روسيا الاتحادية تعيد رسم معالم الطريق في العلاقة مع الولايات المتحدة الاميركية في الملفات السياسية والاقتصادية/ المالية والامنية/ العسكرية في قارات الارض كلها. شاء الثنائي بوتين - مدفيدف التأكيد على الحضور الروسي العالمي كمنافس وخصم عنيد لاميركا وعولمتها؛ تجلى ذلك بخروجها من تحت سطوة الهيمنة الاميركية الكلية. لانها ليست اوروبا الغربية، وكونها ما زالت تملك اوراق قوة مهمة، تمكنها من قول لا لاستراتيجية العم سام، ومن خلال فتحها ملفات أخرى، كالملف الاوكراني بما حمله من تحد صارخ لادارة اوباما؛ والملف السوري، بدفاعها عن مصالحها الحيوية في الشرق العربي من خلال حماية وجودها في سوريا، ورفضها المخطط الاميركي الاوروبي الغربي والعربي الخليجي؛ والملف الايراني، بوقوفها إلى جانب إيران في دفاعها عن حقوقها ... إلخ.
روسيا تعمل منذ فترة على تطبيع مكانة الرئيس بشار الاسد ونظامه السياسي في المحيط العربي منذ التوقيع على بيان جنيف الاول في حزيران 2012. ولم تيأس بفشل مؤتمر جنيف الثاني 2013، لأنها راهنت على تطور الاحداث في المنطقة، وعلقت آمالا كبيرة على النتائج العكسية لإنفلات عقال الارهاب الاسلاموي بمسمياته ومشتقاته المختلفة على دول الخليج العربي؛ اضف الى ان "عاصفة الحزم" السعودية في اليمن، وما انتجته من تعقيدات وازمات للقائمين عليها، ساهم بشكل كبير على فتح الابواب المغلقة بعد استشعار العرب عموما وعرب مجلس التعاون الخليجي خصوصا، بأن الولايات المتحدة باعتهم بأبخس الاثمان في مساومتها مع ايران على ملفها النووي.
وفي خضم التنازع على النفوذ في دول الاقليم والوطن العربي بين اميركا وروسيا، تمكنت ادارة بوتين من وضع خارطة طريق عربية إقليمية، عنوانها: المحافظة على النظام السوري ورئيسه على الاقل في المرحلة الانتقالية؛ تجسير العلاقة بين سوريا وشقيقاتها العربيات خاصة العربية السعودية؛ الحصول على الموافقة المبدئية على اقامة تحالف روسي يضم تركيا، سوريا، الاردن، السعودية وإيران ضمنا وبدعم وموافقة مصرية لمحاربة الارهاب؛ الحل السياسي للازمات وساحات الاشتعال في سوريا واليمن.
حققت خارطة الطريق الروسية اختراقاً كبيراً ومفصليا، حين تمكنت القيادة الروسية من جمع ممثلي النظامين السوري والسعودي في روسيا اولا، ثم جمع اللواء علي المملوكي، مسؤول الامن القومي السوري مع ولي ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان في الرياض، وانعكاس ذلك على الخطاب الاعلامي لكلا البلدين. وشروع بعض الدول العربية بتجسير علاقاتها الدبلوماسية مع سوريا، ووعد نظام بشار بعودته لتولي مقعده في جامعة الدول العربية.
وتم تكبيل اليد الاردوغانية تجاه سوريا من خلال فتح الجبهة الكردية على الجيش التركي، وإيقاظ الخلايا الاسلاموية التركية النائمة فيها لاشغال اجهزة الامن التركية. بمعنى تم كي الرأس التركية بذات الداء، الذي حاول نظام اردوغان واوغلو استخدامه ضد نظام الاسد الابن خلال السنوات القليلة الماضية من الازمة السورية. وايضا من خلال تكريس الدور الايراني، كدولة اقليمية مقررة عبر اتفاقها مع مجموعة (5+1) في اواسط تموز الماضي، الذي لوح للنظام التركي بالعصا الغليظة في حال واصل دعم الجماعات التكفيرية الاسلاموية في سوريا. لانها خط احمر بالنسبة لايران، لن تسمح لاحد العبث به.
النتيجة الموضوعية لقراءة الدور الروسي، تشير إلى ان إدارة بوتين، حققت نتائج مهمة على طريق ترجمة خارطة طريقها العربية الاقليمية لمواجهة الارهاب، ويمكن التأكيد، ان روسيا نجحت في مباراتها الجديدة مع الولايات المتحدة بالفوز بضربات ترجيحية. لكن دول وخارطة المنطقة مازالت تشهد حالة سيولة وانسيابية غير مسبوقة. بتعبير ادق، نجاحات اليوم ليس بالضرورة ان تصمد غدا امام التحولات العاصفة بها.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها