رداً ، على إستشهاد معاذ الكساسبة  نفذت السياسة الأردنية سلسلة من الإجراءات العملية بدأت بتطبيق حكم الإعدام بحق ساجدة الريشاوي وزياد الكربولي ، وإطلاق سراح المقدسي ، وتوجيه ضربات جوية مركزة ضد قواعد ومؤسسات داعش والقاعدة ، على الأراضي العراقية والسورية عاكسة القرار الأردني ، نحو مجموعة من التوجهات العسكرية والأمنية والسياسية وربما تتسع للفكرية ولغيرها ، بهدف تطويق المداخل والمراجع والأدوات للفصيلين ، والحيلولة دون وصول عملياتهم إلى الأردن .  

وها هي القيادة المصرية ، رداً على إعدام المواطنين المصريين الأبرياء بشكل همجي وعنصري بغيض ،  تتخذ أيضاً سلسلة إجراءات مماثلة كما فعل الأردن ، وتوجيه ضربات مكثفة ضد قواعد ومؤسسات داعش والقاعدة على الأراضي الليبية . 

لنلحظ هنا أن ردود الفعل الأردنية وبعدها المصرية ، لم تكن لتتم لولا مبادرات داعش والقاعدة في توجيه الأذى للمواطنين الأردنيين وللمصريين ، ولم يكن الأردن ومصر وغيرهما من البلدان العربية أصحاب مبادرة لتوجيه ضربات إحترازية موجعة لكل من القاعدة وداعش ، مع العلم أن هنالك غطاء لممارسة هذا الدور المبادر وهو إتفاقية الدفاع العربي المشترك ، مثلما يمكن توفير الغطاء الدولي من قبل مجلس الأمن للقيام بهذا العمل الهجومي والمبادر ، فقد وظفت الولايات المتحدة قرارات الأمم المتحدة ، لإسقاط نظامين عربيين بالقوة المسلحة في العراق وليبيا ، فكيف لا تستطيع المجموعة العربية ، توظيف سلسلة القرارات الصادرة عن مجلس الأمن للقيام بمبادرات الأسناد للعراق وسوريا واليمن وليبيا .  

تتميز داعش والقاعدة ، على أنهما من التنظيمات السياسية العابرة للحدود ، فما تفعله في العراق وسوريا واليمن ومصر وليبيا ، وغيرها من الأماكن ، يتم عبر سياسة مرجعية ورؤية عقائدية واحدة ، ويتم تنفيذ برامجها من قبل قيادات وأدوات محلية ، وهو المطلوب عربياً ، فالأردن ومصر والسعودية والسودان والجزائر والمغرب ، عليهم أن يوفروا الدعم المباشر ، المتعدد الأشكال للأطراف العربية الأخرى التي تحتاج للدعم والإسناد ، فإذا كان الإرهاب عابراً للحدود ، عبر تنظيماته المتعددة ، فالإسناد العربي أيضاً ، يجب أن يبقى عربياً خالصاً ، وعابراً للحدود . 

لقد نجحت القوات المسلحة الأردنية ، في توجيه ضربات قد تكون موجعة لداعش وللقاعدة  ، وقد تكون القوات المصرية قامت بالعمل نفسه ، ولكن ذلك غير كاف لإيلام التطرف ولجمه ، فالمطلوب كما فعلت قوات الأمن الأردنية بجلب زياد الكربولي ، مطلوب جلب قيادات وعناصر من داعش والقاعدة وتقديمهم للمحاكم الأردنية ، لأن مثل هذه العمليات النوعية ، حتى ولو كانت في مناطق رخوة ، ستؤدي إلى تحقيق غرضين أولهما زعزعت معنويات المتطرفين وحشرهم ، وثانيهما رفع معنويات شعبنا وثمناً نقدمه لأهالي الضحايا والشهداء الذين فقدوا أعزاءهم ، وهذا ما يجب أن يفعله الجيش المصري ، عبر عمليات إنزال خاصة ونوعية ، بالتنسيق المسبق مع الليبيين وبمشاركتهم ، كما يجب أن نفعل نحن هنا ، بالتنسيق والشراكة مع العراقيين والعشائر العراقية . 

ما تفعله القاعدة وداعش ليس بعيداً عن تراث البشرية الأسود ، فمحاكم التفتيش الكنسية الأوروبية في قرون ما قبل النهضة الصناعية والفكرية والثقافية ، وحرق المفكرين وقادة الرأي هو الذي دفع أوروبا كي تنهض ، وتهزم قوى الظلام وعناصر التخلف وتتخلص من الرجعية ، وتتقدم نحو العصر وتعيش الحياة وتنتصر فيها ولها التعددية وإحترام حقوق الإنسان ، وهو ما يجب أن يكون عندنا ولدينا ، إذ أن الثمن الذي ندفعه من دماء الضحايا والشهداء ، وعرق الشعوب الذي تم هدره في بناء المؤسسات ويجري تدميرها الأن في العراق واليمن وسوريا ومصر وليبيا على أيدي التطرف والإرهاب والتخلف هو الذي سيدفع شعوبنا لأن تبحث عن البديل الديمقراطي التعددي العصري ، الذي يحتكم لنتائج صناديق الإقتراع ، فلا شرعية إلا لما تفرزه صناديق الإقتراع ، وهي تقاليد ما زالت بدائية في عالمنا العربي ، نتيجة سنوات التسلط ، تسلط الفرد والعائلة والطائفة واللون الواحد ، تحت غطاءات مختلفة ومتعددة .

الألم والقسوة والفقر هم الدوافع لرفض الواقع المأساوي ، وصولاً إلى الأمن والإستقرار وإحترام حياة الإنسان بصرف النظر عن دينه أو قوميته أو جنسه أو لونه .