حوار / منال خميس
فتحَ قرار حكومة الاحتلال الاسرائيلي القاضي بوقف تحويل عائدات الضرائب والرسوم الجمركية، المستحقة للسلطة الوطنية الفلسطينية، منذ كانون الثاني 2015، الكثير من الملفات الشائكة، وعلى رأسها ملف التنسيق الأمني، الذي يعدُّ أحد بنود اتفاقيات أوسلو التي أُبِرمت بين منظمة التحرير الفلسطينية، واسرائيل. وانطلاقًا من كثرة ما قيل وأُثير حول اتفاقية أوسلو، التي أبرمتها منظمة التحرير مع اسرائيل، والقضايا المتصلة بها بدون علم كافِ بهذه القضايا وتبعات التخلي عنها وخصوصاً ملف التنسيق الأمني والخلط بينه وبين التعاون الأمني،كان لمجلة القدس لقاء مع أستاذ العلوم السياسية رائد موسى للاطلاع بشكل واضح على تفاصيل هذا الملف.
ما المقصود بالتنسيق الأمني، علامَ ينص؟ وما هي خلفياته؟
التنسيق الأمني يعني الاتصال بين السلطة الفلسطينية وسلطة الاحتلال الاسرائيلي من خلال لجان ارتباط مشتركة (مدنية وعسكرية) بهدف معالجة القضايا ذات الاهتمام المشترَك وحل المنازعات الناتجة عن تطبيق الاتفاقية (أوسلو) بين الطرفين.
وقد وضّحت الاتفاقية أمثلة للحالات التي يجب التنسيق فيها بين الجانبين كما يلي:
1-نشاط مخطط أو غير مخطّط له، أو انتشار للقوات العسكرية الإسرائيلية أو الشرطة الفلسطينية يؤثّر بشكل مباشر على المسؤولية الأمنية للطرف الآخر. وهذا يتضمّن نشاطًا أو انتشارًا على مقربة من المستوطنات أو المواقع الفلسطينية المأهولة بالسكان.
2-أحداث تشكّل تهديدًا للنظام العام.
3-أنشطة تشوّش على حركة السير المنتظمة على الطرق الرئيسة بما في ذلك حواجز الطرق أو أعمال صيانة الطرق.
4-حوادث ذات صلة بإسرائيليين وفلسطينيين مثل حوادث الطرق وإنقاذ مصابين أو أشخاص يواجهون خطرًا مميتًا، وحوادث اشتباك أو أي حادث يستخدم فيه سلاح.
5-عمل إرهابي من أي نوع ومن أي مصدر.
6-حالات تسلّل بين الضفة الغربية وقطاع غزة وإسرائيل.
7-جميع الحالات التي يتلقى فيها إسرائيليون العلاج في الضفة الغربية أو قطاع غزة أو الحالات التي يتلقى فيها فلسطينيو الضفة الغربية أو قطاع غزة العلاج في إسرائيل.
اما خلفياته فيمكننا التوضيح أن الاتفاق على التنسيق الأمني جاء ضمن اتفاقية مرحلية تنظم عملية تأسيس سُلطة حكم ذاتي فلسطيني تحت الاحتلال بهدف انسحاب تدريجي للاحتلال يجب ان يكتمل من كل اراضي الضفة الغربية وقطاع غزة على ثلاث مراحل آخرها كان يجب ان تتلوَ اول انتخابات للمجلس التشريعي الفلسطيني فورًا ما عدا المستوطنات والتي تبقى تحت السيطرة الامنية الاسرائيلية الى حين انتهاء مفاوضات القضايا النهائية التي يجب ألّا تتجاوز السنوات الخمس من التفاوض والاتفاق، ولذلك عمليات التسليم والاستلام للأراضي الفلسطينية كان لا بد لها من وجود تنسيق امني ينظّمها وينظِّم كل قضايا الحياة المدنية والأمنية المشتركة بيننا وبين الإسرائيليين، وللعلم ان جميع البنود في اتفاقية اوسلو والمتعلقة بالتنسيق الأمني تخاطب طرفَي الاتفاق بندية وبتوازٍ، فعلى سبيل المثال المواد التي تطالب بالتنسيق لمنع الاعمال الارهابية توضح بانه واجب على كلا الجانبين وليس على جانب واحد فقط.
ماهي تبعات وقف التنسيق الأمني؟
للتنسيق الأمني شق عسكري وشق مدني ولكن الادارة المدنية الاسرائيلية للمناطق المحتلة (غزة والضفة) هي فرع يتبع وزارة الدفاع الاسرائيلية لذلك لا يمكننا الفصل بين التنسيق الأمني بالجانب العسكري والجانب المدني، فالاحتلال يتعامل مع الجانبين بشكل أمني ومن خلال الادارة المدنية، ولو فرضنا ان السلطة الفلسطينية نفّذت قرارًا بوقف التنسيق الأمني فستتعطل الحركة المتعثّرة اصلاً لسير الافراد والبضائع، لأنه ليس للسلطة أي سيادة على معابر دولية ولا حتى على معظم الطرق الرابطة بين مدن الضفة الغربية وغزة أيضًا، فستنعزل مدن الضفة الغربية عن بعضها البعض وعن إسرائيل وعن العالم الخارجي وستفقد السلطة قدرتها على ممارسة مهامها الأمنية في ضبط الأمن وتنفيذ القانون بشكل فعّال بمختلف مناطق الضفة الغربية، حيث ان معظم اراضي الضفة الغربية مناطق خاضعة للسيطرة الأمنية الاسرائيلية (ب – ج) فلا بد من التنسيق من اجل تحرك الامن الفلسطيني اليها او من خلالها. وسيسمح الاحتلال للحالات الانسانية جدًا فقط بالتحرك وسيحافظ على تدفق البضائع التي بفقدانها تتدهور الحالة الانسانية في الضفة وغزة، ففي قطاع غزة بشكل خاص توقّف التنسيق الأمني بالشق العسكري بعد سيطرة حركة حماس على قطاع غزة بالقوة ونتيجة ذلك تقوم اسرائيل بانتهاك حقوق الصيادين بشكل دائم من حيث عمق الصيد المسموح، والاعتقالات، وإطلاق النار على زوارقهم بشكل متواصل دون ان يكون هناك رادع، فبوجود التنسيق الأمني الفلسطيني سابقًا قبل سيطرة حماس كان هناك لجنة الارتباط البحري المشتركة يجتمع فيها الجانبان وينسقان شؤون الصيادين والانتهاكات الاسرائيلية بحقهم، وتعمل اللجنة الفلسطينية على المطالبة بحقوقهم وهناك شرطة بحرية فلسطينية تراقب التزام الاحتلال بحقوق الصيادين وتعدياته وانتهاكاته لحقوقهم وللاتفاقية وبذلك كان العمل الاساسي للجان التنسيق الامني هو حل النزاعات من خلال التفاوض ومن خلال التواجد العسكري على الارض والبحر لحماية المواطن الفلسطيني وحقوقه بالقوة.
وما سمح باستمرار تدفق البضائع والمحروقات والأموال والمياه والكهرباء واصدار الهويات لقطاع غزة بالرغم من عدم وجود تنسيق امني عسكري فلسطيني مع الجانب الاسرائيلي هو ان حماس حين سيطرت على كل وزارات السلطة الفلسطينية ومرافقها واجهزتها استثنت فقط وزارة الشؤون المدنية الفلسطينية لتبقى تعمل تحت سيطرة السلطة الفلسطينية لعلم حماس بأنه بدون وزارة تنسيق امني حتى لو بالشق المدني فقط ستعجز عن تسيير شؤون حياة غزة وحكمها، فالكهرباء والأموال والماء والوقود والطعام والتجارة بمختلف اشكالها كلها يتم دخولها الى قطاع غزة من خلال وزارة الشؤون المدنية الفلسطينية التي تمثّل شكلاً من اشكال التنسيق الأمني بيننا وبين الاحتلال كون الجهة التي تنسّق معها هي الادارة المدنية الاسرائيلية التي تتبع وزارة الدفاع الاسرائيلي بشكل مباشر، اما الواجبات الامنية التي كانت تقوم بها قوات السلطة الفلسطينية ومن خلال تنسيق أمني مع الارتباط العسكري الاسرائيلي فقد استمرت قوات حماس الامنية فيها كونها تعلم بانها تخدمنا على الأقل ان لم تكن تخدم الطرفين مثل حراسة الحدود بين قطاع غزة واسرائيل من أي عمل مسلح او اختراق، فمن الطبيعي ان أي سلطة حاكمة لن ترغب بعمليات مواجهة عسكرية يفجّرها أي مواطن فلسطيني على مزاجه وتوقيته الخاص.
وبذلك فإن وقف التنسيق الامني بشكل كامل بدون تدخل من أي طرف ثالث وببقاء الاحتلال الاسرائيلي على حاله وبنفس ممارساته، سيؤدي الى عجز السلطة الفلسطينية عن القيام بمسؤولياتها تجاه الشعب الفلسطيني في الضفة والقطاع (اقتصاديًا في الضفة وغزة وامنيًا في الضفة) مما سيؤدي الى انهيارها، وبانهيار السلطة الفلسطينية سينهار ما تبقى من اقتصاد فلسطيني في قطاع غزة وبذلك ستنهار أيضًا منظومة حماس للحكم الذاتي في قطاع غزة.
ماهي الاليات والأُسس التي سيتم اتباعهااذا أوقفت منظمة التحرير الفلسطينية التنسيق الأمني فعليًا؟
اعتقد بأن السلطة ستحاول تخفيض مستوى التنسيق الأمني مع التمسك بالتنسيق بالشق المدني دون تغيير وهنا قد سمعنا تصريحات صحفية اسرائيلية بأن اسرائيل لن تسمح للسلطة بالتعامل مع التنسيق الأمني بانتقائية فإما استمراره بشكل كامل واما وقفه بشكل كامل. وهنا ممكن للسلطة ان تمارس التشدد والمناورة او المناكفة بالتنسيق الأمني مع اسرائيل بدون وقفه، مثل حصر عملية التنسيق بلجان الارتباط العسكري ومن خلال الاجتماعات الرسمية الدورية فقط ووقف أي اتصالات امنية بين قادة الأمن الفلسطيني والإسرائيلي وتخفيض مستوى ضباط الارتباط العسكري الذين يجتمعون مع الجانب الإسرائيلي ولكن هنا ستكون خسائرنا أكثر من الجانب الاسرائيلي فغالبًا نحن الطرف الأكثر حاجة لحل النزاعات والأزمات الأمنية والمدنية مع الجانب الاسرائيلي كفقدان مواطنين او ممتلكات او الحاجة السريعة لنشاط امني فلسطيني بمنطقة خاضعة للأمن الاسرائيلي او سرقة اغنام رعاة فلسطينيين او كبح عربدات مستوطنين ...الخ، فالتشدد بالتنسيق والمماطلة وتخفيض المستوى سيضرنا اكثر مما ينفعنا.
اما قضية التنسيق الأمني في منع الاعمال المسلّحة ضد الاحتلال فهنا أعود لأؤكد بأنه عمل تبادلي حيث يقوم الامن الاسرائيلي بمنع أي اعمال مسلّحة من جانبهم ضد الفلسطينيين مقابل منع أي اعمال مسلحة من جانبنا ضد اسرائيليين وان سمحت السلطة للعمل المسلّح من داخل الاراضي التي تسيطر عليها بشكل كامل، فسترد اسرائيل بالمثل ونحن الحلقة الاضعف في هذه المعادلة.
لذلك بتنسيق امني او بدونه ستبقى سياسة السلطة الفلسطينية مع وقف الهجمات المسلّحة لحد الان على الأقل، والمثال كذلك قائم في قطاع غزة، فاليوم حماس من مصلحتها التهدئة لذلك تمنع أي عمل مسلّح ضد الاسرائيليين ينطلق من الاراضي الخاضعة لسيطرتها.
هل هناك فرق بين التنسيق الامني والتعاون الأمني؟
التعاون الامني هو جزء من التنسيق الامني فقد ذكرت كلمات تعاون كالأمثلة التالية:
في المادة الثامنة والعشرين من الشق الأمني لاتفاقية اوسلو:
1- ستتعاون إسرائيل والمجلس بتزويد كل منهما الآخر بالمساعدة الضرورية في القيام بالبحث عن الأشخاص المفقودين، وعن جثث أشخاص لم يتم اكتشافهم، وكذلك بتزويد معلومات عن الأشخاص المفقودين.
2- تتعهّد "م.ت.ف" بالتعاون مع إسرائيل أن تساعدها في جهودها لتحديد وإرجاع جنود إسرائيليين فقدوا في الخدمة إلى إسرائيل، وكذلك البحث عن جثث إسرائيليين لم يتم اكتشافهم بعد.
فكلمة تعاون تستخدم بالحالات التي تحتاج الى جهود مشتركة من التعاون لتحقيق هدف محدد، وهناك مثال على التعاون بين قوات الدفاع المدني الفلسطيني مع الاسرائيلي في اخماد حريق الكرمل داخل اسرائيل عام 2010.
