مقدمة من : د. صائب عريقات
بدقة ، لا بد لنا ونحن نتحدث عن استحقاقات أيلول 2011 ، والخيارات الماثلة أمامنا، أن نُميز بين قيام دول العالم بالاعتراف بدولة فلسطين على حدود الرابع من حزيران عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية. وبين قبول دولة فلسطين كعضو كامل العضوية في الأمم المتحدة.
فالاعتراف شيء (Recognition) ، وقبول العضوية (Admittance) شيء أخر.
أولاً : خيار الاعتراف : (Recognition) :
لا بد أن تستمر جهودنا للحصول على اعتراف الدول التي لم تعترف بعد بدولة فلسطين على حدود 1967 وبعاصمتها القدس الشرقية.
فهناك توافق دولي في الوقت الراهن على دعم حل الدولتين على أساس إنهاء الاحتلال الإسرائيلي الذي بدأ عام 1967، كما نصت على ذلك خارطة الطريق ، وعلى أساس قرارات الشرعية الدولية ذات العلاقة وبما يشمل : "242" ، "338" ، "1397"، "1515" ، ومرجعية مؤتمر مدريد ، أي مبدأ الأرض مُقابل السلام ، إضافة إلى مُبادرة السلام العربية، والاتفاق الذي تم التوصل إليه في وزارة الخارجيــة الأمريكيـــة في تاريــخ 30 /7/2008 . بحضور وزيرة الخارجية الأمريكية آنذاك كونداليزا رايس ووفدين فلسطيني- وإسرائيلي.
حيث تم الاتفاق على أن الأساس في المفاوضات : (Basis for negotiations)، حدود 1967، وبما يشمل البحر الميت ، نهر الأردن، الأغوار ، المناطق الحرام ، القدس الشرقية، الرابط الجغرافي بين الضفة الغربية وقطاع غزة ".
وجاء خطاب الرئيس باراك أوباما يوم 19/5/2011، ليُحدد ولأول مرة وعلى لسان رئيس أمريكي مبدأ الدولتين على حدود 1967 مع تبادل متفق عليه.
أن الوضع الذي خلقه إعلان الاستقلال الفلسطيني عام 1988، من قبل المجلس الوطني الفلسطيني ، وما نتج عن مؤتمر مدريد للسلام عام 1991 ، واتفاقات أوسلو لعام 1993 ، وميلاد السلطة الوطنية الفلسطينية ، ووصولاً إلى مؤتمر أنا بولس عام 2007 ، وتبادل المواقف وعرض الخرائط بين الرئيس محمود عباس ورئيس الوزراء الإسرائيلي السابق أيهود أولمرت عام 2008 ، جعلت من الاعتراف بدولة فلسطين على حدود الرابع من حزيران عام 1967 وبعاصمتها القدس الشرقية ، أمراً مُكملاً ومُسانداً لعملية السلام وليس مُناقضاً له، كما لا يدخل ضمن الإجراءات أحادية الجانب . على اعتبار أن الاعتراف هو قرار سيادي لكل دولة من الدول الأعضاء في الجمعية العامة للأمم (192).
العالم أجمع يُدرك اليوم أن الحل الوحيد القابل للتطبيق هو حل الدولتين على حدود الرابع من حزيران 1967 ، وبالتالي فأن الاعتراف بدولة فلسطين على حدود 1967 وبعاصمتها القدس الشرقية ، يؤدي إلى الحفاظ على خيار الدولتين . خاصة وأن الحكومة الإسرائيلية بقيادة بنيامين نتناياهو تستمر في سياسة الاملاءات وخلق الحقائق على الأرض والإجراءات أحادية الجانب ، مما يُسارع في تأكل خيار الدولتين ، وأمام هذه السياسات الإسرائيلية فإن الاعتراف بدولة فلسطين على حدود 1967 ، بات يُشكل حماية لخيار الدولتين.
ونتقرح في هذا المجال أن يتم تشكيل لجان عمل فلسطينية مع الدول العربية والدول الصديقة للعمل في القارات الخمس:-
1- لجنة لمُتابعة الاعتراف بدولة فلسطين على حدود 1967 في أمريكا الجنوبية وأمريكا الوسطى والبحر الكاريبي للحصول على اعترافات الدول التي لم تعترف بعد مثل كولومبيا والمكسيك وغيرها ، ويمكن للأرجنتين والبرازيل المساعدة .
2- لجنة لمتابعة الاعتراف بدولة فلسطين على حدود 1967 في أسيا ، وتستطيع اندونيسيا وماليزيا والصين أن تكون ضمن اللجنة للحصول على اعتراف ، اليابان، وكوريا الجنوبية ، وتايلاند ، إضافة إلى استراليا ونيوزيلندا.
3- لجنة لمتابعة الاعتراف في أوروبا ، ويمكن أن تكون روسيا وبولندا وتشيكيا أعضاء في هذه اللجنة للحصول على اعتراف من لم يعترف من دول أوروبا . ولا حاجة لقرار جماعي من الاتحاد الأوروبي ، فيمكن لقبرص ومالطا وأسبانيا واليونان ، القيام بذلك كل حلى حده، وأن تم ذلك سوف تتبع باقي دول الاتحاد الأوروبي.
4- لجنة لمُتابعة الاعتراف ، في أفريقيا يمكن لدول مثل جنوب أفريقيا ونيجيريا أن تقود هذه اللجنة.
5- لجنة لمتابعة الاعتراف في أمريكا الشمالية وكندا .
6- لجنة لمتابعة الاعتراف في الأمم المتحدة.
علينا أن نوضح للعالم أجمع وعبر رسائل قد يبعثها الرئيس محمود عباس لكل دول العالم، بأن الاعتراف بدولة فلسطين على حدود 1967 وبعاصمتها القدس الشرقية، لا يتعارض بأي شكل من الأشكال مع الجهود المبذولة لاستئناف مفاوضات الوضع النهائي، بل يعتبر ذلك مساهمة رئيسية لاستئناف هذه المفاوضات، فالاعتراف بدولة فلسطين شيء، وإجراءات انسحاب قوات الاحتلال الإسرائيلي وأوقاتها ومراحلها تتطلب اتفاقاً نهائياً بين الجانبين وبضمانة دولية.
إن أشكال بناء مؤسسات الدولة الفلسطينية يحظى بتأييد دولي عارم، حيث تقوم الدول المانحة بتقديم مساعدات كبيرة لاستكمال الخطة الفلسطينية لاستكمال بناء المؤسسات التعليمية والصحية والبنى التحتية والقطاعات الاقتصادية والأمنية والثقافية والتجارية والسياسية، وتعزيز الديمقراطية وتكريس مبادئ المكاشفة والمحاسبة وسيادة القانون والحريات الفردية والجماعية.
وعلى صعيد القانون الدولي فإن دولة فلسطين قد حصلت على سند استقلالها على أساس قرار الجمعية العامة "181"، وقد يقول قائل بأن مرور أكثر من ستة عقود على هذا القرار يتطلب إقراراً جديداً من المجتمع الدولي، وهذا يجب أن يأتي من مجلس الأمن، مما يحتم علينا الانتقال إلى موضوعنا الثاني والمتمثل بعضوية دولة فلسطين في الأمم المتحدة.
ثانياً : خيار العضوية : Admittance:
في مسألة طلب فلسطين الانضمام كعضو في الأمم المتحدة (Member State)، يتم تقديم الطلب إلى الأمين العام للأمم المتحدة، ويتضمن الطلب وثيقة رسمية في شكل إعلان قبول الالتزامات الواردة في ميثاق الأمم المتحدة. ويتعين على الأمين العام أن "يعرض الطلب أمام مجلس الأمن فوراً " (حسب المادة 59 من النظام الداخلي المؤقت ﻟﻤﺠلس الأمن) وإرسال نسخة من الطلب إلى الجمعية العامة "للعلم فقط " (حسب المادة 135 من النظام الداخلي للجمعية العامة).
المادة 4 من ميثاق الأمم المتحدة تنص على أن "الدول" فقط هي التي يحق لها الحصول على عضوية في الأمم المتحدة. وبالتالي طلب القبول يجب أن يكون من كيان يستوفي معايير "الدولة" حسب (اتفاقية مونتيفيديو) لسنة 1993 ، بما في ذلك وجود إقليم محدد ووجود حكومة معترف بها. تؤكد ، مع ذلك ، أن هذا لا يستبعد المتقدمين في الحالات التي لا تزال هناك خلافات كبيرة حول الحدود الإقليمية. السوابق الماضية تؤكد أيضاً أن وجود إجماع دولي حول الاعتراف ليس شرطاً مُسبقاً لتقديم طلب العضوية.
المادة 4 تتطلب أيضاً أن تكون الدولة المتقدمة بالطلب "محبة للسلام" ، وأنها تقبل الالتزامات الواردة في ميثاق الأمم المتحدة ، وأنه حسب حكم وتقدير المنظمة الدولية أن الدولة "قادرة ومستعدة" لتنفيذ التزاماتها.
أن الجمعية العامة للأمم المتحدة هي صاحبة القرار بشأن قبول العضوية في الأمم المتحدة للجمعية. لكن حسب المادة 4 (2) يتطلب أن يكون هذا "بناء على توصية من مجلس الأمن" . بالتالي فأن مجلس الأمن هو من ينظر في طلب العضوية أولاً. المُمارسة الماضية أظهرت العديد من الحالات حيث أن الدولة المتقدمة لم تكن قادرة على تحقيق الحصول على العضوية بسبب الانقسام بين الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن.
بموجب المادة 59 من النظام الداخلي المؤقت لمجلس الأمن هناك لجنة دائمة ( التي تضم جميع أعضاء المجلس ) لقبول الأعضاء الجدد. ترسل هذه اللجنة استنتاجاتها إلى مجلس الأمن. ومن ثم يكون على مجلس الأمن أن يتخذ قراراً ، بموجب مشروع قرار ، في تقدم توصية أو عدمه إلى الجمعية العامة. ويخضع هذا القرار للفيتو.
بموجب المادة 60 من النظام الداخلي لمجلس الأمن ، إذا لم يكن هناك توصية للقبول ، يجب على المجلس تقديم "تقرير خاص" للجمعية العامة. أما إذا تم مرور مشروع القرار يتم تحوله إلى الجمعية العامة.
في الجمعية العامة ، بموجب المادة 83 من نظامها الداخلي ، قبول عضو جديد هو "موضوع مهم" وبالتالي يتطلب أغلبية الثلثين. المادة 137 من النظام الداخلي يسمح للجمعية العامة إحالة الطلب مرة أخرى إلى المجلس "لمزيد من الدراسة والتوصية" ، إذا فشل مجلس الأمن أن يوصي بقبول الطلب أو أجل النظر في الموضوع.*
* ( مرفق تجدون المواد ذات العلاقة من النظام الداخلي لمجلس الأمن الدولي ، وكذلك المواد ذات العلاقة من النظام الداخلي للجمعية العامة ، والخاص بقبول أعضاء جدد).
إجراءات ومراحل تقديم طلب العضوية للأمم المتحدة
تقدم فلسطين طلب العضوية للأمين العام
توصيات مجلس الأمن
ايجابية سلبية/ أو تأجيل النظر
(يلزم وجود على الأقل 9 أصوات مع و عدم وجود فيتو)
إرسال التوصيات إلى الجمعية العامة قبل 25 يوم (10آب) من انعقاد يرسل المجلس تقرير
الجلسة العادية (13 أيلول) أو قبل 4 أيام من انعقاد الجلسة الاستثنائية خاص للجمعية العامة
ثالثاً : ما المتوجب علينا عمله؟
1- فتح حوار استراتيجي مع الإدارة الأمريكية حول مسألة العضوية، فكما هو واضح فإن استخدام الولايات المتحدة "للفيتو" يجعل من المستحيل تمكين فلسطين من أن تصبح عضواً (member state). فإن ذهبنا إلى الجمعية العامة بعد الفيتو الأمريكي وسواء تم استخدام الاتحاد من أجل السلام القرار "377" أم لا، وسواء حصلنا على 2/3 الأصوات أو 50% + 1% من الأصوات فإن فلسطين ستصبح دولة غير عضو (non-member state)، وهذا يختلف جملة وتفصيلاً على حصول فلسطين على العضوية الكاملة في الأمم المتحدة، حيث يصبح وضعها دولة تحت الاحتلال من دولة عضو آخر، وتكون حدودها قد حددت على خطوط 1967، وتصبح إجراءات إسرائيل وأفعالها على الأرض بما في ذلك الاستيطان وجدار التوسع والضم، أعمال لاغيه وباطلة ولا تخلق حقاً ولا تنشأ التزام.
2- إن الاعتراف بدولة فلسطين على حدود 1967، وقبولها عضواً في الأمم المتحدة، سيسهل على القيادة الفلسطينية اتخاذ قرار باستئناف مفاوضات الوضع النهائي وبشكل فوري وحول كافة القضايا دون استثناء (القدس، الحدود، المستوطنات، اللاجئين، المياه، الأمن، والإفراج عن الأسرى والمعتقلين)، والانتهاء باتفاق إطار (Framework Agreement) ضمن سقف زمني لا يتجاوز ستة أشهر من تاريخ استئناف المفاوضات، على أن يتم إنجاز معاهدة السلام (Treaty) بسقف زمني لا يتجاوز ستة أشهر من توقيع اتفاق الإطار.
3- على ضوء خطاب الرئيس أوباما يوم 19/5/2011 ، والذي تحدث فيه عن خيارنا بالذهاب إلى الأمم المتحدة قائلاً :
" بالنسبة للفلسطينيين ، ستنتهي جهودهم لنزع الشرعية عن إسرائيل إلى الفشل . فالأعمال الرمزية لعزل إسرائيل في الأمم المتحدة في أيلول / سبتمبر لن تخلق دولة مستقلة"
واضح مما قاله الرئيس أوباما أن إدارته تفهم بأن ذهابنا إلى الأمم المتحدة هو :
أ- مُحاولة لنزع الشرعية عن إسرائيل وعزلها.
ب-أنه عمل رمزي.
ت-أن هذا الجهد لن يؤدي إلى خلق دولة مستقلة.
هذا الفهم مُخالف تماماً لما نريد تحقيقه من طلب عضوية لدولة فلسطين على حدود 1967 وبعاصمتها القدس الشرقية . فنحن لا نسعى لنزع الشرعية عن إسرائيل أو عزلها ولا نقوم بذلك كفعل رمزي.
نحن على استعداد ولا بد من الحديث عن ذلك مع الإدارة الأمريكية بأن يضمن الطلب الذي تقدمه فلسطين إلى السكرتير العام للأمم المتحدة للحصول على العضوية نصاً صريحاً وواضحاً على اعتراف فلسطين بدولة إسرائيل على حدود الرابع من حزيران 1967 ، وعلى استعدادها إذا ما أصبحت عضواً في الأمم المتحدة ، استئناف مفاوضات الوضع النهائي حول كافة القضايا وبرعاية أمريكية مع باقي أعضاء الرباعية الدولية.
الهدف من هذه الخطوة الفلسطينية هو الحفاظ على خيار الدولتين على حدود الرابع من حزيران 1967.
4- لقد تعزز هذا الموقف الفلسطيني بعد خطاب الرئيس أوباما يوم 19/5/2011 ، حين قال :
" نحن نعتقد أن حدود إسرائيل وفلسطين يجب إن تقوم على أساس خطوط العام 1967 ، مع تبادل مُتفق عليه في الأراضي بحيث يتم أنشاء حدود مُعترف بها للدولتين. إذ يجب أن يكون للشعب الفلسطيني الحق في حكم نفسه بنفسه ويُحقق كامل إمكانياته في دولة ذات سيادة ومتصلة ط.
أن الموقف الفلسطيني تجاه هذا المبدأ يجب أن لا يكون فقط بالموافقة ، بل يجب أن يكون لدينا موقف رسمي يطلب فيه من الحكومة الإسرائيلية ممثلة برئيس وزراءئها بنيامين نتناياهو القبول بهذا المبدأ ، أي "مبدأ الدولتين على حدود 1967 مع تبادل متفق عليه".
ويجب الإصرار على أن نحصل على موافقة إسرائيلية رسمية حول هذا المبدأ ، إذ لا يمكن حتى الحديث عن عملية السلام إذا لم توافق إسرائيل على هذا المبدأ .
أن موقفنا باستئناف المفاوضات النهائية يجب أن يرتبط بهذه النقطة ، وهذا لا يعني أننا نتنازل عن مواقفنا تجاه باقي القضايا. ولكن الآن يجب أن يرتكز كل الجهد على وجوب أن نسمع موافقة الحكومة الإسرائيلية على هذا المبدأ أولاً وقبل أي أمر أخر ، وحتى قبل الدخول في نقاش باقي قضايا ومتطلبات المفاوضات واستئنافها.
5- في حال استمرت الحكومة الإسرائيلية بالنشاطات الاستيطانية ورفض حدود 1967 ، واعتبارها من الأوهام كما قال نتناياهو . عندها علينا أن نتوجه لإدارة الرئيس أوباما بعدد من الأسئلة :
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها