خاص مجلة القدس- بقلم: محمود الأسدي

حَمَلَ الربع الأخير من عام 2012 إنجازين مهمين للثورةِ الفلسطينية وفصائلها وقواها الإسلامية والوطنية ومعهم أنصار السلام وحقوق الإنسان وأحرار العالم.

تمثل الانجاز الأول في صمود بطولي وانتصار مهم على آلة التدمير الصهيوني وإن اقتصر تأثيره على الوضع النفسي والسيكولوجي.

إن صمود الثورة الفلسطينية بشقيها العسكري والمدني أمام الآلة العسكرية الصهيونية المدمرة، الهمجية والوحشية لأيام ثمانية متتالية، واستمرار الرد الفلسطيني بإطلاق صواريخ المقاومة حتى اللحظة الأخيرة لإبرام "التهدئة"، وفشل بطاريات باتريوت الأمريكية في اعتراض تساقط بعض صواريخ المقاومة على تل أبيب، والقدس، عسقلان، وأشدود، بئر السبع والعديد من مدن وبلدان الخط الأخضر قد أرعب العدو وسيطر الخوف والهلع على المدنيين والعسكريين الصهاينة، وأربكهم وشلّ تحركاتهم.

صحيح أن تأثير القوى التدميرية لصواريخ المقاومة لم يكن كتدمير تلك الصواريخ الأميركية- الصهيونية المتطورة فإن أثرها وتأثيرها السيكولوجي والنفسي كان مدهشاً ومرعباً على المجتمع الصهيوني- العسكري والمدني.

وقد نقلت فضائيات العالم مشاهد خوف وهلع عمّ المجتمع الصهيوني. وهذه مجندة صهيونية تختبئ بين المدنيين تنتحب وترتجف من رهبة المقاومة الفلسطينية. لقد شلَّت صواريخ المقاومة حياة العدو برمتها لأيام ثمانية حيث قضوا أيامهم ولياليهم في الملاجئ لأول مرة في تاريخ الصراع الفلسطيني الصهيوني منذ عام 1948.

الانجاز الثاني العظيم انتصار الدبلوماسية الفلسطينية في 29 تشرين ثاني المنصرم. فلسطين اليوم لم تعد تحمل قرار الجمعية العمومية للأمم المتحدة رقم 194، وإنما فلسطين اليوم تحمل دولة مراقب "194" غير كامل العضوية شأنها شأن دولة الفاتكان.

أهميةُ هذا الانجاز الدبلوماسي تكمن في أن فلسطين لم تعد أرضاً متنازع عليها كما جاء في قرار194 لعام 1948، وإنما فلسطين اليوم دولة تتمتع بحقوق كسائر دول العالم في المحافل الدولية ومؤسسات هيئة الأمم المتحدة والمنظمات الحقوقية والتربوية والإنسانية والمحكمة الدولية. قبول فلسطين دولة مراقب غير عضو يمنحها الحق في مقاضاة الصهاينة أمام محكمة العدل الدولية ومحكمة الجنايات الدولية دون وساطة أحد. وهذا الحق يخول فلسطين مقاضاة الصهاينة على إجرامهم بتدمير الحياة المدنية للفلسطينيين، واستلاب أرضهم وإقامة المستوطنات عليها وبناء جدار الفصل العنصري وطرد المقدسيين من القدس، واغتيال بعض قادة الفكر والثورة- كمال ناصر، كمال عدوان وأبو يوسف النجار في لبنان، وأبو جهاد الوزير وأبو إياد وأبو الهول في تونس، والشيخ أحمد ياسين وأحمد الجعبري في غزة، ومحمود المدبوح في الخليج العربي، والهمشري في إيطاليا وحسين أبو الخير في قبرص، وغيرهم من أبطال وقادة المقاومة الفلسطينية.

إن تقف 138 دولة عالمية وتقول "نعم" لدولة فلسطين "194" يشكلُ انتصاراً لعدالة قضية الفلسطينيين كما يشكل صفعةً للدبلوماسية الأميركية وربيبتها الصهيونية ودول سبع وقفت ضد القرار.

