في الوقت الذي يعاني فيه أهلنا في قطاع غزة المكلوم من أزمات خانقة كبرى، حيث تعز لقمة العيش الكريمة، ويعز أكثر، الأمن والأمان، وحيث لا مسؤوليات ولا مهمات لدى سلطة الأمر الواقع الحمساوية سوى مسؤوليات ومهمات تأبيد سلطتها، فلا تفعل شيئًا لمواجهة ازمات القطاع المكلوم التي تفاقمها اليوم جائحة الكورونا على نحو بالغ الخطورة، ولا تقدم على أيّة خطوة للتصدي لها، نقول في هذا الوقت ومع هذه الأزمات، وهذه الجائحة، لا تجد حماس من مسؤولية تتحملها، سوى أن تتصدى لفرحة أهل القطاع من إخوتنا المسيحيين بأعيادهم، ومن خلال تعميم "لمفوضية" الأوقاف الحمساوية، دعا بتعليمات حزبية، إلى سلسلة اجراءات "دعوية" للحد من فعاليات أعياد الميلاد المجيدة، ورأس السنة والحد من التفاعل مع هذه الأعياد!! والتي لطالما كانت عبر التاريخ، أعيادًا احتفل بها أهل فلسطين من المسيحيين والمسلمين.
وحقًا، وكما يقول المثل العربي البليغ، عش رجبًا، ترى وتسمع عجبًا، مع القرن الواحد والعشرين تتصدى حماس لفتاوى لا تناسب حتى عصر ابن تيمية!! ووطنيًا فإنها بالضد من كل قيم ومفاهيم الثقافة الفلسطينية اللاطائفية، والمحمولة على التنور والتسامح، والمشغولة بقيم الجماليات الانسانية.
يعرف العالم، ووحدها حماس على ما يبدو أنها لا تعرف، أن أبرز وأهم ما ميز فلسطين عبر التاريخ، وما زال يميزها، وهي أرض الديانات السماوية، أنها وطن التسامح، والتعايش المشترك بين أهلها من اية طائفة وديانة كانوا، وليس هناك أي لغو عنصري يسمع منهم وبينهم، ونعرف من التاريخ، كان من بين جنود صلاح الدين، مسيحيون فلسطينيون قاتلوا الغزاة الفرنجة، تحت أخرج القائد المسلم، ونعرف أكثر وأبلغ العهدة العمرية، كأهم وأشهر وثائق التسامح الديني لا في تاريخ القدس فحسب، وإنما في تاريخ العالم كله، والتي خطها الخليفة العادل عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، وأعطى بموجبها أهل القدس من المسيحيين، الأمن والأمان لهم ولكنائسهم وممتلكاتهم، وحضورهم أبناء للمدينة المقدسة، ومن أصولها التاريخية.
سلسلة طويلة من الاجراءات في التعميم الحمساوي، وفقط للحد من فعاليات أعياد الميلاد المجيدة، وكأن هذه الأعياد أخطر من جائحة الكورونا!!! أو لعلها كما ترى حماس أبغض من الجوع!!! أو لربما هي ما يهدد سلطتها!!! فلا بد إذن من التصدي لها بإجراءات ما أنزل الله بها من سلطان!!!!
سلسلة الاجراءات الحمساوية هذه والتي من بينها "جولات ميدانية دعوية، وخطب في الاذاعات المحلية والفضائيات والاعلام، ونشر دعوات الكترونية، وإصدار فتاوى تتعلق بالموضوع" فتاوى تحرم وتمنع ليس إلا، ومن يقرأ تعميم "مفوضية" الأوقاف الحمساوية هذا، سيعتقد ان هناك حربا طاحنة تستعد لها حماس بكامل عدتها القتالية!!! حرب لا توازيها أية حروب أخرى، ولا حتى حرب "المقاومة" بل ان هذه لم تعد غير حرب الصراف الآلي، التي لا تحتاج لأية اجراءات دعوية واحترازية!!!
لا قوة ولا أيّة فتوى بوسعها ان تمنع الفرح في موعده، خاصة حينما يكون فرحا بعيد مقدس عند أهله، وأصحاب بيته، وفِي وطنه، ومنذ نشأته الاولى، وكنيسة المهد في بيت لحم تشهد على ذلك، وكنيسة البشارة في الناصرة كانت قد آذنت بقدومه، يوم بشر الملاك جبريل، بمولد عيسى المسيح عليه السلام ولا شيء والحالة هذه، بوسعه ان يحد من فعاليات هذا الفرح، الذي توقد فيه شموع الصلوات، وغزة لم تمنع يومًا احتفالًا بهذا الأعياد، وهي أدرى بوطنية أهلها، المسلمون والمسيحيون، وقد عاشوا سوية بوئام ومحبة، منذ ان صارت غزة هاشم التي تريدها حماس اليوم بمثل هذه الفتاوى الحزبية، ان تكون غزة الجهالة، والتطرف، والغلو الذي لا علاقة له بالإسلام السمح ولا بأي حال من الأحوال.
سنحتفل مع إخوتنا من المسيحيين بأعيادهم بالتهنئة الخالصة، ونشعل شمعة أخرى ضد ظلام الجهل والتخلف، ومن أجل ان نكرس نور المحبة والتسامح والعيش المشترك، والإيمان برسل الله، وأنبيائه، وكتبه في أرضنا التي باركها الله وما حولها، وفيها المسجد الأقصى، وقبة الصخرة المشرفة، وكنيسة القيامة وطريق الجلجلة، فيها بدايات التاريخ وحصونه الكنعانية، التي لن يكون بمقدور فتاوى الجهل، وسياسات التطرف، حمساوية كانت، أم عنصرية صهيونية، أن تهدمها ولا بأي شكل من الأشكال.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها