بعد أقل من أسبوعين يحتفل شعبنا في الذكرى الـ 55 لانطلاقة الثورة الفلسطينية، هذه الانطلاقة التي شكلت محطة فارقة في التاريخ المعاصر الفلسطيني، ولا يوازيها أهمية سوى الانتفاضة الشعبية، انتفاضة الحجارة عام 1987. أهمية انطلاقة الثورة تكمن أساسًا في كون ما قبلها كان تاريخًا، وما بعدها تاريخًا مختلفًا في مضمونه الوطني الفلسطيني، فقد أتاحت هذه الثورة لشعبنا  أن يمسك بزمام قضيته وانتزاع قرارها من عهد وصاية وهيمنة أنظمة عربية لم يكن همها سوى استخدام القضية الفلسطينية، أما للحصول على الشرعية الشعبية، او لتعزيز مكانتها الاقليمية.

ومن أجل فهم أعمق، لا بد من العودة لتاريخ ما قبل الانطلاقة. وهو التاريخ الممتد من عام 1917، أي منذ وعد بلفور ودخول جيش الاحتلال البريطاني لفلسطين، والبدء رسميًا بتنفيذ المشروع الصهيوني، وحتى الأول من كانون الثاني/ يناير عام 1965، يوم انطلاقة الثورة. قد يجادل البعض أن تأسيس منظمة التحرير الفلسطينية في 28 أيار/ مايو  1964 هو اللحظة الفارقة، هو بالتأكيد تاريخ مهم جدًا، ولكن المنظمة في حينه لم تكن بعد قد امتلكت قرارها، وخرجت من تحت عباءة الوصاية العربية، لذلك فإن الانطلاقة هي المحطة الفارقة.

في كل القضايا للشعوب والدول، هناك أهمية للعودة باستمرار للتاريخ، من أجل فهم الحاضر وتوقع المستقبل، ولكن بالنسبة للقضية الفلسطينية فإن فهم تاريخ هذه القضية هو عامل حاسم في فهم الحاضر، كون المشروع الصهيوني وتداعياته على الشعب الفلسطيني، ووطنه التاريخي لا تزال مستمرة بالفكر والمنهج والممارسة ذاتها، وفي كون هذا المشروع هو بالاساس مشروع دول الاستعمار العالمي وداعمه الدائم،  لذلك قد لا يفهم اهمية الانطلاقة من لا يلم جيدا بتاريخ القضية برمتها.

ما قبل الثورة، كانت المرحلة قد انتهت بالنكبة، وما صاحبها من فقدان وتشريد وتحول معظم الشعب الفلسطيني إلى لاجئين، وما تبعها من انهاء وجود فلسطين عن الخارطة وقيام دولة اسرائيل الصهيونية مكانها، وطمس الهوية الوطنية الفلسطينية، وتحول قضيتها الى قضية انسانية دوليا، وورقة تستخدمها الانظمة العربية.

الثورة شكلت الفجر الجديد والأمل، وإعادة توحيد الشعب على هدف التحرير والعودة، وان يكون الفلسطيني هو صاحب الفعل والقرار بما يتعلق بمصيره، ومصير قضيته.

الثورة، وخلال مسيرتها إعادت أحياء الهوية الوطنية الفلسطينية، وجعلها الهوية المعبرة عن كل إنسان فلسطيني أينما وجد. والثورة، وبعد ما قامت به استطاعت أن تعيد القضية الفلسطينية الى خارطة وجودها السياسي، وتؤكدها قضية حقوق وطنية، لشعب حر وموحد حول هدف التحرير  والعودة، وأعادت الثورة القضية إلى جدول الأعمال الدولي، وأعادت فلسطين إلى الخارطة السياسية في المنطقة والعالم.

قد يقول قائل: هذا عظيم، ولكن لماذا لم تحقق هذه الثورة اهدافها حتى الآن؟

مرة أخرى لا بد من فهم التاريخ وطبيعة المشروع الصهيوني- الاستعماري، وهو مشروع تم بناؤه على اساس رواية تاريخية زائفة لا تقبل الاعتراف بالرواية الاخرى، لأنه لو تم قبول الرواية الفلسطينية لسقطت روايتهم تمامًا، وأذكر هنا بالسبب الذي تم اغتيال رابين على اساسه، مشكلة رابين أنه اعترف ولو جزئيًا بأن للشعب الفلسطيني حقوقًا. المسألة الاخرى، وهي من نتاج الاولى أن لدى أصحاب هذا المشروع، والمقصود قوى الاستعمار العالمي قرارا لا يزال ساري المفعول بعدم الاعتراف، أو قبول الاستقلال الفلسطيني، ومن يعود الى كل وثائق هذا المشروع العلنية، وليس السرية يلاحظ ببساطة هذا الموقف وهذا والقرار من بلفور وحتى ترامب!!!

بالطبع هذا لا يعني أن الحركة الوطنية الفلسطينية، لم ترتكب الأخطاء في مختلف المراحل، ولكن ليست هذة الأخطاء هي المسؤولة عن النتائج التي نعيشها اليوم، انما هو هذا المشروع الصهيوني الذي يتعامل معه العالم، وكأنه قدر الهي، وهو يجعل إسرائيل دولة فوق القانون والمحاسبة !!

ولو أردنا أن نكون منصفين لنلاحظ انه لو لم تكن الثورة، ومن ثم الانتفاضات الباسلة للشعب الفلسطيني، لما كان هناك اليوم قضية فلسطينية، ولم يكن هناك صمود على الأرض، وهو الصمود الذي لا يزال يتغذى من روح وأهداف تلك الثورة، وتلك الانتفاضات، بالرغم من حجم المتآمرين والمتواطئين، فالشعب الفلسطيني هو الرقم الصعب، ولن يستطيع أحد القفز فوق حقوقه مهما تجاوز الظلم من حدود.