انتصارُ فلسطين انتصارٌ كبير للسلام والديمقراطية والشرعية الدولية وللإنسانية، وإن لم يكن الانتصار الذي ينشده الفلسطينيون. إنما هذا الانتصار يبقى خطوةً راسخةً في تثبيت الحقوق الوطنية، ولبنةٌ تضافُ إلى انجازات سابقة حققتها الدبلوماسية الفلسطينية حين كان قبول عضوية فلسطين في مؤسسة اليونيسكو العالمية عام 2011، وقبلها حين وقف الرئيس الرمز ياسر عرفات مخاطباً أعضاء الجمعية العمومية للأمم المتحدة قائلاً: "لا تسقطوا الغصن الأخضر من يدي"،  عام 1974.

إن حصولَ فلسطين على دولة مراقب غير كامل العضوية في 29 تشرين ثاني 2012، وقول 138 دولة "نعم" لفلسطين يشيرُ أن العالمَ سئم وملّ التسويف والمماطلة، الغش والخداع الصهيوني، وأن الموقف دلالةٌ أيضاً أن القضية الفلسطينية هي قضية شعب فلسطين وإن فلسطين ما زالتْ لبَ الصراع وهي قضية لا تزال حيّة رغم كل ما جرى في العقدين الماضيين وتحديداً منذ اتفاق أوسلو عام 1993.

انتصرتْ فلسطين رغم الاستمرار الجاريٍ للبحثِ عن تسوية في ظل ظروف وموازين قوى لا تسمع بها الآن، ومع استمرار تسويف ومماطلة وتوسع صهيوني استيطاني يهدف تغيير معالم الجغرافيا والديمغرافيا الفلسطينية بغطاء أمريكي.

فلسطين اليوم بحاجة إلى اتفاق مصالحة بين قواها الوطنية وفصائلها المناضلة وإنهاء الانقسام والتشرذم بين حركتي فتح وحماس على أساس برنامج وطني يرتكز على قواسم مشتركة ويحققُ شراكةً وطنية- سياسية ونضالية راسخة.

لتعلم كل من فتح وحماس أنهما برأي إسرائيل يمثلان إرهاباً سياسياً ودبلوماسياً وعسكرياً. إنه تآمر لزرع الفتنة والتهرب من الاستحقاقات المترتبة على الصهيونية والضمانة الأمريكية.

الرد المطلوب بعد الانجازين يكون:-

1- تشكيل حكومة مؤقتة تقوم بالإعداد للاستحقاقات القادمة، سيما وأن إسرائيل تتحكم وبغطاء أمريكي بثلاثة ملفات= ملف الحكومة، الأمن، ولجنة الانتخابات. وعملت سابقاً على إفشال الحكومة الفلسطينية حين اعتقلت 45 نائباً ووزيراً مما أدى إلى تعطيل المجلس التشريعي.

2- تشكيل لجنة انتخابات وإجراء الانتخابات.

3- تشكيل لجنة أمنية تشرف على حماية الوطن والمواطن. يمكن لإسرائيل التدخل في البندين السابقين 2، 3، إذا استمر التجاذب والتنافس بين فتح وحماس.

4- وضع رؤية استراتيجية جديدة لمواجهة التحديات الراهنة والمحتملة.

5- إعادة هيكلة منظمة التحرير الفلسطينية لتُظَّل القوى الإسلامية والفصائل الوطنية التي بقيت خارج منظمة التحرير والتواصل المستمر مع الدول العربية والدول المحبة للسلام للضغط على أمريكا وإسرائيل معاً.

الفلسطينيون في الضفة الغربية وقطاع غزة وفلسطين ما قبل 1948، وأهلهم وإخوانهم في الشتات ينشدون ويصرّون على المصالحة والوحدة الوطنية حتى لا تتكرر مأساة ما قبل اتفاق مكة عام 2007.

بالاتفاق والحوار والمصالحة يكون الرد الحاسم على العقوبات الصهيونية، والعمل للحد من التوسع الاستيطاني وكسر الحصار المضروب على قطاع غزة خاصة بعد الحراك العربي الجديد والموقف الإسلامي والدولي. ولا مقايضة بين الحقوق الوطنية الفلسطينية والعقوبات الإسرائيلية.