إن من مظاهر الإنهاك والتقهقر في أي تنظيم سياسي، ما نعاني منه في التنظيمات الفلسطينية عامة وفي حركة التحرير الوطني الفلسطيني- فتح له خمسة مظاهر أساسية باعتقادي، أجملها بالتالي:
1- ضعف أو انعدام التواصل : فهو تواصل ضعيف أحياناً وفي بعض المستويات إلى درجة الانعدام، بحيث ان القائد/ أمين السر المعني في موقعه مكتف بذاته، لا يجد بنفسه حاجة للتواصل والمشاركة مع زملائه فما بالك بمن هم ضمن مسؤوليته.
كما أن التواصل قد يأخذ شكلاً موسميا أو مرتبطا بحدث ( مهرجان / انتخابات/ حشد...) مما يفقد القاعدة التنظيمية كما يفقد الجماهير ثقتها، وتنظر لهذه الأطر / المستويات نظرة انتهازية.
أضف إلى ذلك ضعف الوعي الديمقراطي الذي يؤدي لتعطيل الحياة الديمقراطية المتوجب استمرارها عبر الاجتماع والتقرير والندوة والمؤتمرات، والتي حين فقدانها وما هو حاصل فعلاً فإن تراكم الفشل يصبح موهبة أو مهنة.
2- جمود العقليات : وتبرز في شكلين رئيسيين الأول التمسك أو النضال للتمسك بمسميات بلا مضمون من جهة، وعدم تقبل التجدد أو التغيير في الفكرة أو الموقع باعتباره نسفاً للواقع القائم المريح، وبالتالي هو طريق سالك للتخلص من أصحاب العقول المتكلسة أو الجامدة ما ترفضه مثل هذه العقول بإباء فتعطل وتدمر وتخرّب.
إن التغيير عدو الجبناء وعدو الفاشلين وعدو جامدي التفكير ناقصي الفعل يقاومونه دفاعاً عن مركب الفشل فيهم، وحماية لمواقعهم التي قد تكون في كثير من الأحيان شكلية.
ان التجدد بالاغتسال بمياه جديدة كل يوم هو سمة المبتكرين المبدعين والطموحين والايجابيين الراغبين برقي ذواتهم ومحيطهم، لا يخشون ولا يجبنون ولايجفلون.
3- انعدام الهياكل/ الأطر: إذا كان الترابط التنظيمي في أي مؤسسة وسيلة لنقل المعلومات في الجسد من أسفل إلى أعلى، ونقل التوجيهات والقرارات والتعاميم من أعلى إلى أسفل، ووسيلة لإحداث التفاعل المطلوب، وتحديد صلاحيات ومهمات عمل كل مرتبة فإننا نجد هذه الهياكل أو التراتبية مفقودة عامة، وإن وجدت في بعض المفاصل فوهمية أو شكلية.
إن العطاء والعمل والتفاعل والمحاسبة والتواصل كلها في الهيكل التنظيمي كالدماء التي تسري في الجسد والهيكل هو تماماً كالهيكل العظمي بالإنسان يبرز الجسد ويعطيه متانته، فلا جسد صحيح والعظام متكسرة، ولا جسد حيّ لا تسري فيه الدماء.
4- السوداوية:لطالما تحدثنا عن حالة السوداوية أو السلبية، أو النقد المفرط إلى حد جلد الذات أو التغني بأمجاد الماضي أو أننا تنظيم الأوليّات في حركة فتح، ولطالما برز من بين الجموع في الميدان وعلى مواقع التواصل الاجتماعي من يلبس نظارة سوداء يأبى أن ينزعها عن عينيه.
إن ورقة النعي التي طالما تحدث عنها المفكر هاني الحسن مشيراً لأمثال هؤلاء السلبيين تدلل على وجود فئة منقبضة، مبتعدة، متهربة من المسؤولية أو لفئة راكمت السلبيات فلم ترى من بين كومتها أي بارقة أمل، أو هي فئة من التطهيريين الذين يسقطون في أول امتحان.
إن كان النقد ضرورياً وهو حتما كذلك، فهو شائن للكادر التتظيمي أن كان لذاته وانفصل عن العمل، وهو ضار بالجسد التنظيمي إن لم يقترن بالعمل، وهو مما لايستمع أحد له أن جاء من شخص سلبي.
إن السوداوية أو السلبية على سوئها، إلا أن هناك عوامل حقيقية تدفع بالبعض من العناصر والكوادر لهذه الزاوية وأهمها إغفالها أو إبعادها أو عدم مشاورتها أو عدم التواصل معها وعدم الاعتراف بدورها أو مكانتها ما هو خلل قيادي.
5- عدم التطور في الأفكار: ان الفكر كائن حي ينمو ويتطور فلا يجمد عند فكرة ملهمة ويتوقف، ولا يرى المتغيرات الداهمة فيقف متفرجاً بل متفاعلاً، وأزعم أن التطور في الفكر السياسي لحركة فتح سمة من سماتها، ولكن.
إن الفكر إن لم يرتبط بمركز أبحاث أو لجان تخطيط سراطي (= استراتيجي) ومراكز دراسات ولجان عمل أو خلايا تفكير يصبح مجموعة اجتهادات مهمة ولكنها متناثرة ولا ترقى لتصبح برنامج عمل تنظيمي.
إن الإبداعات والاضاءات والإشراقات في حركة فتح كثيرة تلطم خدود السوداويين فيها والحاقدين من خارجها، ولكن التطور والتغيير الممنهج والجماعي في الأطر والأفكار والشخوص ضرورة لا محيد عنها، تتكامل حكما مع تفعيل الحياة الديمقراطية بما تجلبه من حراك وتواصل ومشاركة دورية لا موسمية تفجر الطاقات وتقدّر الإبداعات وتشد على يد أصحاب الانجازات حيث الطريق مفتوح والمساحة متاحة للجميع أو يجب أن تكون كذلك.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها