حـوار/ عبد الله خليل- رام اللـه - فلسطـين
"أتوجَّه لأبناء شعبنا وللكادر الفتحاوي أينما كان وأقول على قدر أهل العزم تأتي العزائم، وإن لله عباداً إذا أرادوا أراد، والإرادة موجودة في "فتح" وعلى كل فتحاوي أن يشعر بالفخر وأن لديه إرثاً نضالياً، وأن الثورة والمقاومة لم تولد للبعض. فنحن أصحاب الشرارة الأولى والطلقة الأولى، وترتيب أمورنا الداخلية والتركيز على مستقبلنا والاهتمام بشبابنا وبالتكنولوجيا والعلوم، وتطوير التعليم والاهتمام بالنظام الصحي، والاهتمام بكادرنا هو السبيل والضمانة نحو مفهومنا في الجيل الرابع للمقاومة"، بهذه الجمل بدأ مستشار الرئيس الفلسطيني عضو المجلس الثوري لحركة "فتح" صبري صيدم حديثه لنا حول آخر المستجدات على الساحة السياسية في فلسطين، وعن الجهود التي تبذلها القيادة الفلسطينية للإفراج عن الأسرى ومحاولة طي صفحة الانقسام المرير.
فيما يتعلَّق بالتحرُّك الأمريكي السياسي ومبادرة وزير الخارجية الأمريكي جون كيري، إلى أين وصلت الجهود وما الجديد؟
من الواضح أن الإدارة الأمريكية عاقدة العزم على إيجاد حل للصراع العربي الإسرائيلي، وزيارة الرئيس أوباما جاءت في سياق إنعاش فرص السلام والحديث عن التزام أمريكي متجدِّد، ولا شك أن الإعلان عن التزام وزير الخارجية الأمريكي كيري مباشرة بعملية السلام إنما يؤكِّد أن فكرة الوسيط لم تعد قائمة وأنه لم يعد هناك مبعوث للشرق الأوسط، وإنما هذا المبعوث يتمثَّل بشخص وزير الخارجية مما يدل على اهتمام أمريكي نوعي بإحياء جهود السلام. كذلك فحديث الرئيس الأمريكي المتكرِّر عن المستوطنات ربما يكون قد عطَّل مشروع مستوطنة الـ(E1) التي يمكن أن تفصل القدس عن الضفة الغربية وتفصل جنوب الضفة عن الوسط، وكذلك عطَّل بناء بقية المستوطنات التي أعلنت عنها إسرائيل، ولكن النتيجة النهائية بالنسبة للشعب الفلسطيني تكمن في الأفعال وليس في الأقوال، سيما أن المشهد السياسي قد أُغرِق وأُشبع بالكثير من الوعود والكثير من القرقعة، والشعب لا زال ينتظر أن يرى الطحين. فكل هذه الجهود مقدّرة ولكننا نقول للإدارة الأمريكية بأن الحديث عن أية حُزم اقتصادية لإنعاش الواقع المعاش للشعب الفلسطيني والحديث عن أية تسهيلات جزئية وعن تجزيء الحلول على عدة مراحل لم يعد مقبولاً فلسطينياً، دون أن يكون هناك خطوات سياسية على الأرض، لذلك تتبع الولايات المتحدة الأمريكية الآن مبدأ الدبلوماسية الهادئة، فهي تتابع مع القيادة الفلسطينية كامل التفاصيل وتستمع لكافة وجهات النظر المختلفة من الأطراف أصحاب العلاقة، وتعد بأن تعود برؤية جديدة ومتجدِّدة لفرص السلام، ولكن الرسالة في إسرائيل تصل بصورة خاطئة. فعندما شجَّعت الإدارة الأمريكية لجنة المتابعة العربية للحديث عن مبدأ تبادل الأراضي وهو موضوع قديم جديد، ردَّت إسرائيل كما ردَّت في العام 2002 عندما أُعلِن عن المبادرة العربية للسلام. ففي اليوم الذي تلاه جاءت الدبابات الإسرائيلية لتقتحم عرين الرئيس الراحل أبو عمّار والضفة الغربية وتنهال على غزة بأطنان من صواريخ طائراتها الـ(F16). واليوم تعود إسرائيل، عوداً على بدء، من خلال الإعلان عن بناء وتوسيع العمل في مستوطنة بيت ايل المقامة على أراضي محافظة رام الله والبيرة، لتصبح العنوان الرئيس للدخول في حلوق وحياة الشعب الفلسطيني إن صحّ التعبير واقتحام حياتهم بهذه الصورة، وتطلق بهذه الطريقة العنان لرعاع المستوطنين لمهاجمة المناطق الفلسطينية والأماكن المقدسة الإسلامية والمسيحية، والضرب بيد من حديد، وما جرى حين تمَّ الاعتداء على رجال الدين المسيحيين في سبت النور وعيد الفصح، وبالتالي يهودية الدولة كما تراها إسرائيل، وطريقة الرد على موقف الإدارة الأمريكية إنما كشف عن الوجه الحقيقي لإسرائيل وذلك خلال الأسابيع القليلة الماضية، فنحن نتعامل مع حكومة مستوطنين بامتياز ومع إصرار إسرائيلي، ونحن نعيش ذكرى النكبة اليوم على هذا الاحتلال واستدامته.
مبادلة الأراضي وحدود العام 1967 موضوع بحثته اللجنة المركزية لحركة "فتح" مؤخراً في اجتماعها، فما هو الممكن والمسموح في هذا الأمر؟
موضوع تبادل الأراضي هو موضوع قديم جديد. ففي محادثات "كامب ديفيد" جرى الحديث عن تبادل الأراضي وأعقبه بعض اللقاءات في طابا وخلافه، وجرى الحديث عن موضوع تبادل الأراضي، ولكن الطريقة التي عُرِض فيها هذا الموضوع مؤخراً أخرجته من سياقه، بصورة بدت وكأنه هناك تعديل للمبادرة، وبدا وكأنه أمر فيه نوع من الهوان والتهاون. ولكن حتى نكون دقيقين، فإن ما جرى التحدُّث عنه من تبادلٍ للأراضي وتحديداً في إطار اللجنة المركزية لفتح واللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، هو إمكانيات لتعديل الحدود في حال تم التوصل للاتفاق النهائي، وليس انبطاحاً أمام إسرائيل كتوطئة لرحمتها وتجمُّلها علينا بأي انسحاب أو أية إجراءات، فالعملية مازالت عملية شرطية مقرونة بمبادرة السلام العربية التي تقول: لا اعتراف دون إنهاء الاحتلال، ولا اعتراف دون العودة لحدود الرابع من حزيران 67، ولا تطبيع دون التزام إسرائيل بقرارات الشرعية الدولية، هذه هي الحقيقة وإن كان الموضوع قد أُخرِج من سياقه في عرضه الصحفي والإعلامي.
نمرّ اليوم بالذكرى الـ65 لإحياء النكبة الفلسطينية، كيف ترى حركة "فتح" المشهد وإلى أين وصلنا في تثبيت حقوقنا السياسية؟
إسرائيل أرادت من خلال تجربة الاحتلال التي استمرت على مدار الـ65 سنة الماضية أن تؤكد أن الهوية الفلسطينية في طريقها للزوال والاندثار، وذلك عندما يُقال بأن "الكبار يموتون والصغار ينسون"، ولكن هذه أمنية صهيونية لم تتحقق. وعندما قيل بأن هذه الأرض لشعب بلا أرض أثبتت الحقيقة بأن الشعب الفلسطيني حي وموجود. ومن خلال التجربة الماضية وفي الذكرى الـ65 لإحياء النكبة أستطيع أن أقول بإيمان عميق جداً بأننا كسبنا الرهان وكسبنا معركة الهوية وننتظر أن نحسم معركة الجغرافيا، بمعنى أننا لم نندثر ولم ننسَ وطننا ولم ننسَ قرانا التي دُمِّرت في النكبة ولم ننسَ حق العودة، وكل ما يجري من إرهاصات في الحديث عن حق العودة وفي الحديث عن التنازل المزعوم عن فلسطين هذا كله كلام فارغ لا قيمة له، وأنا كوني لاجئ لن أتنازل عن حقي في العودة لقريتي "عاقر" وكذلك الحال بالنسبة لأبنائي، وأنا أؤمن بأن كل أهلنا في الشتات وأصحاب النكبة الجديدة من أهلنا في سوريا والعراق لن يتنازلوا عن حقهم في العودة.
