من عجائب الدهر اليوم أن ينحرف النقاش عن ضرورة البحث فيما يجمع إلى فيما يفرق، ويبتعد عن التفكير في إيجاد أرضية مشتركة وبرنامج موحد وخطة جامعة للكل الوطني فلا يجهد نفسه عناء البحث في البدائل والحلول، إلى حالة حرف النقاش العنيف لإحداث مزيد من الثقب بالسفينة كمقدمة للغرق.
ومن عجائب الفلسطينيين و"انتصاراتهم" التي لا تنتهي هي تزيين الهزائم والفشل الداخلي والاحتراب ذي الطابع المقدس بإقامة الاحتفالات الصاخبة بذلك في كل مكان، بل والتنظير للمنهزمين على أجساد الشعب المتكدر أنهم جاءوا بالنصر المبين من رب العالمين.
أما العجيبة الثالثة فهي أن يسبح الفلسطيني في بركة آسنة من الصراعات والأمراض والشطط والنخر المتقن في جسد الأمة وهو لاهٍ أو مسرور، بدلا من أن يقوم بحصار المرض ومحاولة التخلص من بؤس المواطن والبركة الآسنة.
الفلسطيني الذي يعلن الفوز على أخيه، والعدو على مرمى حجر، فيعلن أنه حقق النصر المبين في كل يوم وفي كل تصريح، ومن خلال فرض ضرائب جديدة على المواطن الذي ينتظر الفرج هادما مشروع الوحدة الوطنية هو فلسطيني يعبث بالمصالحة ويكهرب أي تحرك جدي للحكومة من باب أن النصر لا يتم إلا بالانحراف عن الضرورة الوطنية، والنصر لا يكون إلا على الآخر الوطني.
ولا يتم النصر إلا بتزيين هزيمة الأخ لا العدو سواء بالضربة القاضية أم بالنقاط سواء بالسياسة أم عبر إقحام الله (جل وعلا) وتصويره مناصرا لهذا الطرف أو ذاك.
ويحقق الفلسطيني المريض غرورا بذاته وربما غباء بعدم إدراك مجريات الحال يحقق النصر ثالثا بإفشال أي تحرك توافقي دون أدنى محاولة لتوسيع الصدر أو استيعاب للآخر، أو على الأقل بأن يصمت لمحاولة إعادة النظر والتفكر والـتأمل، بل كان يجب والحال هكذا أن تترابط من هذا المغتر بهواه عمليات عنفية مادية مع عنفية لفظية مع تبريرات ربانية وسياسية فاشلة ومتكررة.
لم يعد عيبا لدى الطرف المعطل في "حماس" وفي غيرها أيضا من الانتهازيين، أن يعلن جهارا نهارا رفضه للمصالحة ماديا ومعنويا، ويؤصل ذلك إعلاميا صوتا وصورة، عبر مركزية الشتائم والاتهامات المفزعة التي لا تنتهي وتدخل في باب الطعن واللعن والبذاءة، وهل تراه يكتفي بهذا "النصر" البذيء، أم يؤيده بالاعتقالات والتفجيرات؟ أم لا يكتفي بذلك أيضا ويظل يحتل مقار السلطة ومقار حركة فتح في القطاع حتى الآن ؟!.
إن عجائب التيار المعطل للمصالحة في "حماس" والمسرور بذلك، ومعه المعطلون من أي طرف، والمسرورون بذلك، أنهم يستعينون في آلية تعطيلهم بعملية متقنة من التوظيف للأسانيد العجائبية من القرآن الكريم (نحن أهل الحق، ونحن أهل الصدق، ونحن فسطاط الإيمان، ونحن أهل المقاومة... والآخر بالطبع هو الشيطان والكافر والعميل) أو عبر مسلسل الشتائم الرائية (التلفزية) التي لا تنتهي، التي يتقنها ذاك المتربع على عرش الرائي (التلفزة) يجلد الناس يوميا بما يندى له الجبين ويؤذي أسماعهم بل حياءهم.
لا يكتفي المعطل للمصالحة - الساعي لخطف غزة بعيدا عن أمها، بذلك بل ويتمادى بالتعطيل المادي عبر التفجيرات المتسلسلة التي لا يعرف منفذها ويعرف ما هو أشد من ذلك؟! والاعتقالات التي هي غير سياسية؟! وعند غيره سياسية وتنسيق أمني خياني؟! وعبر قمع التظاهرات الوطنية العامة أم الخاصة...الخ، ومؤخرا كان لا بد من تطوير الأمر باحتجاز الوزراء في الفندق (عندما ذهبوا من أيام في شهر 4/2015) إلى غزة ومنعوا الموظفين من اللقاء بهم، بل ولطموهم في وجوههم قبل أن يصلوا بفرض (ضريبة) أو إتاوة تجبى من الغزيين تحت اسم التكافل الاجتماعي الذي ما هو إلا تغافل واحتقار اجتماعي في حقيقته.
هل يأتي كل هذا الفعل المبرمج لهذه الفئة منذ سنوات من فراغ؟! أم أن هؤلاء المعطلين للوحدة والحكومة والمصالحة يعملون ضمن مخطط خارج عن إطار الوطن، فيسعون لتثبيت مبادئ ومفاهيم هي في حقيقتها تصب في مصلحة محور إقليمي من جهة، وهي تؤسس للهيمنة والسيطرة على القرار الفلسطيني؟ فما يكون إما يكون من خلالي أو انتزعه بالقوة، وما لا أكون ضمنه فهو مرذول وضد المقاومة وضد الله.
هل المباحثات الاسرائيلية- الحمساوية غير المباشرة بعيدة عن التحليل؟ أم أن صدمة سقوط "الإخوان" في مصر بعيدة؟ أم ترى عدم القدرة على اتخاذ موقف في الشأن الإقليمي- العربي بعيدة؟! أم فشل السياسة الداخلية والخارجية عامة هي السبب؟ أم أن تنازع المتنازعين وتناحر المتناحرين في "حماس" له الأولوية ما يظهر من عدم قدرة تيار على السيطرة، ورغبة آخر بالسيطرة على غزة والمقدرات، أو استمرار امتيازاتهم، فما لي هو لي لن تنتزعه مني، ولي أيضا أن أسيطر على المنظمة، والا لن تأخذ شيئا، فأنا الشرعية"المتآكلة"، وأنا المقاومة وأنا أهل القرآن؟
إن العجائب القديمة في الدنيا لم تقف اليوم عند حد سبعة، كما نعلم جميعا، وإنما من الممكن ان نضيف إليها عجيبة الفلسطيني الهازم لذاته الذي يسبح في المستنقع "الآمن"، الذي يظنه آمنا داخليا وصهيونيا وإقليميا ويصر على انه المنتصر حصريا، ويصر على انه يعيش في حديقة مليئة بالأزهار.
ان العجائبية في التفكير وسوء التدبير تأتي من افتقاد الارادة الوطنية وتأتي من بروز مشروع انفصالي آخر لا يقبل الشراكة، هو الذي يعمل ما تحت الطاولة أو فوقها، وتأتي من سعي دائم لوضع العصا بالدواليب والقهقهة عاليا، بينما في الحقيقة يسرح الاسرائيلي ويمرح، ويمد يده لمن يرغب في فصل غزة وتدمير حل الدولتين وإسدال الستار على القضية.
الفلسطيني المعطل والسرور؟ بقلم : بكر ابو بكر
29-04-2015
مشاهدة: 664
د.بكر أبو بكر
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها