سيكون صعباً وغريباً على مَنْ يقف على حافة الهاوية، وبين براثن الّليوث، أن يبحث عن صفة مواطن أقلّ من درجة ثالثة؛ لأنه في مثل هذه الحالة سوف يجد حياته على باب من أبواب جهنم معرّضة للابتلاع والقمع والكره، وقد يفقدها لأنه يُعْتَبر الضلع القاصر في هذه البلاد الفاقعة والغارقة بالموت من أطرافها الى أبعد شرفة فيها، محروقة بالقذائف. فليس غريباً إن تخيّلتَ ملامح مسدس مصوّب الى رأسك وقلمك وأنت جالس تكتب تخوّفاتك مثلاً، أو وأنت تفكّر بالانتقال على هواك من مكان الى آخر، ولن يكون غريباً أن تجد مشهداً عدمياً ممزوجاً بالقتل والخطف والذبح يحوم حولك شمالاً ويميناً منذ مطلع الصباح حتى اللحظة الأخيرة من هزيع الليل، بحيث تختفي فيه قيمة الفرد بسرعة كسرعة النار في الهشيم. وسيكون من السهل عند ذلك أن تتخيل أحداً ما يديرك الى الاتجاه الذي يريد، ثم  يقنص حياتك بالطريقة التي تحلو له، كعقاب لك على جنسيتك أولاً ثم على رأي، أو فكرة، أو موقف لم يرق له. وهذا "الأحد ما" حرٌّ في ما يفعل، لا يجد من يسائلة على فعلته؟! فهناك فئة تحمل رؤوساً مهترئة تحصي علينا أنفاسنا، وخطواطنا، وطرقاتنا وتضع لنا سقوفاً وشرفات يجب ان لا نتخطاها، وتعتقد أنه بإمكانها أن تحدد لنا اتجاهات عواطفنا وعقولنا، واختيار أسماء مواليدنا والتحكم بدورة دمائنا، وبنسبة الكوليستيرول في أجسامنا، وتملك أن تمنحنا العاهات الدائمة والمؤقتة والإقامة في هذا المخيم والحي أو ذاك! هناك ظاهرة تحدث في هذه البلدان باستمرار في أي وقت وأي مكان، وهي ظاهرة الانتقام من الفلسطيني؟! وخصوصاً في أوقات التهافت على الفوضى والضغط على الزناد، بحيث تعتبر هذه الفئة أنه بإمكانها ان تبلّ يدها فينا، وهذا أمر مدان ومرفوض! فهناك دائماً فلسطيني يدفع الثمن في هذا البلد أو ذاك، إن كان بسبب ربيع، او ثورة، أو شجار، أو اختلاف، أو انقسام، وكأن الفلسطيني مخلوق لفشة الخلق؟! وكأنه مال سائب ومشاع يحق لأي كان التعدي عليه، والانتقام منه لأي سبب كان؟! لذلك  فهناك قاتل واحد بمسميات مختلفة تفوح منه روائح كريهة وعطنة، وهذا يقودنا الى سؤال لا نجد جواباً شافياً له، إذ ما الفائدة من عملية قتل عدمية ليست عادلة، ولا محقة، ولا يجيزها أي قانون وضعي أو سماوي، فالقتل هو القتل مهما كانت التبريرات، فمن يثور على الحُكم والحَاكم، لا يجوز أن ينصّب نفسه حَكَماً وحَاكِماً، ومَنْ يريد أن يقضي على الارهاب عليه ان لا يقع في المحظور السياسي والأمني لأن في هذه الحالة يضيع الحق والعدل والمنطق وحياة البشر، ويصبح القاتل هو مُصْدِر الأحكام، وهو المفتي، والرئيس، والقائد، والمسلح، وصاحب البندقية والقرار، وفي هذه الحالة أيضاً نسأل: ما الفرق بين نظام يقتل باسم الحفاظ على الأمن، وثورة تقتل باسم القضاء على النظام؟ وبهذه الحالة ما الفرق بين اليد التي قتلت الأسير الفلسطيني عرفات جرادات تحت التعذيب واليد التي علّقت اثنين من الفلسطينيين وشنقتهما على شجرة في احدى باحات مخيم اليرموك في دمشق؟ أليست هذه الممارسات بشعة كبشاعة أن يصبح النظام "والثوار" معاً رديفان للعدو الاسرائيلي، ويمارسان نفس ممارساته  بحق الذين ليس لهم لا ناقة ولا جمل في الصراع الدائر على أرض سوريا. مع العدو، لا يخفى على أحد أن  هناك صراعاً منذ عقود على الأرض والحقوق والسيادة والاستقلال مع هذا العدو، وتحت هذه العناوين يخوض الفلسطينيون النضال، ويتلقون الضربات من كل الاتجاهات، ويخوض الاسرى اليوم مواجهة شرسة معه، ويصرّون على الاضراب عن الطعام داخل المعتقلات وقد تخطّوا أرقاماً قياسية بتمنّعهم عن الطعام لفترات طويلة، وبرز اسم سامر العيساوي كرمز للأسرى المضربين عن الطعام في هذا المجال، وكأول أسير في تاريخ البشرية يصمد كل هذه الفترة من أجل حريته، وأيضاً كمثال حي على تعلق هذا الشعب بحريته وحقوقه في وطنه، والوقوف ضد الظلم والتعسف الذي يمارسه العدو على الشعب الفلسطيني، وعلى هؤلاء الابطال، بحيث أنه يمكن ان يقدموا حياتهم في أي لحظة ثمناً لهذه الحرية. وطالما ان الصراع محتدم بيننا وبين هذا العدو، فهو يقوم بعمليات تصفية وانتقام من الأسرى المعتلقين في سجونه، وينتقم من غيرهم ممن يكافحونه من أجل الحرية والاستقلال. ولكن، كيف يمكن تبرير عمليات التصفية والشنق والاغتيالات التي يقوم بها المسلحون أو غيرهم في سوريا ضد الفلسطينيين الأبرياء تحت عناوين وذرائع لا يمكن ان تقنع أحداً، فلا يمكن لأي تبرير ان يشفع لهؤلاء الميدانيين الذين يفتون بالقتل كيفما كان،  علماً أن أبناء المخيمات أعلنوا مراراً حيادهم عن الصراع الدائر على أرض سوريا وبأنهم ليسوا مع هذا الطرف أو ذاك التزاماً منهم بأدب الضيافة وعدم الاساءة للأرض التي احتضنتهم وللشعب الذي احسن وفادتهم وحرصاً منهم على عدم الانخراط في اذكاء نار الفتنة الحاصلة بين أبناء البلد الواحد، وفي نفس الوقت الحفاظ على سلامة المخيمات وأبنائها كي تبقى بعيدة عن أي سوء وأذى. مع أن قلوبهم تعتصر حسرة وألماً على ما يجري على أرض سوريا. وفي هذا المجال لا يسعنا الا ان ننوّه ونشير بأن هذه الاعمال مسيئة ومعيبة لمن يقوم بها، ولأهدافه المعلنة. إن كانت من هذا الطرف أو ذاك.