هل وقف التنسيق الأمني سيجر الضفة والقطاع الى مرحلة جديدة مع الاحتلال؟
نعم ان تم وقف التنسيق الأمني بدون تدخل طرف دولي ثالث ستنهار منظومة الحكم الذاتي الفلسطيني تحت الاحتلال وبذلك سيعود الاحتلال ليتحمل مسؤولياته بشكل مباشر على الضفة الغربية وغزة مما سيكلفه ثمنًا امنيًا وسياسيًا واقتصاديًا باهظًا، واعتقد ان الاحتلال لن يحتمله في ظل المعطيات الديموغرافية الفلسطينية الحالية مما سيضع الاحتلال امام عدة خيارات اما الضم بشكل كامل (دولة ثنائية القومية) أو الانفصال بشكل كامل عن الاراضي الفلسطينية مع تمكين الفلسطينيين من مواردهم ومعابرهم كي يتمكنوا من تحمل مسؤولية انفسهم دون تنسيق وارتباط بالجانب الإسرائيلي أو البحث عن سلطة حكم ذاتي جديدة ليس لديها مشروع سياسي وطني تحرري مقبول دوليًا او قابل للتحقيق، تقبل بممارسة حكم ذاتي هادئ مقابل تسهيلات انسانية واقتصادية. أو خيار فصل غزة وتحسين ظروفها لتستقل عن الاحتلال مقابل ضم معظم اراضي الضفة الى اسرائيل وتحويل ما تبقى منها الى معازل تحكم ذاتها مقابل تسهيلات اقتصادية.. وهناك العديد من الرؤى والدراسات الاسرائيلية لحل القضية الفلسطينية والتي من ابرزها خطة غيورا ايلاند المتمحورة حول دولة فلسطينية في غزة.
هل حجز اسرائيل لأموال الضرائب قانوني؟
بالتأكيد هو غير قانوني ومخالف لاتفاقية باريس الاقتصادية التي تمثّل الملحق الاقتصادي لاتفاقية اوسلو والتي تنظم العلاقة الاقتصادية بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل والتي يعارضها الكثيرون بينما نحن الآن ندعو الجانب الاسرائيلي الى التمسك بها وعدم حجز اموالنا كما تنص، وهنا نسأل الـمُطالبِين بوقف العمل باتفاقية باريس ..ما هو البديل؟ البديل هو ان اسرائيل ستنتهك حقوقنا وتدمرنا اقتصاديًا لأننا بكل بساطة ليس لنا أي سيادة على أي شكل من اشكال المعابر (ميناء، مطار، معابر برية) حتى نستطيع ان نتحرر من الاتفاقية، لذلك علينا التمسّك بالاتفاقية، ومطالبة رعاة الاتفاقية (اللجنة الرباعية) ان يُلزِموا اسرائيل بالتقيد بها،والمطالبة بانهاء الاحتلال بشكل عام وليس إنهاء او تعديل الاتفاقيات التي تنظم حكمنا لذاتنا تحت الاحتلال، ورفض منظومة الحكم الذاتي تحت الاحتلال جملةً وتفصيلا (حل السلطة).
اما ذريعة اسرائيل بانتهاك الاتفاقية هي انه الجانب الفلسطيني ايضا قد انتهك الاتفاقية بتوجهه لنيل العضوية في الأمم المتحدة وتوجهه للانضمام لمحكمة الجنايات الدولية. فهناك بند في اتفاقية اوسلو يقول: "لن يقوم أي طرف بالبدء أو بأخذ أي خطوة يمكن أن تغير في وضع الضفة الغربية وقطاع غزة لحين التوصل الى نتائج مفاوضات الوضع الدائم". والجانب الفلسطيني اعتمد على هذا البند لمنع اسرائيل من التمدد الاستيطاني بينما اعتمدت عليه اسرائيل لمنع الجانب الفلسطيني من اعلان دولة فلسطينية وتغيير وضعه السياسي في الضفة وغزة بدون اتفاق، لكن استمرار الاستيطان واستمرار اسرائيل في تغيير وضع الضفة الغربية استباقًا لنتائج مفاوضات الوضع الدائم، جعل الجانب الفلسطيني يسعى لتغيير وضعه السياسي من خلال الأمم المتحدة وعضوية الدولة الفلسطينية. وهنا اسرائيل ترد ايضًا بخرق الاتفاق من خلال حجز الاموال وتعتبره ردا على الخرق الفلسطيني".
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها