقاطات الارادوية، تشير إلى الآتي: اولا "داعش" و"النصرة" ومشتقاتهما التكفيرية، اوجدتها الأجهزة الأمنية الغربية الاسرائيلية لخدمة اهدافها في تفتيت دول وشعوب الأمة العربية باسم الدين والطائفية والمذهبية، وكل تفسير غير ذلك، لا يمت للحقيقة بصلة؛ ثانيا الهدف من قتل الأبرياء الفرنسيين، هو لي ذراع القيادة الفرنسية، وإبلاغها بشكل جلي، ان ابتعادها عن السياسة الأميركية البريطانية الاسرائيلية على المستوى الاوروبي أو الشرق اوسطي، ليس في مصلحتها؛ ثالثا وقف الهجرة العربية لاوروبا، والعمل على طرد اللاجئين العرب من خلال تعميق النزعة العنصرية ضدهم؛ رابعا إلغاء الفيزا "الشنغن"، التي ترفضها بريطانيا، كمقدمة لضرب الوحدة الاوروبية؛ خامسا ضرب الاقتصاد الفرنسي، من خلال ضرب السياحة، التي تحتل مكانة مهمة في الناتج القومي؛ خامسا توريط فرنسا في وحول الصراع الدائر في المنطقة بشكل مباشر؛ سادسا عدم التوجه لمجلس الأمن بأي مشروع قرار لصالح حل الصراع الفلسطيني الاسرائيلي. والتناغم مع ما تريده إسرائيل.

من راقب المبالغة الاسرائيلية وخاصة ردة فعل رئيس الوزراء، نتنياهو على العمليات الارهابية في فرنسا، والتحريض المفضوح على ابناء الشعب العربي الفلسطيني، ليكتشف مباشرة أحد الأهداف المرجوة منها. وايضا طريقة تجييرها لصالح سياسات وغايات بعينها. من المؤكد صانع القرار والأجهزة الأمنية في فرنسا، يعلمون جيدا خلفيات العمليات الارهابية، ولكن في المعادلات الدبلوماسية والامنية، ليس كل ما يعرف يقال، لا بل يمكن ان يقال نقيضه. والمستقبل كفيل بإظهار الحقائق.