لو رأيتم رئيس المكتب السياسي لحماس على ظهر فراشة محلقًا في فضاء البلاد بطولها وعرضها وهو يقول إن (جماعته الإخوانية) جزء من حركة التحرر الوطنية الفلسطينية فلا تصدقوه، أو حتى لو شق المحيط الأطلسي مشيًا على قدميه، فهذه الجماعة ما صُنِعَت إلا كعنصر شقاق وانشقاق في الشعوب والأمم. 

كيف يدعي هؤلاء الانتماء لحركة التحرر الوطنية فيما مذهبهم الشيطاني ينخر عظام مجتمعهم، ومسعاهم  نقل فايروس الضغينة والكراهية والأحقاد بين أفراد الشعب الواحد، والتفريق بين المواطنين في الوطن الواحد، وفرز المواطنين بسكين العقيدة الروحية (الدين). 

أمس الأول أحدثت وثيقة صدرت عمّا يسمى وزارة الأوقاف والشؤون الدينية التابعة لحماس، ردود أفعال وانفعالات على منصات التواصل الاجتماعي لا يصدق وطني فلسطيني أن القضية قد حدثت عندنا في فلسطين، خاصة وأن البعض لم يكلف نفسه عناء تدقيق النظر والفحص جيدًا في محتوى الوثيقة التي  عرضت كورقة رسمية مروسة باسم دولة فلسطين وزارة الأوقاف والشؤون الدينية ومضمونها مخاطبة من المدعو مدير عام الإدارة العامة للوعظ والإرشاد (وليد أحمد عويضة) وللأسف يحمل شهادة دكتوراه، إلى ما يسمى  وكيل وزارة الأوقاف والشؤون الدينية، المدعو عبد الهادي سعيد الآغا، وهذا للأسف يحمل شهادة دكتوراه أيضًا،  وابتدأت المذكرة المخاطبة  بعنوان الموضوع " فعاليات الإدارة العامة للوعظ والإرشاد للحد من التفاعل مع الكريسماس، وتضمنت مقترحات لفعاليات مع الجهة المكلفة بالتنفيذ، وعلى الوثيقة تأشيرات وأختام  بعد مقارنتنا إياها بوثائق سابقة فيها أختام وتوقيعات المذكورين تأكد لنا صحتها. 

 انفعل البعض وصب جام غضبه على السلطة الوطنية والحكومة الفلسطينية الشرعية متسائلًا عن مبررات وجود هكذا مسؤولين بمثل هذه العقلية في مثل المواقع الرسمية الحساسة، فالموضوع يتعلق بموقف سلبي من احتفالات المواطنين بأعياد الميلاد (الكريسماس)  وكيفية اشغالهم عنها بالتعمية عليها وإغراق وسائل الإعلام بمواد إعلامية وبرامج تؤثر على مستوى التفاعل المعتاد من المواطنين على تنوع عقائدهم الروحية مع هذا العيد، فهذه ميزة يعيشها المجتمع الفلسطيني كحالة طبيعية، ونعتقد أن بيت لحم الفلسطينية مثلًا خير شاهد على الحضور الوطني دون تمييز في هذا الاحتفال السنوي حتى وإن كان مناسبة دينية خاصة بالمواطنين الفلسطينيين المسيحيين. 

بعد نظرة فاحصة على الورق الرسمي المروس والمعلومات والأسماء والعناوين ورقم  الهاتف وموقع الوزارة يثبت لنا أن الوثيقة صادرة عن سلطة حماس الانقلابية، سلطة الأمر الواقع في قطاع غزة، وأن الشخصين وهما "الوكيل والمدير العام" أعضاء في جماعة الاخوان المسلمين فرع فلسطين المسمى حماس في قطاع غزة، وبهذه الوثيقة التي أصبحت منشورًا كاشفا يتأكد للقاصي والداني ولكل باحث عن الحقائق كذب جماعة حماس مشايخها في قضية الانتماء الوطني ومقولات الإخاء والتسامح وغيرها من العبارات التي تستتر بها لتمرير مشروعها الانقسامي الذي ندرك جيدا أنه لم ولن يقتصر على المستوى الجغرافي والسكاني وحسب، بل سيمتد ليمزق النسيج الاجتماعي الفلسطيني ويضرب السلم الأهلي، عبر إثارة النعرات الدينية والطائفية بين المواطنين  والتمييز بينهم على أساس ديني ... فهذا وعظ وإرشاد جماعة الاخوان الحمساوية كان ولم يزل منذ نشأة الجماعة وسيشتد ويبلغ إرهابا غير مسبوق إن سمحنا باختراق فكرنا وعقلنا الوطني وقيمنا وأخلاقياتنا الجامعة. 

كشفت لنا هذه الحادثة عن ضعف واضح في كيفية تعامل نسبة كبيرة من  جمهور وسائل التواصل الاجتماعي، وانتشار المواقف والانفعالات السلبية على حساب التأمل والتفكير والبحث والتدقيق، وهذا يدعونا كمسؤولين عن صنع رأي عام، ومسؤولين في مواقع حكومية رسمية عليا، للتفكير مليا بكيفية إنشاء سدود منيعة وردود سريعة مقنعة في وسائل الإعلام تمنع فيضان المواقف والانفعالات السلبية التي قد تتجاوز منصات التواصل الاجتماعي لتبلغ أرض الواقع، وهنا لا بد من تصريحات من جهات مختصة معروفة وبوسائل إعلام مباشرة، وبيان الحقائق للناس من جهة الاختصاص دون انتظار للغد أو حتى بعد ساعة، فبعد انتشار الموضوع كانتشار النار في الهشيم  قد لا تنفع البينات والحقائق التي غالبًا ما تقدم للجمهور بعد بلوغ نزعة التمييز العنصري لدى جماعة الاخوان والتعصب لدى البعض  وكذلك الانتهازيين الذين يستغلون ضعف قدرة الجمهور على البحث والتأكد من الحقائق حدا يتجاوز العقلانية والانتماء الوطني، ما يرفع وتيرة الفزع والخوف على المستقبل، ولا ننكر أننا لمسنا  هذا في نصوص تعليقات مواطنين على المنشور (الوثيقة الفتنة).