بالنسبة للهجمة الشرسة على القدس والمسجد الأقصى، كيف لنا الرد عليها في ظل تراجع الدور العربي والدولي؟
القدس أُشبِعت شعارات ولا أريد الخوض في الشعارات، ولكن أي دولة تتعرَّض للاحتلال لا تُعتبر في نظر القانون الدولي قد سقطت إلا إذا سقطت عاصمتها، فسقوط القدس بالنسبة لنا فلسطينياً هو انتهاء للكل الفلسطيني، لذلك معركتنا في القدس معركة كبيرة، والقدس جغرافياً سمعت الكثير من الوعود ودخلت في عالم الأرقام الفلكية وحتى من باب العهود والالتزامات. ولكن وبكل أسف وفي ظل ذكرى النكبة فإن الحديث عن القدس لا قيمة له، لأن الكثير من الكلام والعهود والتعهدات والالتزامات ذهبت مع الريح، ولم يطبَّق منها شيء والدليل ما تتعرَّض له القدس الآن من هجمة شرسة. لذا فما نريده للقدس هو تطبيق لقرارات الشرعية الدولية، والانسحاب وإنهاء الصراع العربي الإسرائيلي، وأقول لزملائي السياسيين لا تفرحوا بالخطوات التي تسميها إسرائيل بخطوات حسن النية وحسن الثقة، ولا تفرحوا بمرحلة الحلول الجزئية وإجراءاتٍ اقتصادية بأرقام ما أنزل الله بها من سلطان في عالم الأصفار، فنحن نريد خطوات عملية على أرض الواقع وبداية في القدس وليس نهاية في القدس، ومحادثات "كامب ديفيد" انهارت بسبب موضوعَي القدس واللاجئين، لذا فعندما يأتي الحل مع إسرائيل يجب أن تكون في مقدم الأمور المطروحة القدس واللاجئون. فالقدس تتعرَّض الآن لحملة تهويد غير مسبوقة، وإسرائيل تقول وتطالب بالاعتراف بها دولة لليهود، ثم تفتح الباب للمستوطنين لمهاجمة الأماكن المقدسة، وما شاهدناه في الأيام الماضية هو نموذج لرؤية إسرائيل ليهودية الدولة، دولة بلا شعب فلسطيني ودولة بلا هوية فلسطينية وبلا ديانة غير اليهودية، والرسالة التي أبعثها للعقلاء من أبناء الشعب اليهودي هي أن ما تقوم به في زمن القوة يجب أن تحسب حسابه لزمن الضعف وما تقوم به وأنت متغطرس سترى نتائجه وأنت ضعيف، وهنا أقول بأنني لن أستطيع في يوم من الأيام عندما يضعف اليهود أن أقنع الناس بأن يكونوا رحماء في التعامل معكم، فالمعادلات تتغيَّر وموازين القوى تتغيَّر وفي التاريخ الكثير من العِبر والدروس، فالقدس يجب أن تتغير وبناءً على قاعدة قرارات الشرعية الدولية.
كيف يمكن أن يخدم الاتفاق الفلسطيني الأردني الذي تجدّد توقيعه في عمان مؤخراً قضية القدس؟
الاتفاق هو تجديد للاتفاق الذي وُقّع مع منظمة التحرير الفلسطينية، والآن وُقّع مع دولة فلسطين، والولاية الدينية للأردن على المقدسات وعلى المسجد الأقصى بالنسبة لنا كفلسطينيين ليست إحلالاً للأردن مكان فلسطين وليست استبدالاً للهوية الفلسطينية بالأردنية، فنحن أبناء بطن واحد وملة واحدة، والمملكة الأردنية الهاشمية كدولة قائمة ومستقلة ولها ما لها من المكانة والحضور الدولي، يمكن أن تساعدنا في حماية مقدساتنا، ونقول للأردن بارك الله فيكم لما قمتم به من جهود ولما ستقدمونه للقدس وفلسطين من جهود. من جهة ثانية، فقصر الملك حسين يقف تقريباً كهيكل عظمي وما أطلبه من الأشقاء في الأردن هو تحويل القصر لمدرسة للتعليم المهني والتقني لأبنائنا، ولا أعتقد أن أحداً ما سيقف ضد هذا التوجُّه، كما نوّد من الحكومة الأردنية أن تحوِّل الأماكن التي تخضع لسيادتها، لأماكن تنموية تعود بالفائدة على شعبنا وتساعد في تثبيت هويتنا في القدس.
كيف تنظرون لموضوع الأسرى والتوجُّه للمؤسسات الدولية للمطالبة بالإفراج عنهم؟
جرى الاستعداد لهذا الموضوع وتمَّ الحديث فيه ولكن لم تُتَّخذ فيه الإجراءات العملية لحد الآن، وهناك الكثير من الخطوات التي يمكن القيام بها، فوضعنا الآن في الأمم المتحدة يسهِّل لنا التوجُّه للمؤسسات الدولية ذات العلاقة ومنها المحاكم، وحتى مجلس حقوق الإنسان الدولي يمكن أن يتم فيه طرح موضوع الأسرى وبصورة أقوى، وحركياً يجب أن نتجِّه باتجاه تدويل هذه القضية كي لا تبقى ضمن الإطار الفلسطيني، وإنما وضعها في الإطار الدولي باعتبار أن الشعب الفلسطيني هو كله أسير، فنحن أسرى لهذا الاحتلال والأسرى الموجودون في المعتقلات الآن ما هم إلا سفراء لهذا الشعب الذي يعيش الضغط والضيم المستمر.
فيما يتعلَّق بجهود المصالحة الفلسطينية وإمكانية تشكيل حكومة التوافق الوطني وإجراء الانتخابات، ما النتائج المتوقعة من لقاءات القاهرة؟
لا أريد أن يشعر أحد بأننا دخلنا في مرحلة اليأس من المصالحة لأننا تحدَّثنا كثيراً عن المصالحة في السابق، ولكن أقول بأننا في فترة الانقسام عشنا أمرين أولهما النكبة الثانية بسبب هذا الانقسام، وثانيهما هو ضرب من ضروب الجنون بهذا الانقسام، لذا فيجب أن ندخل في مرحلة العقلنة الفلسطينية لأن التاريخ لم يصدِّر لنا أية قصة عن شعب يمكن أن ينتصر وهو ممزق، وحتى شبابنا الفلسطيني ونتيجة هذا الانقسام فإن 60% من جهدهم على شبكات التواصل الاجتماعي المختلفة، التي أتابعها باهتمام، هو الانقضاض على بعضنا البعض، ويمكن لذكرى النكبة ويمكن لكرامة 400 قرية فلسطينية مهجّرة و200 ألف شهيد على امتداد مسيرتنا الثورية، ربما على الأقل يمكن أن تدخل بعض التعقُّل لنا وتدفعنا أن نسير بجدية نحو المصالحة، فلا يعقل أن يستمر الانقسام بصورته الحالية، والجهد الذي يجري بالقاهرة مقدَّر ولكننا سندخل حيِّز اليأس على المستوى الشعبي والناس لم تعد تعطي بالاً للقاءات المصالحة وموضوع تشكيل الحكومة ومن هم الوزراء، فالشعب يريد الكرامة من خلال إنهاء الانقسام ولذلك يجب أن ينتهي هذا الانقسام وبسرعة.
هل الحركة جاهزة في حال تم التوافق على إجراء الانتخابات؟
عندما نتحدَّث عن الانتخابات يجب أن نواجه قضايانا الداخلية بكل صراحة وصرامة، فهناك مجموعة من القضايا التي يجب أن تُحل في داخل حركة "فتح"، من باب العضوية والالتزام وتنشيط المفاصل الحركية لفتح ومن خلال عملية ديمقراطية، وأقول بأنه لا ضيم ولا ضير بأن نفكِّر الآن وليس غداً في موضوع عقد المؤتمر العام السابع للحركة. فنحن جئنا بموجب الانتخابات، وبالتالي فيجب أن نرحل بالانتخابات وأن يكون صندوق الاقتراع هو الحكم، والآن الانتخابات قادمة ونحن بحاجة لثورة داخل الثورة، ونحتاج لمؤتمر سابع حتى نرتِّب أمورنا أكثر فأكثر، ولا نستطيع أن ندَّعي الكمال في الحركة ولا نستطيع أن نقول بأن نتائج الانتخابات محسومة لصالحنا، ولكن ما يجب حسمه هو وضع جهد أكبر لكي نفوز وننجح في الانتخابات القادمة وهذا ما نصبوا إليه، بصراحة أمورنا في الحركة غير جاهزة وليس هناك أي داعٍ للمجاملة أو المزايدة أو المداهنة في هذا الأمر، بل أقول بأن هناك عدة إشكاليات في الحركة لا بد من الاعتراف بها ولابد من وضع الحلول المناسبة لها والاستعداد والتحضير للمستقبل وأعتقد بأن لدينا وقتاً لذلك.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها