في جميع الضربات التي نتعرض لها من العدو الصهيوني تبرز إلى العلن مجموعات مختلفة من الناس بفئاتهم المختلفة وشرائحهم السياسية والاجتماعية لتتعامل مع الحدث سواء إعلاميا أو تفاعليا بأي شكل أو ميدانيا، وتتفاوت ردود أفعالها بين العقل والعاطفة باعتدال او بإفراط.

 في المجموعة الأولى يظهر الانتهازيون الذين يقيسون المسافات والسبل، ويحددون الكتف التي سيصعدون عليها، وينظرون الى المراكب الغارقة وتلك الناجية فيتنقلون من مركب إلى الآخر، ولا يرون عيبا أو صعوبة أن يعودوا عما فعلوه وينتقلون من معسكر إلى آخر مرة أخرى، وهم باعتقادي الأخطر من المجموعات لأنه لا مبادئ لهم إلا المصلحة الذاتية الشخصية ولو على حساب فناء الوطن ومن فيه.

أما المجموعة الثانية فهي مجموعة الحاقدين الدائمين الذين يرون في أي اعتداء صهيوني أو جريمة أو (انتصار) اسرائيلي مبررا للّطم والشتم والتيئيس، وإغلاق العينين بعصابات تحجب النور كما تحجب عن العقل الفكرة المستنيرة، وفي ذات الوقت يكيلون كل الاتهامات للذات، أو في حالة الجرائم الاحتلالية يكيلونها إما نحو القيادة الفلسطينية (حصريا) وربما أيضا ضد الشعب أو ضد فئة فيه أو ضد الأرض كما حصل مؤخرا من أحد الحاقدين في "حماس" الذي وجه نقمته بشكل معيب لأهل الضفة من فلسطين عامة بأوامر من الموقع الحمساوي.

 إن مركب العُقَد يستند للتعصب الأعمى للفكرة والتحليل والنظرة، وبغض النظر عن كثير من أسبابه إلا أنه في كل منعطف يقوم هؤلاء الحاقدون بتجريد أسلحتهم (تكفير، تخوين، تشهير) ويوجهونها ضد الشقيق أو الاتجاه السياسي الآخر(او الفكري أو الاجتماعي) ما يمثل في حقيقة الأمر خدمة مجانية للاحتلال الذي يستنكف هؤلاء عن إدانته، أو يدينونه بالترابط مع الطرف الفلسطيني المخالف فكريا أو سياسيا لهم.

إن مركب النقص المسبب للعقدة (الحصرية للذات الاقصائية للآخر) والمرتبط بالتعصب الأعمى لفكرانية (أيديولوجية) محددة يولّد وهما عميقا بالنفس وتنزيهها، في صحة وأوحدوية ما يعتقد، وبالتالي حصرية الصواب فيه، لذا يجد هذا الشخص -وهذه المجموعة- المبرر تلو الآخر ضد الوطني بدلا من الاحتلال، في حالة الحاقدين ( كالمنافقين في أمة المدينة المنورة) الهدف الاسمي لديهم هو تدمير الآخر المخالِف، ولو تعملق الاحتلال فهو عندهم لا يمثل الهدف الأول أبدا.

ويظهر لنا أيضا مجموعة ثالثة هي مجموعة المتساوقين مع الحاقدين أو المتساوقين مع الانتهازيين، أو هم من يهزون رؤوسهم لأي متسلط أو حاقد أو مهيمن بأي شكل، وهم من أسماهم خير الخلق (الامّعات) الذين نجد الكثير منهم يرون في ("جهاد" الشابكة = الانترنت) متنفسا لهم ليصبوا جام غضبهم ولعناتهم ضد الآخر، وهم في بيوتهم في هذا الصيف القائظ تحت المكيفات الرافهة، أنهم بدلا من أن يقدموا بلسما أو علاجا أو نصيحة أو دعوة للوئام والمحبة والتوحد أو من خلال أي اسهام ايجابي يصب في الدعم أو المساندة للآخر المخالف، أو بدلا من القيام بأي فعل وعمل ايجابي يُحجمون عن الحركة متهمين الآخر بكل المصائب فيتخذون من ذلك منصة لجلد الذات وللتراجع والتخاذل والسلبية. كان على مثل هؤلاء على الاقل وكما يرشدنا عليه السلام أن يتبعوا الحديث العظيم (فليقل خيرا أو ليصمت).

إن الحاقدين معروفون فالسموم تقطر من اقلامهم وأفواههم منذ سنوات، فمن يتمسك بالانقلاب على غزة منذ 2007 ومن يطعن بالوحدة الوطنية ومن يمالئ العدو علنا أو سرا (سواء في غزة أو رام الله) أو أي مكان هم المنبوذون من الشعب ولهم قصاص الناس العادل آجلا أو عاجلا.

أما المطبّلون المزمرون من الإمعّات أو من الانتهازيين فهم أدوات تحطيم وأدوات يستخدمها الحاقدون كأحذية يصعدون بها على اكتافهم وأعناقهم ليسودوا عليهم، وحينها لا تنفع الندامة.

أما الفئة الرابعة التي تظهر في المُلِمّات والمصائب فهي باعتقادي أولئك العقلانيون الذين لا تجرفهم العواطف كما هو شأن الجمهور عامة، أو كما هو شأن الامعات بل يضعون الأمور عند حد المصلحة الوطنية ويحسبون خطواتهم ضمن عقلية البدائل وموازين القوى الى أين يتجهون.

مقتل الطفل علي الدوابشة حرقا وإصابة عائلته مثّل نازية توراتية يهودية لم تأتِ من فراغ، وإنما من تحريض مستمر هو في حقيقته سياسة مستقرة لدى حكومات "نتنياهو" التي عبرت تكرارا عن رفض الدولة الفلسطينية ودعمت الاستيطان بلا قيود ولا حدود، وليس أقله أيضا منذ العام 2009 عندما أصدر الحاخام "اسحاق شابيرا" كتابه اللعين الذي أفتى فيه بتحليل قتل وحرق (الأغيار) من غير اليهود فنشأت العصابات الايديولوجية مثل (تدفيع الثمن) و(فتيان التلال) وغيرها في الضفة المقدر لها أن تشكل دولة المستوطنين القادمة والمستقلة أو المتحدة مع دولة (اسرائيل)، في خضم هذه الأزمة في الوعي الانساني عامة تصدح الأصوات الفلسطينية بالشتم واللوم والاتهام للبعض أو الكل الوطني وبشكل سافل وسافر لا يبتغي إيجاد الحلول والتوحيد ضد العدو بقدر ما يبتغي الانقضاض على المخالِف ودك عنقه، وهو ما عايشناه في ظل الانقسام المتولد عن الانقلاب في حروب غزة الثلاثة حتى أصبح منهجا للفئة الخامسة وهي فئة صانعي الفتن.

ان الوعي يسبق الخطو، والفكرة تضع معالم الطريق القويم، وحسن ادراك الممكنات لا يعني التخلي عن المحلوم به أو المأمول أبدا، وإنما يعني العمل بكثافة لتكتيل عوامل الممكن لتصبح جبلا يطل على المأمول فيصِله ولا يتم ذلك أبدا إن فقدنا الرشد والوعي وإرادة الوحدة.

إن الغضب مفهوم، بل وفي اطار المجابهات ضروري، لأن فيه من الشحنات والطاقة ما إن أحسن استثمارها نحقق المنجزات ونراكم الانتصارات.

غضب الشعب الفلسطيني المسكون بالثورة لا يزول أبدا، فهو في النفس كامن ويتراكم وينمو كالبركان الذي بمقدوره أن يزيل الاحتلال عن الوجود، إلا ان صراعنا لا يعتمد على الاستسلام لمشاعر جارفة من الكراهية والغضب أو البكاء والنحيب أو اليأس وإنما صراعنا صراع وجود وصراع تاريخ وصراع وطن وصراع حضارة يحتاج لنفس طويل ووعي كثيف وعمل لا ينقطع سيتساقط في ظله الانتهازيون والحاقدون وصناع الفتن.