مع تراجع وأفول دور ونجم بيني غانتس، وزير حرب إسرائيل في الحلبة السياسية، حاول مجددا تسليط الضوء على ذاته من خلال منحه مقابلة لصحيفة "الشرق الأوسط" اللندنية يوم الخميس الماضي الموافق 17/12/2020، وافترض أنه يستعيد حضوره من خلال الحديث عن المسألة الفلسطينية، وطرح مواقف هلامية، غير محددة، تبتعد ألف سنة ضوئية عن الوضوح بشأن عملية السلام، أو اعتقد أن بعض أقطاب العالم والإقليم  يمكنها الرهان عليه، ومد حبل النجاة له لإنقاذه من الإنهيار.

غير أن أي مراقب بسيط، عندما يدقق فيما عرضه من مواقف لا يستحق التوقف، ولا النظر إليه، أو إيلائه الحد الأدنى من الإهتمام، لأكثر من اعتبار، أولًا ليس أول من يعرض بضاعة سياسية غير ذات شأن؛ ثانيًا لم يكن يومًا، ولم يعد ذا شأن للتقرير في مصير العملية السياسية؛ ثالثًا عندما كان يمكن أن يكون ذا أثر، ويقف على رأس حكومة جديدة، تخلى بارادته عن ذلك، حينما خذل حلفاءه في تكتل أزرق - أبيض (هناك مستقبل، وتيلم) وأيضاً نقض تعهده للقائمة المشتركة برئاسة أيمن عودة، التي أبدت الإستعداد لدعمه من خارج الحكومة؛ رابعًا ارتضى طواعية أن يكون تحت سقف نتنياهو، وما زال يسبح في مستنقعه الآسن، دون أن يحسم خياره للذهاب للإنتخابات الرابعة، وإسقاط الساكن في شارع بلفور.

كما أن الجنرال الباهت لم يحقق حضورًا جديًا في المشهد الإسرائيلي، رغم تصويت مليون ونصف المليون ناخب صهيوني لصالحه، لأنه لم يغتنم الفرصة السياسية، التي حصل عليها، وتأتي مرة واحدة في العمر، لذا سرعان ما تلاشى وإنطفأ نوره على كل المستويات بعدما مسخه، وأذله الملك الحاوي، بنيامين نتنياهو.

والنتائج المعلنة عن استطلاعات الرأي كانت تشير إلى أنه، كان قبل إنشقاق غدعون ساعر عن الليكود يحصل على 10 او 11 مقعدًا، لكن بعد بروز رئيس حزب "أمل جديد" لم يتجاوز الـ 6 مقاعد في آخر الإستطلاعات. وحتى هناك بعض استطلاعات الرأي تفيد، انه قد لا يتجاوز نسبة الحسم في حال انفرط عقد حزبه "حصانة إسرائيل"، وهناك مؤشرات على هكذا إمكانية، لا سيما وأن بعض أقرانه في الحزب، طرحوا علنًا وبِشكل مباشر إزاحته عن الزعامة، لأنه فشل في قيادة الحزب خلال المرحلة الماضية.

إذًا فقاقيع وبلالين غانتس السياسية لا تسمن ولا تغني من جوع، لأنها، كما ذكرت ليست أفكارًا جديدة، ولا تملك الجدية، ولا تحمل أيّة بارقة أمل بتحقيق السلام، ولا يملك الرجل المكانة، التي تؤهله للتقرير في عملية السلام. وعليه فلا اعتقد ان هناك قوة دولية او في المنطقة يمكنها الرهان عليه، ولأنه اثبت فشله، وإفلاسه، وبالتالي لا يوجد من لديه الإستعداد لتضييع الوقت في مجادلات غير ذات شأن، لأن الجنرال فاقد الأهلية، فضلًا عن انه، اسقط  الحديث عن إقامة دولة فلسطينية جنبًا إلى جنب مع إسرائيل على حدود الرابع من حزيران/ يونيو 1967، ولم يبد الإستعداد للإنسحاب من القدس الشرقية عاصمة فلسطين الأبدية، وأصر على البقاء في مساحة واسعة من الأغوار الفلسطينية لم يحدد نسبتها، وأكد على الإمساك بعصا الأمن والحدود والأجواء والثروات الطبيعية، وبقاء الإستيطان الإستعماري في "الكيانية الفلسطيننية"، غير محددة الملامح والحدود والهوية، لأنه لم يوضح ماهيتها: هل هي دولة، أو دويلة، أم حكم ذاتي أو محمية أو إمارة بملامح خاصة، او هجين من كل ما تقدم؟

ومع ذلك قام العديد من أقطاب اليمين المتطرف منهم: الحاخام رافي بيرتس، وزير ما يسمى شؤون القدس، وزئيف اليكين، وزير التعليم، وعضو الكنيست، نير بركات بمهاجمة تصريحات غانتس، بإعتبارها خروجا عن المشروع الصهيوني الإستراتيجي، القائم على ضم كل فلسطين التاريخية وفقا لما تضمنه "قانون القومية الأساس للدولة اليهودية" الذي صادقت عليه الكنيست في تموز/ يوليو  2018، وهو ما يؤكد ان ثرثرة الجنرال مع الشرق الأوسط، لا تقدم ولا تؤخر، وليس لها أي مردود على الأرض، لأنه لم يعد يملك رصيدًا داخل حزب، ولا في الحكومة، ولا في أوساط حلفائه السابقين، ولا في أوساط الشارع الصهيوني عموما.