منذ وجدت حركة حماس في المشهد الفلسطيني، وقبل إعلانها الرسمي عام 1988 عن نفسها، ومنذ زمن المجمع الإسلامي، وهي تعمل على تفتيت وحدة الشعب العربي الفلسطيني، الذي لم يعرف على مدار تاريخ وجوده، وتمثل انتمائه الوطني والقومي تمييزًا عنصريًا بين اتباع الديانات السماوية، ولم يفرق الفلسطينيون بين مواطن ومواطن إلا بمقدار انتمائهم الوطني، ولم يقعوا في خطيئة التمييز على أساس الدين او الطائفة او المذهب ولا العرق أو اللون أو الجنس، لانهم جميعًا سواسية كأسنان المشط، شركاء في الدم والمصير والدفاع عن القضية والمشروع الوطني، وموحدون في مواجهة الاستعمار الصهيوني. لا فرق بين مسيحي ومسلم، ولا بين شركسي ودرزي، ولا بين غني وفقير، لان هدفهم واحد، ومشروعهم واحد يتمثل في محاربة الاستعمار وصولا للحرية والاستقلال والعودة وتقرير المصير.

آخر عناوين التفرقة والتمييز العنصري البغيض، الذي تعمل عليه حركة الانقلاب الأسود، هو التحريض على ابناء الشعب من اتباع الديانة المسيحية، الذين يستعدون للاحتفاء بذكرى ومناسبة عيد الميلاد المجيد الموافق 24 و25 من كل عام، والعمل على تأليب الجماهير الفلسطينية على بعضها البعض، ونشر الفتنة والبغضاء من خلال وعظ ما تسمى "وزارة الأوقاف" الحمساوية، حيث وجه المدعو وليد أحمد عويضة، مدير عام الإدارة العامة للوعظ والارشاد يوم الثلاثاء الماضي الموافق 15/12/2020 رسالة موجهة لما يسمى وكيل الوزارة المدعو عبد الهادي سعيد الأغا، يبلغه فيها عن تعميمه للوعاظ "للحد من التفاعل مع الكريسماس"، وطالب فيها محاربة عيد الميلاد والمحتفلين به من ابناء الشعب عبر الدعوة الالكترونية ونشر مواد الفيديو ونشر فتاوى فاسقة إضافة لخطب الجمعة والاذاعات المحلية والجولات الميدانية والفضائيات ومنابر الإعلام المختلفة، الذي صادق عليها بخط يده.

حملة التحريض الرخيصة والجبانة تهدف لتعميق الانقسام والشرخ الاجتماعي والديني والوطني بين ابناء الشعب الواحد الموحد، وتناسى اولئك المخربون أن المسيح عليه السلام، هو رسول الله، وهو الفدائي الفلسطيني الأول، الذي صلبه اتباع الديانة اليهودية، ولكنه شبه لهم، وهو ابن العذراء مريم عليها السلام، التي كرمها العلي القدير في كتابه الحكيم، وهو رجل التسامح والمحبة والعطاء، الذي كرمه القرآن الكريم. إذا كنتم لا تقبلون القسمة على كل ابناء الشعب، كيف لكم ان تقبلوا بالمصالحة والوحدة الوطنية؟ أليست هذه الجريمة الجديدة القديمة دليلا جديدا على رفضكم لوحدة الشعب والقضية والاهداف الوطنية؟ وهل هناك تخريب وفتنة اكثر من هذه إلآ الانقلاب الأسود؟ الم تتعلموا لمرة واحدة أن الدين لله، والوطن للجميع؟ ولماذا تلجأون لتعميق الانقسام؟ ما هي مصلحتكم؟ وما هي النتائج المرجوة من وراء ذلك سوى مزيد من الدمار والتخريب والعبث بالسلم الأهلي والوطني؟ وهل ابقيتم احدا من اتباع الديانة المسيحية في قطاع غزة؟ الم تهجروا الآلاف منهم خشية على ارواحهم وابنائهم؟ ومن المستفيد سوى العدو الصهيوني ومن يدورون في فلكه امثالكم؟

لعل هذا التعميم الأصفر والخبيث يكون رسالة واضحة أولًا لفصائل العمل الوطني، التي تغطي الشمس بغربال ممزق أكثر مما هو مليء بالثقوب، وثانيًا لبعض رجال الدين المسيحيين، الذين تمت رشوتهم، وشراء صمتهم على الانتهاكات الخطيرة التي ارتكبتها وترتكبها حركة الانقلاب الإخوانية. ثالثًا رسالة للنخب السياسية والثقافية ومنظمات المجتمع المدني، التي تهرب من مسؤولياتها في فضح وتعرية ممارسات وانتهاكات حركة حماس ضد ابناء الشعب عموما واتباع الديانة المسيحية خصوصًا، رابعًا لادعياء الوحدة من الحمساويين ليراجعوا انفسهم، ويعيدوا النظر بسياسات حركتهم الانقلابية.

آن آوان الخروج عن دائرة الصمت، والتلطي حول وخلف كذبة "المقاومة" التي ترددها حركة حماس الكاذبة. والتصدي لسياسات التمييز التخريبية، والوقوف صفًا واحدًا في مواجهة الانقلابيين، الذين تاجروا بالدين، والدين الإسلامي منهم براء. ولأن من يريد المقاومة عليه أولًا وعاشرًا وألفًا ان يوحد القوى وقطاعات وفئات وشرائح وطبقات الشعب خلف برنامج وطني جامع، لا أن يمزق النسيج الوطني والاجتماعي. ثانيًا طي صفحة الانقلاب الاسود مرة وإلى الابد. ثالثًا الالتزام بالنظام والقانون الأساسي (الدستور) الذي كفل مساواة جميع ابناء الشعب أمام القانون. رابعًا حماية واحترام حقوق اتباع الديانة المسيحية، وتعميم سياسة التسامح والتآخي والوحدة دون تمييز بين مواطن ومواطن بغض النظر عن لونه ودينه وعرقه وجنسه. والالتزام بالمقولة القائلة: لا فضل لإنسان على إنسان إلآ بالنضال والدفاع عن الحقوق والمصالح الوطنية العليا. كفى فتنة وتخريبا، وكفى عبثا بالوطن والمواطن. وعيد ميلاد مجيد لكل أبناء الشعب من مسلمين ومسيحيين، لأن عيد ميلاد المسيح ليس عيدًا دينيًا، وإنما عيدًا وطنيًا بامتياز أيضًا.